أرشيف - غير مصنف

نحو أطار عام للمفاوضات الفلسطينية ألأسرائيلية

 

دكتور ناجى صادق شراب

تشهد المفاوضات الفلسطينية الأسرائيلية حراكا أقليميا ودوليا ينطلق من قناعة سياسية أنه ما زالت هناك فرصة مع ألأدارة ألأمريكية الجديدة لأستئناف المفاوضات ، والدفع بها فى أتجاه ألأنطلاق والتسوية النهائية . ، وحتى تحلق المفاوضات فى مسارها الطبيعى وتأتى بالنتائج المرجوة منها ، لا بد من التأكيد على الملاحظات النالية : أولا  لا بد من ألتأكيد على مرجعية وإطار عام محدد لأى مفاوضات قادمه ، وثانيا لا يمكن تجاهل الميراث التفاوضى السابق ،وما تم من تفاهمات بين الطرفين ، وإلا ستدور المفاوضات فى حلقة مفرغة ، وثالثا ألأتفاق على سقف زمنى محدد تنتهى خلاله العملية التفاوضية ، فقد أستغرقت المفاوضات أكثر من ستة عشر عاما من التفاوض دون نتيجة وحسم ، وهذا من شأنه أن يفقد خيار المفاوضات صدقيته وفعاليته ، وبالتالى الفشل فى المفاوضات سيشجع على إنتشار خيار التشدد والعنف . ورابعا قيام ألأطراف ألأخرى وخصوصا الولايات المتحده ألأمريكية بدورها المباشر فى الضغط والتأثير لدفع العملية التفاوضية ، وخامسا وهذا هو ألأهم ضرورة تحديد المفاهيم التفاوضية بدقة ، وتحديد الدور المطلوب من كل طرف ، ولا يعقل هنا التكافؤ بين أسرائيل كدولة أحتلال ، وبين الفلسطينيين أراضيهم محتله وحقوقهم مفقوده، ولايملكون دولتهم وسلطتهم السيادية ، وخامسا وهى أمتداد للملاحظة الرابعة مراعاة مبدأ التوازن فى التنازلات ، وعدم ألأنطلاق من قاعدة أن على الطرفين أن يقدما نفس القدر من التنازلات ، وسادسا مراعاة أن المفاوضات فى النهاية تتطلب تنازلات حقيقية تتعلق حتى بمبدأ الحقوق ، لكن ليس لدرجة الغائها عند الطرف الذى لا يمارس هذه الحقوق . وأخيرا ان يكون موضوع الدولة الفلسطينية وقيامها وأستقلالها وأكتسابها العضوية الكاملة فى ألأمم المتحده قوة الدفع الحقيقية لأى مفاوضات قادمه ، ومن خلالها يمكن تسوية العديد من القضايا التفاوضية .
وكما هو معروف فى أدبيات التفاوض أن المفاوضات عملية معقدة ، وخصوصا فى نزاع وصراع كالصراع العربى ألأسرائيلى الذى يتعلق بالحقوق والوجود ، وبقضايا يصعب حلها دون المساس بها ، وهى أيضا بيئة معقدة ، داخلية تحكمها منظومة قيم ومعتقدات وأيدولوجيات قد يصعب تقابلها ، وبيئة اقليمية تجكمها موازين قوى ومصالح قد تكون متنافرة ومتصارعة ، وبيئة دولية تحكمها مصالح دول وقوى تتجاوز مصالحها الأطار ألأقليمى ، وحتى ألأطار المحدد الضيق الذى يحكم العملية التفاوضية ،وكل هذه المتغيرات والأبعاد توضح ما مدى تعقد هذه العملية التفاوضية ، ولذلك بقدر التواصل والتقارب بين هذه المحددات وألأطر بقدر ألأقتراب من أتفاق تفاوضى . ويبدو أن هذه المحددات هى فى أفضل ما قد تسمح بالوصول لهذه النتيجة ، ولذلك إذا لم يتم ألأستفادة منها فمعنى ذلك أن خيار المفاوضات سيحكم عليه بالفشل ، أو على أقل تقدير سيكون لحساب خيارات تفاوضية اخرى تتعلق بالمحددات ألأخرى التى تحكم القضية الفلسطينية ، وهذا ما ينبغى ألأشارة اليه فلسطينيا ، وأستيعابه قبل فوات ألأوان .
والمفاوضات هى أنعكاس لعوامل ومتغيرات ومحددات كثيرة ، وقد تكون المفاوضات الفلسطينية ألأسرائيلية من اكثر المفاوضات الدولية تعقيدا وتشابكا ، وتشبة تماما عقدة جوردان ، أو الحبل ذى العقد المتداخلة ، ما أن تنحل عقده حتى تظهر عقدة أخرى مما قد يستوجب التعامل باسلوب الحسم الكلى ، أو باسلوب ما يمكن تسميته برزمة الحسم النهائية ، وعندها يمكن لكل طرف أن يقارن الوضع قبل التفاوض مع الوضع بعد التفاوض ، وهنا تاتى عملية ألأختيار والتصويت الشعبى الذى قد يضفى الدعم لكل أتفاق يتم التوصل اليه من قبل القيادات السياسية .
