ماسونيّة أم مسيحيّة نقيّة .. وصيّة المجنون
1 – صفعة للكنيسة الكاثوليكيّة .. يسوع مؤسس المحفل الماسوني الأوّل :
" إطاعة البابا تعني الحكم على الروح بالهلاك الأبدي ، لأنّ الله ليس مع الأغنياء ، و المرابين البابا أخ للشيطان (…) أيها الكاهن الشيطان سيدك ، و أنت جاهل ذلك إذا افتح عينيك : ألا ترى انّك تخدم الكنيسة الكاذبة ( … ) الحيوان في روما كالدودة في الثمرة . نحن لا نعترف بأسراره المقدسة . المسيحيّة العاهرة ليست سوى ساحرة " .. هذه العبارات هي توصيف للكنيسة الكاثوليكيّة ، و رأسها البابا … أطّل به علينا المؤلف الفرنسي " DIDIER CONVARD" في الجزء الأولّ من روايته " LE TRIANGLE SECRET " ( 1 ) في فصل " المبشر " .. و هذا لا شيء أمام الفكرة الرئيسيّة في مؤلفه هذا .. و التي يسير فيها على خطى المؤلف " دان براون في شفرة دافنشي " لتوجيه صفعة جديدة للكنيسة الكاثوليكيّة " مع الفارق الكبير في جودة حبكة روايات دان براون " ..
في هذه الرواية التي يتداخل فيها تاريخ المسيح " يسوع ".. بتاريخ الحروب الصليبيّة ، و ما قبلها ، و ما بعدها بالزمن الحاضر .. يتغلغل بطل الرواية ( ديديه ) الذي يحمل " اسم المؤلف " فيما يسمّى " الانجيل الحقيقي " الذي كتبه بيده من يسمّى " يسوع " بعد نجاته من الذين يريدون صلبه ، حيث التجأ إلى " كهف قمران " هو و زوجته ، و أبنائه ، و يوحنّا صديقه المخلص ، و باقي التلاميذ .. ثمّ لنكتشف أن الذي تمّ صلبه " هو المسيح الدجّال " المسمّى " توما " الشقيق التوأم لـ " يسوع " .. ثمّ ليصفع الناس بحقيقة أنّ مؤسس المحفل ( الماسوني ) الأوّل هو " يسوع " .. و مرّة أخرى يظهر الدور الحقيقي " حسب الرواية " لحماة هذه الحقيقة ، و هم " فرسان الهيكل " أو " الداويّة " بحسب
تصنيف المؤرخين " العرب " للفرق المسيحيّة ..
" بقي يوحنا وحيدا يفكّر بصديقه الراقد في صلصال الغابة اللزج ( يقصد يسوع ) إنجيله بين ذراعيه المتيبستين الباردتين ، لم يكن يوحنا قادرا على التخيّل أن بعض البناة سيقيمون الكنيسة على كذبة ..لم يكن في مقدوره التنبؤ في البعيد .. أو استكشاف الرائحة المريضة من الأجسام المحروقة على المحارق .. صياح ، و صراخ المعذبين في غياهب سراديب المحققين ..ضجيج الحروب حول قبر فارغ بالقدس .. الديانات .. السياسة .. الزهو ، و التبجح ، السلطة " ..
بهذا التلخيص السريع يمرّ المؤلف " ديديه كونفار " على كذبة الكنيسة الكاثوليكيّة حول قبر " يسوع " .. ثمّ يكثف المفردات ليمرّ على المحارق التي أقامتها هذه الكنيسة " للمخالفين لها " ، و ليمرّ أيضا على محاكم التفتيش ، التي تمّ استبدالهما بعصابة قتل يرأسها الباباوات تسمّى " حرّاس الدم " أو " ميليشيا البابا " ، و التي تحاول تصفية كل من ينتمي إلى مؤسس المحفل الأول ، و ما تلاه من محافل " ماسونيّة " من أجل الإبقاء على كذبة " صلب يسوع " ، و القضاء على كلّ الحاملين لسرّ " يسوع الحقيقي " من " الماسونيين " ورثة تراث " فرسان الهيكل " ..ثمّ ليكشف الراوي زيف الأسباب التي قامت من اجلها ما يسمى " الحروب الصليبيّة " (2) ..
ثمّ يستمرّ المؤلف على لسان يوحنّا : " مضى الوقت .. يوحنّا لم يكن يفكّر إلاّ بصديقه ( …) لم يكن يتذكّر إن كان اسمه يسوع .. إلاّ إذا كان ( اوزيريس ، أو حيرام ، أو يوحنّا المعمدان ) " ..
إذا فإنّ مؤسس المحفل الأوّل كان استمرارا لكلّ العظماء الذين يقدّر " الماسونيين " ، و يجلّون .. المهندسون الأوائل .. الذين استقى منهم يسوع قدرتهم " ليبني محفله " الذي سيحفظ " جسده ، و الإنجيل الذي خطّ بيده " ..
