رسالة إلى غبطة المطران عطا الله حنا
خيري حمدان
يتلوى كالأفعى حائط يمتدّ من وريد الوطن المتخم بالموت وحتى شتلات الزيتون وآبار المياه التي جفّت عنوة يا مطرانّ!
شاهدتك تمضي في طريق الآلام الذي تجرعنا جميعًا المعاناة المكتوبة فوق حصاه وترابه، وكأنّنا والمسيح هناك على موعد. نحمل صليبنا على أظهرنا ونزحف نحو ملاذنا الأخير دون أن نركع، طلبًا لبعض الرحمة المنسية من كتب التاريخ المعاصر يا مطران. كيف أنعتق من وطن يملأ كل لحظة فضائي؟ نسيت كيف تتسلل جذور الزيتون نحو المهد، تدغدغ الحاضر وتقسم أن لا نتلاشى قبل صلاة المغرب بقليل.
حلمت بأن مريم العذراء قدمت لي مفتاح بيتها وقالت لي احذر محامي الشيطان، سيحضرون بربطات عنق ليشتروا بيته فلا تفعل. وبقيت أشدّ على مفتاح بيتها كجمرة، عندها لم يجدوا بدًّا من قطع يدي حتى أصولها، لكن المفتاح بقي عصيًا على مقاولي الموت، عندها دخلوا من النوافذ والشبابيك، ونكاية بالتاريخ قبلوني من فمي قبل أن يحرقوا جثة الوطن الحاضر المغيب أمام المذبح، هناك قبل أن تبلغ نهاية طريق الآلام بأمتارٍ قليلة، قبل أن يبدأوا بوضع طوق الشوك فوق رأسه وقبل أن يدقّوا المسامير في قدميه ويديه في انتظار الخلاص والانعتاق. ]هاللويا هاللويا[ كيف يمكن أن نسامح الجلاد كما فعل المسيح يوما؟ كيف يمكن أن نطلب المغفرة من الزيتون الأخضر والتين وحواكير البيوت العتيقة وينابيع الماء؟
قالوا بأن الموت حالة بيولوجية
قالوا بأن القتل يحمل أكثر من
وجهة نظر
لا بأس بالموت
لا بأس بالقتل
كما تقدم .. هذه مجرّد وجهة نظر
صفق .. صفق الحضور طويلاً
بعضهم بكى وانتحر
] فلسفة وجودية .. نعم[
ما يعني .. العدم.
تشدنا خضرة الزيتون، رحيقه، جذوره وشموخه. يمدّ لنا الزيتون أوراقه وأغصانه. من يقرأ لغة الزيتون في زمن الموت وفقدان الهوية؟ من يشرب نخب الحياة مرًا معتقًا في زمن الهزيمة واحتضار الروح والبحث عن تصريح سفر وعودةٍ مستحيلة؟
دعنا نقتسم الألم يا غبطة المطران. لك بعض الصداع ولي الشقيقة. لكَ شيء من آلام المسيح ولي ما تبقى. لكَ ولي كلّ الوطن مدميّ، حاضر، غائب، مسجّى. لكَ بكاءُ يتيمة حرّى ولي حسرة أمّ الشهيد. لك ولي قصائد تتغنى ببئر تفجّرت عند حدود الليل فأضاءت الكنائس والمساجد، غسلت شيئًا من خطايانا، دثرتنا بماء الورد وقالت اذهبا نحو الغد طيّ هذه الرسالة.