وبناءا عليه فإن أى مفاوضات بين الطرفين الفلسطينيى وألأسرائيلى يجب أن تستند على مرجعيات وأسس ومبادئ واضحه وأن تكون قائمه على اساس القانون الدولى ، وعلى المرجعيات الدولية وقرارات الشرعية الدولية ، وعلى كل التفاهمات التى تم لتوصل اليها ، وليست  مجرد وعود وشعارات قد تذهب مع أصحابها ، مثل وعود الرئيس بوش لشارون ، او رؤية شارون ، أو نيتينياهو ، أوأى رؤية شخصية ، فهذا من شأنهأن يفقد العملية التفاوضية منذ البداية قوة دفعها الذاتية ، وتحتاج العملية التفاوضية الحقيقية الى دور أمريكى واضح ، ولا يقتصر على تقديم الضمانات أو رسائل تطمينات لكل طرف بقدر ما هو تقديم رؤية واضحة لما يمكن ان يقوم عليه السلام ، وأن ترتكز هذه الرؤية على مرجعية قانونية ، الى جانب مرجعيتها السياسية . فكل قضية من قضايا المفاوضات النهائية تتوفر لها مرجعيات قانونية واضحة لا يمكن تجاهلها ، وإذا ما أخذت فى ألأعتبار الى جانب المرجعية السياسية يمكن الوصول الى حلول وسط تحقق قدر كبير من التوازن والتكافؤ فى الحقوق ، وصولا الى مفاوضات واقعية وقابله للتطبيق والتفيذ . وبعيده عن مفاوضات سياسات القوة التى تعنى ألأستسلام والتنازل ألأحادى الذى يقف وراء تعثر المفاوضات حتى ألأن . وعليه الخطوة ألأخرى المهمة الى جانب ألأساس القانونى المستند على أساس سياسى هو تحرير المفاوضات من سياسة القوة وموازين القوة ، وفرض ألأمر الواقع ، وتجاهل مبدا استعادة التوازن فى الحقوق.
ولناخذ على سبيل المثال بعض القضايا للتدليل على ما نقول : فقضية ألأستيطان إذا لم يتم الأخذ بالمرجعية القانونية ، ستشكل ليس فقط عقبة فى طريق المفاوضات بل التسليم بها يعنى اجهاض للمفاوضات ، لأن من شأنها إفشال قضية الدولة الفلسطينية التى تعتبر قلب أى عملية تفاوضية ، وهنا على أسرائيل أن تدرك أن هذه المستوطنات تتعارض وخرقا لكل القوانين والنظم المتبعة فى أوقات الحرب وألأحتلال ، حيث أن قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن ألأمم المتحده تؤكد على أن اسرائيل قوة أحتلال ، وأن ألأراضى الفلسطينية هى أراض محتلة وتنطبق عليها أحكام أتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 ، وبصفة أسرائيل طرفا فيها ، فإنه يتحتم عليها تطبيق ألأتفاقية . وهنا من باب التذكير العديد من القرارات مثل القرار رقم 446 لسنة 1979 ، والقرار رقم 452 لسنة 1979 ، والقراررقم 465 ورقم 478 لسنة 1980، وهذه القرارات صادرة عن مجلس ألأمن ، والى جانب ذلك هناك قرارات صادرة عن الجمعية للأمم المتحده مثل قرار رقم 2851 ، وألأمر لا يقتصر على الأستيطان وعدم قانونيته وشرعيته ـ فهناك قرارات تتعلق بالدولة الفلسطينية كالقرار رقم 181 ، واللاجئيين القرار رقم 194 ، والقرار رقم 242 و 338 , ، وهذه مجرد أمثلة لما يمكن تسميته بالمرجعية القانونية التى لا يمكن تجاهلها كلية فى أى مرجعية تفاوضية متفق عليها , وفى هذا السياق يمكن التوصل الى ما يمكن توصيفه بالمرجعية الكلية والشاملة والتى على اساسها يمكن أن تستأنف المفاوضات الفلسطينية . وأخيرا مفاوضات بدون مرجعية وأطار زمنى محدد ، وبدون رؤية واضحة للسلام ، سنكون أمام مفاوضات أشبه بمن يدور حول الساقية دون بئر ماء .
دكتور ناجى صادق شراب /أكاديمى وكاتب عربى
[email protected]
 

 

زر الذهاب إلى الأعلى