2 – الماسونين ..خطاب الأخوّة
" يتابع يوحنّا : لم نضع يسوع وسط الغابة ، بل في أعماق ذهننا (…) من يملك ، و يحتفظ بالمعرفة مفتاحٌ .. نحن جميعا أخوة يسوع عبر مساورتنا ( نقل السرّ ) .. إذا أخو الإنسان !! يتعلق الأمر الآن بالشكل التوأمي .. بأن لا نقلد و أن لا نخون أبدا أخينا من جديد .. أن يدعى الأخ يسوع ، او زكريا ، أو ( …) أن نصبح ما كان يريده يسوع أن نكون : ( أي بنائين ) لنفترق ، و نذهب عبر الدروب .. سنبني محافل أخرى ( … ) على شاكلة هذا المحفل الذي أطلق عليه حكيم اسم الأوّل " .. بهذا الخطاب الذي أورده المؤلف نطلّ على ثلاث حقائق :
أ – فكرة التوأم الأخ .. أو الإنسان .. و هذا ما يكشف السرّ عن حقيقة إتبّاع فرسان الهيكل لقانون " الفارسين على فرس واحدة " ..و هذا ينقلنا بدوره إلى المثليّة التي كان " ناسخا الإنجيل الحقيقي ، و موثقي مكان قبر يسوع " حسب رأي المؤلف " ديديه " يعيشانها
ب – نسف فكرة أنّ الماسونيّة قامت على أسرار " جماعات البنائين " في العصور الوسطى .. و إنّما هي " التراث " الذي خلّفه يسوع في " بناء " أسس الأخوّة الإنسانية ..
جـ – المحافل التي تمّ بنائها هي استمرار " للمحفل الأوّل " الذي بناه " يسوع " .. و هي التي تحمل بين جنبات بنائها " روح المسيحيّة الحقيقيّة " التي زوّرتها الكنيسة الكاثوليكيّة ، و التي أقامت كنائسها ، و بنت أسرارها المقدّسة على خشب صليب كاذب تمّ تعليق " مسيح دجّال عليه " ….
3 – وصيّة المجنون .. و لفائف كهف " قمران "
من خلال " الإنجيل الحقيقي " لـ " يسوع " الماسونيّ الأول يحاول " ديديه كونفار " إعطاء شرعيّة حقيقيّة لمجموعة اللفائف التي تمّ العثور عليها في كهف قمران .. و يشير الكاتب الى الطريقة المستخدمة في ترميم المعلومات الناقصة في هذه اللفائف من خلال الاعتماد على تقنيّة " برنامج حاسوبي " يختار البدائل بين الجمل الناقصة في هذه اللفائف … و هذا يعني اقتراح مفردات (3) تعطي للنص أي " معنى " قد لا يكون له أي علاقة بذلك النص.. و هذا يعني تدخل الباحثين في ترميم هذه النواقص مما ينسف صدقيّة المعلومات المنقولة عن هذه اللفائف ، و هذا بدوره يؤدي إلى إحداث خلل في حقيقة المعلومات التي قدمها المؤلف حول " الانجيل الحقيقي " رغم اعتماد المؤلف على مراجع " تاريخيّة " في توثيق الأحداث التي عايشها المحافظون على سرّ " يسوع " .. تتداعى رموز الماسونيّة تباعا في وصيّة المجنون لتعطي معنى واضح ، و صريح حول حقيقتها ، و يبدو أنّ هذه المنظّمة ، أو المجموعة قد قررت أن تزيل بعض الغموض عن رموزها ، و على الخصوص " المدور ، و الكوس القائم " و التي تمّ تاويلها على أنّها عدّة البنّاء ، و لا ادري أين الشاقول من بين هذه العدّة يقول يوحنا في وصيته : " السر حفظته ( الأخ الأول ) ابن ( النور ) ، و ( المهندس ) ..جاء اليّ .. كان حيّا و لم يكن ميّتا ( … ) فرع حقيقي من ( المهندس المعماري ) ..إليك أيّها ( النسر ) المقال (…) أنا يوحنّا اخيه ( … ) سأبكي أخوتنا ، و سأبكي على ( الأرملة !!!) (4) ذات الأولاد المتفرقين ( … ) الحجارة ستزرع .. ( القمح ) الذهبي سينبت لقرون و قرون ..
4 – " و ما قتلوه ، و ما صلبوه ، و لكن شبّه لهم "
ينقل مؤلف الرواية الحوار التالي بين " يسوع " ، و توأمه " توما " الذي حاول اغتياله قبل حادثة الصلب :
– توما : لقد قتلتك .. غرزت لثلاث مرّات خنجري في جسمك
– يسوع : أخي المسكين طعناتك لم تكن محكمة كفاية .. لكن بما انّك أردت القيام بدوري اكمله هنا هذه الليلة
– توما : سأقول للرومان إنّك أنت المسيح (5) أنت الذي سيوقفونه ..
– يسوع : أنت مخطيء باعتقادك أنّ يهوذا كان سيخونني من أجلك ، و أنّه سيدل عليّ أنا ( ابن الإنسان ) .. لكن يهوذا تصرّف حسب ارادتي .. لقد خدعك .. اسمع !!! فرقة الجند تصعد لتعتقلك .. على رأسهم يهوذا الذي سيأتي معهم ليتعرّف عليك .. أنت المسيح .
