مصرنا العطشانة..!

أسامة عبد الرحيم

في صباح اليوم نبهتني زوجتي أن آخذ زجاجة مياه معي إلى الحمام إن أردتُ الوضوء أوتغسيل وجهي، وأخبرتني أن المياه تم قطعها عمومياً عن منطقتنا التى تندرج تحت مسمى العشوائيات، ليس لأنها إحدي مدن الصفيح – لا سمح الله- بل لأنها خالية من أي فيلا يسكنها مسئول حكومي، أو استراحة فاخرة لأحد نواب الحزب الحاكم في البرلمان.

تذمرت قليلاً ولكن عدت ادراجي واستغفرت الله وتذكرت كيف أن حقبة الرئيس مبارك إنتشلتنا من عنق الزجاجة وحققت معجزة "كوز الميا" التى وقفت اليابان أمامها في بلاهة، كل ذلك خلال ربع قرن وشوية فكة فقط ، وهو ما رشحها إلى اقتحام الألفية الثالثة بأغنية "ما شربتش من نيلها" التى تعد كلمة السر المتفق عليها للدلالة على النجاح الساحق في تمكين نحو 30% من سكان العاصمة من شرب مياه خالية من الصرف الصحي ، وهو ما يعد تحقيقاً لنبوءة الكاهن الأكبر للملك خفرع رابع ملوك الأسرة الرابعة وصاحب تمثال أبو الهول والهرم الثاني، والتى رأي فيها اللهم إجعله خير أن المياه تندفع عبر أعواد نبات البوص والبامبو وتتدفق إلى حمامات المتحف المصري في القاهرة..!

وفي الطريق إلى روضة – حضانة- طفلتي شاهدت ما اعتقدته مشاهد تصوير خارجي لفيلم جديد للمخرج خالد يوسف على شاكلة "دكان شحاتة"، فقد وقفت سيارات كبيرة وضخمة عليها شعار "مرفق مياه القاهرة الكبري"، وتحت الشعار شعار آخر يقول" مياه شرب مجانية"، لا ادرى متى بدأت أتمتم بكلمات الشاعر جمال بخيت "مش باقي مني" ، ربما وأنا أشاهد النساء والأطفال يصطفون في طوابير أشبه بطوابير الخبز ، وهم يحملون أوزار ثلاثين عاماً من الإنجازات "التحتية" و"الفوقية" و"البمبية" فوق "جراكن" المياه التى ضغطت هي الأخرى على أكتافهم المنهكة.

تعجبت من تفوقنا الرهيب في العودة إلى مجاهل التاريخ وتصورت أن خطوة الحكومة القادمة هي توزيع اكواخ خشبية وكسوة فروة خروف على شباب الخريجين ، وذلك بعد عجزها عن توفير المياه بعد عجزها الشهير في توفير رغيف الخبز، وتذكرت مقولة "نحن لسنا مرضى..نحن نعاني من الظمأ" التى أكدها الدكتور باتمانجيلدجي، المعروف باسم دكتور بي، ومؤلف العديد من الكتب عن المياه كـ"العلاج بالماء".

وتمنيت أن يتم توزيع مؤلف الدكتور بي على أعضاء الحكومة ليعلموا أن جسم المصريين مثله مثل أي جسم بشري في العالم يحتاج إلى المياه دائماً، خصوصاً عندما يكون الإقتصاد شبه منهار والجنيه معدم والمعدة خاوية من الطعام، إلا إذا كانت الحكومة تضمر شراً عبر تعمد تعطيش المواطن المسكين، حيث أن قلة كمية الماء داخل الجسم والاستهانه بالعطش يضعف من نشاط خلايا الدماغ ويضعف مستوى ذكاء المواطن فتخمد مقاومته للفقر والمرض والتوريث..!

وهذا ما أكدته إحدى الدراسات الطبيه التي اجريت في بريطانيا ، وفيها أوصى القائمون على الدراسة بضرورة شرب المواطن الذكي المتيقظ دوماً كميات من الماء والسوائل تتراوح ما بين 6الى 8 لترات يومياً حتى يحافظ الجسم عل المعدل الطبيعي للمياه بداخله ومن ثم الحفاظ على مستوى الذكاء الذي تطلبه المرحلة وإلا وجد نفسه مستسلماً لرغبات نواب الحكومة التى تطالب بحز رأسه وإطلاق النار عليه في مظاهرات الجوع والعطش.

وانسياقا خلف فكرة المؤامرة تصورت أن الحكومة اطلعت بالفعل على أبحاث الدكتور بي التى خلص فيها إلى أن الدماغ هو العضو المفكر والمستجيب لمطالب التغيير؛ لذلك هو الأكثر حاجة إلى المياه في جسم المواطن المعارض، وحيث أن الدماغ يستهلك كميات كبيرة من الماء بشكل متواصل، لذا أنقصت الحكومة كميات المياه خصوصاً في المناطق التى يشتبه انها تضم معارضة كبيرة، وهي مناطق العشوائيات التى تضم العمال والطلاب والمهمشين وبؤر البطالة وكل من ليس له "ظهر" يحميه.

إن تعطيش الحكومة لأدمغة الشعب حيلة مكشوفة – في حال ثبتت المؤامرة- مثلها مثل تعطيش مراسل ومدير مكتب الجزيرة في القاهرة لحرف الجيم ونطقها حسب رغبة الممول القطري، مع العلم أن اللهجة المصرية الجميلة والتى كانت حاكمة في المنطقة حتى منتصف القرن الماضي لا تعطش الجيم ، ولكن هكذا حال الدنيا حينما فقدت مصر مكانتها في الداخل والخارج وأصبح العطش في كل شئ سيد الموقف..!

 

 


أسامة عبد الرحيم
صحفي مصري
Osama Abdul-Rahim
Egyptian Journalist
0020105276035

Exit mobile version