يبدي خبراء السياسة في واشنطن الكثير من القلق حيال ضعف البرامج الأميركية في التأثير الثقافي والعلمي في المجتمع العراقي، فيما تبدو النتائج سريعة لتاثيرات "الأيرنة" أو النفوذ الإيراني الثقافي في العراق خلال السنوات السبع الماضية. وسيكون الوضع "مثيراً" كما يؤكد خبير سياسي أميركي خلال 5-10 سنوات مقبلة، ما لم تكن هناك برامج تصد عراقية وأميركية مشتركة أو كل على انفراد. ويضع الخبير هذه النشاطات في إطار ما يسميه الكيفية التي يجب أن تكسب بها واشنطن النتائج النهائية للعبة الديمقراطية في العراق.
ويقول الخبير السياسي برادفورد هيكنس في تقرير له نشرته صحيفة الكريستيان ساينس مونيتور: مع قرابة الترليون دولار تم انفاقها، واكثر من 4000 جندي اميركي ومائة الف عراقي قتلوا ونجاح طويل الامد بعيدا عن ضمان الحصول على نهاية اللعبة في العراق والتي من المحتمل ان تعرف السياسة الخارجية الاميركية لسنوات عديدة قادمة. وبالرغم من نجاح الانتخابات العراقية والانسحاب الاميركي الوشيك من البلد، فان الولايات المتحدة تحتاج الى ان تعكس على سجلها الكئيب في نهاية لعبة مماثلة من فيتنام في سنة 1975 الى افغانستان في سنة 1989 والعراق في سنة 1991، وبعدها الاخذ بنظر الاعتبار دور النساء.
وفي شكلها المحض –يقول هيكنس- فان الحرب على الارهاب هي حرب حول الافكار والقيم. والثقافة واحدة من اهم اسلحة الخط الامامي الفعالة. ولسوء الحظ ، فان الملايين من العراقيين ومنهم جيل كامل من الشباب لايعرف شيئا عن الافكار والقيم الاميركية ، ومواجهتهم المقيدة هي مع الوجود العسكري الاميركي الثقيل الوطأة بالعربات المسلحة .
واثناء الحرب الباردة ، وبرامج فولبرايت ، والزيارات الدولية المتبادلة ، والبرامج التعليمية والثقافية العامة والخاصة ، خلقت اربعة عقود من الاصدقاء للولايات المتحدة. والالاف من هؤلاء الاصدقاء تبوؤوا مواقع في القطاعين العام والخاص الحكومي في بلدانهم . وحتى في حينها، كان هذا الانفاق باهتا بالمقارنة مع الانفاقات الاميركية في الحرب . والان فان مثل برامج التبادل الثقافي تبدو انها غير موجودة تقريبا مقارنة مع مستوى الانفاق العسكري الاميركي ، وهذا خطأ كبير.
ويتابع الخبير السياسي قائلاً: إن القيمة السياسية والدبلوماسية الكبيرة مثل البرامج الثقافية لم تضع بالتأكيد عند دول اخرى . وعند احدى نهايات هذا الطيف ، يبدو واضحاً تمويل المدارس الدينية المتشددة والتي تغرس الرؤى المتطرفة والتي تخلق فيضا متزايدا ومنتظما من الارهابيين. وفي النهاية الاخرى للطيف نأخذ ايران بنظر الاعتبار : لقد تم تقدير ان كل عراقي يدرس في الولايات المتحدة ، يدرس مائة طالب عراقي مقابله في طهران . والمرء يمكن ان يتساءل ماهو نمط التأثير ل 500 عراقي مدرب في الولايات المتحدة كمدير واستاذ خلال خمس سنوات مقارنة مع 50 الف يدرب في ايران.
