” الكابوي” الصغير في مأزقٍ كبير..
" الكابوي" الصغير في مأزقٍ كبير..
شنت إسرائيل في تموز من العام 2006 الحرب على لبنان وتصرفت كما يتصرف "الكابوي" فأكلت نصيبها وتزعزعت اركان ركائزها القائمة على قوة جيشها الذي "لا يُقهر" فقُهر..فجلبت عليها ويلات سياسية وعسكرية إعترفت بها هي قبل غيرها"فينوغراد"..حاولت إسرائيل تصحيح الامرلاحقاً بغدرغزة ورد الاعتبار لجنودها الهاربين من المعارك الحقيقية التي ذاقوا طعمها المر مرارة شتلة التبغ في جنوب لبنان.فكانت الدماء الفلسطينية الغزيرة على ارض غزة نصراً لاهل غزة وللشعب الفلسطيني بأكمله،وفضيحة دموية مدوية من العيار الثقيل لا زالت تلاحقها في كل مكان من العالم..ولا زالت تتوالد الفضائح يوم بعد يوم حتى كان اشهرها عملية إغتيال المبحوح في دبي،وما احاط بها ولكن..ولكن اليوم تتوج إسرائيل فضائحها الاجرامية بفضيحة الغلطة القاتلة والموثقة عالمياً والتي سيكون لها تداعيات لا يمكن التكهن بها في الوقت الحاضر،اطلقت عليها "رياح السماء"التي ذهب ضحيتها تسعة شهداء اتراك وعدداً كبير من الجرحى نتيجة الانزال الذي قامت به بواسطة "نخبة نخبها" من مجموعات"الكوماندوس" على السفينة التركية "مرمرة" في المياه الدولية مقابل فلسطين المحتلة.وإذا ما رجعنا قليلاً بالزمن الى الوراء وعلى وجه الخصوص الى"دافوس" ندرك لماذا أُستهدفت "مرمرة" بالذات..؟ وليس غيرها من اسطول الحرية الذي شق عباب البحر بإتجاه غزة بهدف فك الحصار الذي كانت مهمته إنسانية وإرسال رسالة للعالم مفادها ان هنالك شعب محاصر ومجوّع جزاءاً لقناعاته السياسية التي لا تتلاءم والسياسة الاسرائيلية ومن لف لفها في المنطقة.إن هذة العملية وما سبقها من الحركة العنصرية التي اقدمت عليها إسرائيل بما عُرف بـ "الكرسي المنخفض" والتي أُجلس عليها السفير التركي أحمد أوغوز تشليكول.مقابل دانيال أيالون.نائب وزير الخارجية الاسرائيلية.الذي جلس في مقابله على كرسي مرتفع بشكل حاقد ينم عن إستعلاء وغطرسة عنصرية مكشوفة.ان كل هذا ليس صدفة. وهنا ندرك لماذا تصرفت إسرائيل مع تركيا على هذا النحو الدموي على ضهر "مرمرة"،فإسرائيل لم تنسى بعد لا إنتفاضة دافوس ونجمها رجب طيب أردوكان،ولا سقوط ايالون عن كرسية المرتفع..فكان لا بد من إرسال رسالة جديدة واقوى فقررت مرمرة انف تركيا في دماء ابنائها في بقعة دولية تحدياً للعالم اجمع كما تعودت ان تفعل مع الضعفاء بغطاء من الاقوياء..وهنا يكتمل المشهد الدرامي للعلاقات التركية الإسرائيلية الذي كانت شراراته الاولى الاذان الذي رفعه اردوكان من دافوس معلناً الصلاة جماعة في صفوف العرب وقضيتهم وبلغة عربية فلسطينية..بعدما إستبدلها العرب بلغة عبرية امريكية..سبق كل هذا تجاهل الغرب وأوروبا لإبتهالات تركيا باللاتينية..على اي حال اصبحت تدرك إسرائيل الرغبة التركية للسير في لعب دور حيوي في منطقة الشرق الاوسط وقضيتها المركزية دون التقدير الحقيقي للإندفاعة التركية والاصرار على السير في هذا الاتجاه عند اول فرصة سانحة وها هي إسرائيل قد وفرت لها هذة الفرصة دون إدراكها للعواقب التي ستصيبها بشكل سيجعل من العالم الداعم لها يتساءل عن ما إذا كان بمقدوره السير في إستراتيجية إسرائيل المتبعة منذ قيامها والقائمة على نظرية "دماء ومجازر ضمانة للجميع رأس مال بقائها الوحيد"..
