أصدرت جبهة علماء الأزهر بياناً رسمياً وصفت فيه «ألف ليلة وليلة» بأنها أدب مراحيض، ووجه البيان الذي حمل عنوان «إلى صبيان المواخير وسفهاء ألف ليلة وليلة» نقداً لاذعاً لوزير الثقافة المصري فاروق حسني، متهماً إياه بالترويج لما أسموه بالأدب اللقيط معدوم الهوية، وطالبته الجبهة باستغفار الله والتوبة إليه قبل أن يخر السقف ويقع على الجميع، ذاهبة إلى أن مصر كلها اليوم تكاد أن تلحق بعبّارة «السلام» التي غرقت في مياه البحر الأحمر.
قال رئيس المركز القومي للترجمة جابر عصفور في تصريحه الخاص لـ القبس ورده على البيان: ان هذا أمر متوقع ،لأن هذه الجبهة مكونة من متطرفي الإخوان المسلمين، وقد أنشئت في أربعينات القرن الماضي في عز قوة الإخوان، وأنها مازالت على التطرف نفسه، وعلاقاتها بالجماعات الوهابية كبيرة، وقد لعبت دوراً بالغ السوء في أزمة نصر حامد أبو زيد، وغيرها من أزمات الثقافة المصرية.
الجهل بالتراث
ووصف عصفور جبهة علماء الأزهر بالجهل، موضحاً أن ألف ليلة وليلة طبعت خمس مرات في القرن التاسع عشر، وأنه متأكد أن ثلاث طبعات منها على الأقل روجعت وصححت من قبل علماء الأزهر الشريف، فالطبعة الأولى كانت عام 1835 وقام بتصحيحها وطبعها الشيخ عبد الرحمن الصفطي الشرقاوي.
وكان لدى علماء الأزهر تقليد، أنهم كلما طبعوا كتاباً أو حققوا عملاً كانوا يكتبون تذييلاً يوضحون فيه أهمية هذا الكتاب، وكان التذييل المكتوب في هذه الطبعة بتوقيع الشيخ الصفطي، وقد قال فيه ان ألف ليلة وليلة لا ينبغي أن يحذف منها شيء، لأن هذا ميراث فكري.
وكان ابن عباس لا يتحرج من رواية أشعار فيها ذكر للجنس، وكان ابن قتيبة يقول في مواجهة بعض المتزمتين ليس ذكر الأعضاء مؤثم، إنما المأثم في التعريض بالأعراض وأكل أموال الناس، وعلى هذا كان علماء الأزهر هم الذين يصححون نسخ ألف ليلة ويطبعونها، وحين نفدت طبعة الصفطي أعاد الشيخ محمد قطة العدوي ـ بعد خمسة وعشرين عاما ـ طباعتها، وهي الطبعة التي جاءت في أربعة أجزاء، وقد طبعتها مكتبة صبيح، وهذا جزء من ميراث الأزهر المستنير، بينما هؤلاء الذين يسمون أنفسهم جبهة علماء الأزهر فهم ليسوا إلا بقعة سوداء في تاريخ الأزهر المعتدل المستنير، والدليل أن مجموعة من المتطرفين رفعوا قضية عام 1985 ضد الطبعة التي أصدرتها مكتبة صبيح، فأخذوا حكماً ابتدائياً بإيقاف الطبعة، لكن محامي اتحاد الكتاب الأستاذ صبري العسكري استأنف الحكم، وحكم قاضي الاستئناف بوقف الحكم السابق قائلاً ان من تقدموا بالبلاغ لو قرأوا كتب التراث لوجدوا فيها أكثر مما وجدوا في ألف ليلة عشرات المرات.
وأضاف عصفور ان السلسلة التي طبعت ألف ليلة مؤخراً اسمها «ذخائر التراث»، وهي تطبع التراث كما هو، أما إن أردنا عمل طبعة من ألف ليلة للأطفال فساعتها يمكن تهذيبها وتنقيحها كما فعل عبد الرحمن الشرقاوي والخميس وغيرهما فيما قدم لأدب الأطفال.