ثم يكمل المؤلف : ترك " يسوع " " توما " ( … ) يضيف المسيح : هكذا سيكتب التاريخ قصتي .. على ( المبتديء ) ألاّ يعمل في النور .. بل في الظلّ ، و الصمت .. في التواضع ، و السرّ .. في القبر..
قد تثير هذه الرواية شهيّة بعض قارئيها من المسلمين ، فتجعله يؤكّد إحدى حقائق " القرآن الكريم " حول شخصيّة يسوع الذي تمّ صلبه .. و لكن القرآن يتحدث عن " عيسى بن مريم " الذي هو غير " يسوع " (6) سواء كان هو الذي صلب في تلك الحادثة أم " شبيهه " أخيه التوأم " توما " على ذمة " ديديه كونفار " .. إذ تظهر الرواية ، كما تظهر روايات العهد الجديد (7) أنّ هناك عدد من أخوة " يسوع " تمّت تصفيتهم تباعا من أجل القضاء على كل ما يمت بصلة إليه من المطالبين بملك إسرائيل .. كما يظهر كلام يسوع الأخير وصيته " للمبتدئ " الذي سيدخل إلى " المحفل الماسوني " .. يبقى هنا سؤال نستطيع أن نوجهه للكاتب عن سبب انتحار يهوذا الاسخريوطي
و في رأي الشخصي أنّ الجدل القائم حول العقيدة المسيحيّة بين ( المسلمين ، و المسيحيين ) لن يعطي النتائج ذاتها فيما لو كنّا نتحدث عن تاريخ المسيحيّة .. و ابسط الأشياء أن بعض المسلمين " إن لم يكن الغالبيّة " مازال يتحدث عن كتب العهد الجديد " بوصفّها الأناجيل المزوّرة " كما يضيفون " إنجيل برنابا " .. على الرغم من أنّ الكتب الأربعة التي كتبها " متى ، و يوحنّا ، و اثنين من تلاميذ بولس ( مرقس ، و لوقا ) تتحدث عن " تاريخ يسوع " فقط ..بالإضافة إلى " رسائل بولس " التي هي أقدم منها جميعا ، و أنّ أعمال الرسل تتحدث عن أحوال تلاميذ " يسوع " ..أي أنّ العهد الجديد ليس كتابا دينيّا و أنّ أصول العقيدة المسيحيّة تمت صياغتها " بقوانين كنسيّة " (8) بعد أربعة قرون مرّت على حادثة " صلب يسوع " ، و أهمّها قانون المجمع الخلقدوني عام 451 ميلادي ..الذي قرّر : إنّنا نعترف بأنّ ربّنا يسوع المسيح هو ذات الابن الواحد ..هو ذاته كامل في اللاهوت ، و هو ذاته كامل في الناسوت .. هو ذاته " اله حقّ " ، و إنسان حقّ من نفس عاقلة ، و جسد .. من ذات جوهر الآب بحسب اللاهوت ( … ) ذات المسيح الواحد ابن ، ربّ ، وحيد ، معروف في طبيعتين ، بلا اختلاط ، و لا تحوّل بلا انقسام ، و لا انفصال (…)
في رواية " المثلث السري " نطلّ على جانب آخر من الأفكار الجديدة التي تروّج للماسونيّة .. و هذه المرّة بوصفها المسيحيّة الحقيقيّة .. و يبدو أن الهجوم على الكنيسة " الكاثوليكيّة " قد بدأ يأخذ منحى جديدا .. مشفوعا بالفضائح الجنسيّة المتعلّقة بالأطفال ، و التي تلاحق كهنتها ، و قساوستها في أوربا مهد المسيحيّة البولسيّة ، و أمريكا ..
رشيد السيد احمد
( 1 ) المثلث السري – ديديه كونفار – دار الخيال للطباعة و النشر و التوزيع
( 2 ) قد تكون الحروب ( الصليبيّة ) بحسب المترجم ؟؟؟
( 3 ) كمال صليبي – التوراة جاءت من جزيرة العرب
( 5 ) أعدت صياغة النص بما يتوافق مع قواعد اللغة العربيّة التي غفل عنها المترجم فجاءت بعض الجمل ركيكة
( 4) احد رموز الماسونيّة التي كان يعتقد أنّها تشير إلى أمّ " حيرام " البنّاء الذي زيّن هيكل سليمان حسب الرواية التوراتيّة بعامودين من النحاس .. حيث يظهر العمودان من ضمن رموز الماسونيّة
( 6 ) البحث عن يسوع – كمال صليبي : يقدم الكتاب دراسة نقديّة وافيّة يُظهر فيها الفرق بين النبي " عيسى بن مريم " و بين " يسوع الناصري " الذي صلبه الرومان .
( 7 ) المصدر السابق
( 8 ) المسيحيّة في سوريّة تاريخ و إشعاع – الأرشمندريت اغناطيوس ديك