ويرى هيكنس أن التباين الكبير في الالتزام للتعليم الثقافي قد يصبح تماما "فجوة قذيفة"، بشكل يوجب على ادارة اوباما والكونغرس ان يتعاملا معه الان اذا اراد الأميركان ان يفوزوا بنهاية اللعبة في العراق . وايضا فلا مكان في العراق يتوفر فيه هذا اللاتوازن الحاسم اكثر من الحصة الطبيعية أو يمثل العائد الاكبر للاستثمار، اكثر من النساء العراقيات. والدور الحاسم الذي لعبته النساء العراقيات في تشكيل الحكومة الجديدة قد انعكس بشكل افضل فيما تم النص عليه في الدستور من تحديد 25 % من المقاعد البرلمانية للنساء. ولكن تلك كانت اول انتخابات عراقية حرة في كانون الاول سنة 2004 ، والتي ستعرف الى الابد حصتهم الاستثنائية لمستقبل العراق . وهي تمثل ايضا واحدة من الساعات الديمقراطية المثلى . والتنبؤ باصابات كثيرة في مراكز التصويت افضت الى مخاوف حقيقية بان المصوتين سيبقون في بيوتهم وبان الانتخابات ستفشل . وكانت الدهشة للكثيرين ، وبالرغم من العدد الكبير من اعمال العنف ، فقد كانت النساء العراقيات الكبيرات في السن من الاوائل اللواتي ظهرن وبعد ان صوتن، عدن مع بناتهن لكي يمكنهن من التصويت ايضا ، وبعد ذلك فقط بدأ ازواجهن وابناؤهن، او إخوتهن، بالبدء بالظهور في اعداد كبيرة للتصويت .
وربما كان الحضور من قبل النساء –يقول الخبير السياسي- يعكس امالهن باعطاء بناتهن الحق والحظوط التي لم يختبرنها ابدا . او ربما بانهن ادركن أنهن كنساء لديهن الكثير ليخسرنه اذا ساد المتشددون .وايا كان السبب ، فما سيحصل لتجربة الولايات المتحدة الديمقراطية في الشرق الاوسط اذا لم تتقدم هؤلاء الامهات الاستثنائيات ؟ واثناء الايام المتضائلة لادارة بوش ، اقتربت امرأة لوحدها وكانت مسؤولة سابقة في البنك الدولي من وزارة الخارجية ساعية لتخصيص اموال لبرامج البعثة الدراسية التي بها تستطيع نساء عراقيات دراسة الهندسة والعلوم في اعلى المؤسسات الاكاديمية الاميركية والعودة بعد ذلك للمساعدة في اعادة البناء في بلدهن . وقد اشارت بحق انه بينما تفتح برامج التعليم الاميركية للرجال والنساء ، فانه فقط برامج التركيز على النساء يمكن ان تواجه اسس الثقافة العراقية التي تجبر النساء على التسليم للرجال المنافسين . واذا كنا مدينين لاحد ، كما قالت ، فهو لهذه المجاميع الشجاعة من النساء والى امالهن لبناتهن . وبكأبة ، كانت وزارة الخارجية الاميركية قادرة على تمويل خمس بعثات دراسية لهذا البرنامج ، المعروف بمؤسسة البعثات الدراسية للنساء العراقيات . وثلاث من هؤلاء النساء العراقيات الحاصلات على البعثات الاميركية اصبحن لاحقا في واشنطن من اجل مؤتمر في مركز ودرو ولسون : وكل واحدة للحصول على درجة متقدمة ، واحدة تدرس الطاقة الهندسية من جامعة ستانفورد ، والاخرى هندسة الكهرباء والاتصالات من يو سي – باركلي وواحدة في تكنولوجيا الاتصالات من يو اس سان يديغو . وكل واحدة تحدثت بفخر عن تجربتها في المؤسسات العالية وعن امالهن عن مستقبل العراق . ولكنهن اعترفن ايضا ، بتحديات انفصال العراق لثلاثين سنة عن العالم الخارجي وخسارة العديد من اساتذتهن الذين قتلوا من قبل الارهابيين .
ويقول هيكنس إن التاريخ يُظهر أن خبرة أولاء النسوة الموهوبات وكبار الجامعات الاميركية التي استضافتهم ، لهي أحد افضل استثماراتنا .واذا طورت ادارة اوباما خططها لدعم تحول العراق للاعتماد على نفسه – والقتال في حرب اخرى في افغانستان ، في جزء لاقامة وحماية حقوق النساء هناك – فيجب ان لاتنسى دور التبادل الثقافي . ويجب ان تحفظ واشنطن في الذاكرة شجاعة النساء العراقيات والدور التأسيسي الذي يستطعن ان يلعبنه في اقامة عراق ديمقراطي مستقر وعادل .