تأبين هزيل لراحلين كبيرين
بقلم: زياد ابوشاويش
أمس الخميس 20 / 5 كان موعدنا مساءً مع حفل التأبين لراحلين كبيرين هما المناضل والكاتب ووزير العدل الأسبق بفلسطين ناهض منير الريس، والمفكر والداعية والشاعر د. عبدالرحمن بارود رئيس مجلس شورى حركة حماس في الشتات والذي دعت إليه مؤسسة فلسطين الثقافية التابعة لحركة حماس والاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين.
وقبل أن أتطرق لتقييم الحفل لابد أن أتناول جملة من الملاحظات المتعلقة بسلوكياتنا وتصرفنا إزاء ليس فقط شهداءنا الذين قدموا أغلى ما يملكون من أجل فلسطين، بل كذلك إزاء قادتنا من الأحياء والتمييز الفاضح بين تقديرنا لقيم عظيمة بما فيها الشهادة والشهداء وبين احترامنا ونفاقنا لهؤلاء القادة الذين ربما يجب أن نلقي بعضهم في مزابل التاريخ، أو نصفعهم على قفاهم بدل الاحتفاء المقزز بهم وبنشاطهم.
حين يتعلق النشاط بإبراز هذا المسؤول أو ذاك تعمل ماكينة الفصيل أو الحركة بدأب وهمة عالية من أجل التحضير الجيد ليقدم هذا المسؤول خبرته في الضحك على الجمهور، وفي كثير من الأحيان يكون هذا المسؤول عديم الثقافة، وفي الأغلب عديم الأخلاق.
في المقابل وحين يتعلق الأمر بحضور ما هو مفيد حقاً لقضيتنا ولشبابنا، بل بما هو تقدير شعبنا لشهدائه وكبار مناضليه من الراحلين تجد أن هؤلاء القابعين فوق رقاب قضيتنا من الفصائل والحركات لا تأبه ولا تحرك ساكناً وتمر المناسبة التي تفيدنا وتعلي فينا قيم التضحية والإيثار والنخوة وحب الوطن بطريقة أقل ما يقال عنها أنها مخزية.
شاهدت الكثير من هذه النماذج، وسمعت عن الكثير، لكني لم أتوقع أن تصل سفاهتنا إلى هذه الدرجة فنتعاطى بهذا الاستخفاف مع رجلين كانا ملء الدنيا سمعاً وبصراً ومثلا نموذجين نادرين لرحلة الشعب الفلسطيني ومعاناته وتركا لنا ولأجيال قادمة إرثاً عظيماً من الفكر والإبداع كما الكفاح والعطاء في سبيل أمتهم وشعبهم وقضيتهم العادلة، قضية فلسطين التي كانت بوصلتهم إلى أن غادرا الحياة.
الحي أبقى من الميت كما يقولون، لكن الأموات من هذا الطراز أبقى من أغلبية الأحياء من قادة يشكلون عبئاً على شعبنا وقضيتنا….كم رأيت وأنا أرثي لحالنا مرافقين وكوادر تتراكض لاستقبال هذا المسؤول أو ذاك، وكم رأيت وسمعت نفاقاً تنفر منه النفس وتزدريه الحواس جميعها لقائد يعيش كالملوك وهو الثوري جداً على الهواء وفي لعلعاته أمام الجمهور المأخوذ به وكأن فلسطين ستتحرر غدا على يديه، ولا نجد أدنى من ذلك تجاه ذكرى أو تكريم لرجل كبير أو شهيد عظيم قدم لنا ليس روحه بل عصارة فكره وتجربته بصدق وبحب ولا يهتم به المتراكضون والمتزلفون، فماذا نقول؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.
يحضر أبو الفوارس منتفخ الأوجاد فتمتليء القاعة، يحضر الشهيد والراحل الكبير فلا تجد القوم في استقباله. إنها سخرية القدر وهي تكمل صورة واقعنا الفلسطيني المرير.
وعود على بدء نشير لحفل التأبين الذي ذهبت لحضوره بعد أن علمت به بمحض الصدفة حين وجدت دعوة له على مكتب صديق لي جزاه الله خيراً، ولم أكن قد تلقيت دعوة أو علمت بهذا الحفل، لكن ورود إسمين كبيرين كناهض الريس ود. عبد الرحمن بارود كافيين لأن أذهب بهمة حتى آخر الدنيا لحضور حفل تكريمهما بتأبين يليق بمقامهما الكبير.
المهم أني فجعت بالحضور وتمنيت أن لا أكون قد ذهبت لأن عدد الحضور كان مخجلاً للغاية ويدل على كل ما أشرنا له في معرض حديثنا عن الاستخفاف وإهمال لقيمنا، ولو كان الداعون أفراداً لهان الأمر أما وهما من هما وما يمثلان وكذلك من ورائهما فإن الأمر يستحق وقفة تأمل كما يستحق مقالاً كهذا إرضاءً للضمير ولقول كلمة الحق التي ستغضب حتماً بعض هؤلاء وقادتهم.
مؤسستان ومن ورائهما تنظيمات وحركات وعائلتا الشهيدين مع كل الحضور لم يتجاوز عددهم الأربعين شخصاً بل أقل من ذلك، وقد حضر الحفل ثلاثة فقط من قيادة فصائل فلسطينية (أعضاء في هيئات قيادية وليسوا أمناء عامين)، وبحسبة بسيطة فإن الذين حضروا بشكل طوعي ولا إلزام اجتماعي أو فصائلي لهم لا يتجاوزون عشرة أشخاص.
ليس هدفنا تبكيت أحد أو المس بأحد، وليس من عادتنا أن نشمت في فشل الناس أو نظهر نقائصهم، لكن الذي رأيته كان محزناً لي بكل المعاني، واستشطت غضباً كوني أرى كيف يتم الحشد للمسؤولين الأحياء
وأر غب في تعميم الدرس على الجميع يميناً ويساراً، فصائل وحركات ومؤسسات، أن احترموا رموزكم الراحلة بطريقة تطابق قيمة هؤلاء والقيم التي أبقوها وعبروا عنها برحيلهم، أكرموا ذكراهم بسلوك واهتمام يعطي لشبابنا دليلاً للمستقبل وتعظيماً لقيم نتغنى بها ليل نهار. أرجو من الله أن أكون قد وفيت الدين للراحلين وأفدت الأحياء الذين يقترب بعضهم من الأموات، والله من وراء القصد.