جناح التطرف
وأكد عصفور في نهاية حديثه لـ القبس أن جبهة علماء الأزهر تمثل الجناح المتطرف، وهم في صدام شديد ودائم مع كل شيوخ الأزهر، وردي الوحيد أن ألف ليلة ليست أدب مراحيض، لكن بياناتهم هي التي تعد بيانات مراحيض بالنسبة لتاريخ الأزهر وفكر علمائه المستنيرين.
أما عضو المجلس الأعلى لعلماء المسلمين الشيخ يوسف البدري فقد قال في تصريحه لـ القبس انه متضامن مع كل ما جاء في البيان، موضحاً أن قصص ألف ليلة تعود إلى العصر العباسي الثاني، وهي كما يقال مؤلفة، وإن كان بعضها ترجم عن الفارسية والهندية، وسبب انتشارها أن أزمة حدثت في بيت أحد الأمراء فأرادوا أن يصرفوا نظر العامة عن هذه الحادثة، فبدأوا في نشر هذه القصص في كل مكان، فكان الرواة يعزفونها على الربابة والناي مضيفين كل ليلة حكاية كي يبقى الناس في حالة انتظار وتشوق، على اعتبار أن امرأة قتل الملك كل أهلها وأرادت أن تنتقم منه، فكانت تحكي له كل ليلة حكاية واحدة كي يرجئ أمر قتلها إلى أن تحين لها الفرصة وتنتقم، وهذه المرأة كان اسمها شهرزاد، ثم جمعت هذه القصص على يد بعض العوام.
والقصص كان معروفاً في ذلك الزمان من خلال مقامات الحريري والهمذاني، وهناك دراسات أثبتت أن القصص انتشرت بين الناس، وأن دارسي الأدب العباسي هم الذين قاموا بجمعها، ثم جاءت العصور المتخلفة التي انحط فيها الأدب بعد أن أخذ الترك كل المجيدين، فأضيفت إليها قصص سيئة مثل علي بابا وعلاء الدين وأبو زيد الهلالي وغيرها، وهذه القصص كان فيها أسوأ ما يكون من ألفاظ.
وقد حاولت دار الهلال والإذاعة والتلفزيون نشرها، لكن كان هناك أديب عظيم هو طاهر أبو فاشا الذي انتقى 300 حلقة كتبها للإذاعة بلغة راقية، لكن الهلال أحجمت عن نشرها، واستمر الأمر على هذا النحو حتى أحيوها من 20 عاماً، فوقفت أقلام جادة ضدها، لكن هذا العام أعادوا طبعها بخسة، وتعللوا بأن الحديث الشريف به ألفاظ تشبه ما جاء في ألف ليلة، وقد سألوني في ذلك فقلت ان القياس مختلف لأن الرسول كان يتحقق من حالة زنا، أما الليالي فهي ليست إلا ليالي السكارى، وأدب الفراش ولا يجوز أن تطبع بأموال دافعي الضرائب، وهناك الكثير من الكتب الدينية طبعها أهم، من بينها التفاسير.
ألف ليلة.. لقيطة
وألف ليلة كما قال البيان لقيطة وليس لها مؤلف معروف ومن ثم فلا يمكن اعتبارها تراثا، وحتى إذا كانت تراثاً فلا يجوز تبديد أموال الشعب في طبعها، أما إذا طبعتها دار نشر خاصة فهي حرة في أموالها لكن ليس لها أن تفسد الشعب.
وأضاف البدري أن ما يقال عن أن التراث الديني مليء بالكتب التي فيها مثل هذا الكلام فهو لغو فارغ، وما قيل عن رواية ابن عباس للأشعار الخارجة، لا يجوز، لأنه كان صحابياً ورعاً، وما قيل عن كتاب السيوطي وطوق الحمامة لابن حزم فإنه منحول ومنسوب إليهما، ولا يجوز أن نأخذ من كلام كاتب كابن قتيبة ما نجعل منه منهاجاً لنا، فقد أمرنا الحديث بتغيير المنكر، أما احتفاء الغرب بألف ليلة فذلك لأنهم قوم منحلون ويريدون أن يفسدونا، وقولهم ان ألف ليلة أثرت في العديد من كتابهم وساعدت على زيادة الخيال لديهم فلا يجوز أن يحكم الخيال على الدين، ولا بد أن نغلب الدين على كل شيء.