لقد اصبحت تزداد إسرائيل قلقاً من الاندفاعة التركية نحو الشرق والتي من شأنها كبح المعادلة الاسرائيلية الدامية التي لا تعرف غيرها إسرائيل.كما انها تتوجس من التناغم التركي الايراني الذي يكمل بعضه البعض في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية خاصة بعدما نجحت إسرائيل الى حد ما بتأليب العرب على إيران بإتهامها تارة بالمد الفارسي وتارة اخرى بالخطر النووي والهلال الشيعي."متجاهلين هلال المقاومة في المنطقة، خيار الشعوب الاول"(المهم ان يبقى بعض حكام الانظمة العربية يديرون الازمة والقضية الفلسطينية وإبقائها في حلقة مفرغة لإعتبارات داخلية سلطوية) بقوة دفع عمادها أموال النفط التي اغرت كثير من الفلسطينيين ممن حولوا انفسهم الى زعماء تقليديين همهم الوحيد بقعة ارض ومطار ومبنى يمارسون من خلاله الحكم والنفوذ مستمدين شرعيتهم من الانظمة العربية ذاتها التي تهلل لهم وتشجعهم في السير على خطاهم القائمة على نظرية"الاعتدال"الذي تباركه دول كبرى حريصة على بقاء التفوق العسكري الاسرائيلي على جميع الدول العربية وتشجع حاملي لواء مبادرة "السلام العربية" والمتشدقين بشعاراتها التي اضحت صمام امان لإسرائيل في كل عملية عسكرية كانت تقوم بها مهما كانت نتائجها مأساوية..طالما انها لا تواجه إلا بالتلويح بسحب "المبادرة العربية"عن الطاولة..(مع العلم ان إسرائيل إستخفت بها مباشرة قولاً وعملاً حيث سارعت في نيسان من العام 2002 بمسح مخيم جنين وساوته بالارض)رداً على مبادرة العرب حتى اصبحت الشعوب العربية تتوجس من اي مبادرة عربية جديدة حتى لا ترد عليها إسرائيل وكعادتها بالحديد والنار والتي لن تكلفها حتى ثمن الذخيرة التي تطلقها وتستلم ثمنها مسبقاً من المساعدات الامريكية السنوية..بالمقابل ُيمنع على شعب غزة الاعزل من ترميم سقف منزل واحد بالاسمنت إتقاءأ من رياح السماء التي تعصف بهم كل يوم بعيداً عن عدسات الصحافة العالمية..
إن إسرائيل هذة لم تنسى بعد وقفة أردوكان في دافوس ولا توقيع تركيا الحليفة لها مع إيران والبرازيل على إتفاق لتبادل الوقود النووي،لذلك وجدت إسرائيل فرصتها لإيصال اولى رسائلها الى تركيا بالدم بعدما فشلت في إيصالها بالاستعلاء فكانت دماء الاتراك على متن "مرمرة"..إعتقاداً منها وكعادتها ان اسلوب الردع العنيف مع العرب يمكن إسقاطه على تركيا لانها تعودت على إسكات صرخة الطفل والشيخ والإمرأة الفلسطينية بصاروخ او بمجزرة على مرأى ومسمع من بعض العرب الذين لا يحركون ساكناً خوفاً من غضب"الكابوي الاكبر"الذي يخيفهم من"الكابوي الاصغر"في المنطقة ..لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن..وكأن تركيا "كانت تبحث عن مدخل ما للولوج في مبارزة علنية مع إسرائيل"تدفع من خلالها العرب الى المناداة بدور تركي فعّال قبل ان تولي وجهها شطر المشرق من جديد من بوابة فلسطين ورفع راية قضيتها بعد ان تخلى بعض العرب عن هذة الراية خوفاً أو تسليماً..
فجاءت" مرمرة "سفينة النجاة"التي سيقدسها العرب والمسلمين الى زمن بعيد طالما انها لم تزل عائمة ولم تغرق بعد..مع إعتبارها القشة التي قصمت ضهر البعير بين الخصوصية التركية ـ الاسرائيلية التي بدأت تتقلص وتتحول بسرعة إيجاباً على العرب الرافضين لإي تسوية مع إسرائيل ومرطبة لعلاقتهم مع إيران..ان "اردوكان العرب" يدرك اليوم ان بلاده وهو شخصياً سيكونان هدفاً دسماً لمكائد إسرائيل بهدف كبحه وإعادته الى صفها رغبة منها بتأديب من راهن عليه من العرب وقتل طموحاتهم لعقود طويلة من الزمن..ويتمثل ذلك من خلال ثغرات عدة لا ندركها واخرى يدركها الجميع كقضية الارمن.الاكراد.قبرص.العسكر داخل تركيا.. وغيرها من القضايا التي ُتفتح في وجه تركيا وحزب العدالة والتنمية الحاكم ذات التوجهات الإسلامية ..
اخيراً تدعي إسرائيل ان جنودها قاموا بالدفاع عن انفسهم على ضهر سفينة "مرمرة".؟
وهنا السؤال:كيف يقابل شخص عسكري مدجج بالسلاح من قيبل اناس عزل من أي سلاح ؟ومن هاجم من.؟ هل يصح القول ان الاعزل والمدني ذهب الى العسكري وأحضره من الماء وهاجمه..؟أم العكس صحيح.؟هل جاء هذا العسكري حاملاً وروداً وزهور فقابله الطرف الاخر بالعنف.؟
لماذا لم تجبر البحرية الإسرائيلية السفن ومنها السفينة "مرمرة" على التوجه الى اقرب ميناء بحري دون الالتحام المباشر مع المتطوعين في اسطول السلام الذين ادركوا سريعاً ان الامر لا يتجه إلا الى إهانة جديدة متعمدة تستهدف الأتراك بالذات ولا يستبعد ان تكون حركة كراسي جديدة منخفضة ساحتها هذة المرة في اعالي البحار..؟ إن لم نقل اكثر من ذلك.. وهذا تؤكده طريقة الدهس التي تعرض لها الاتراك حين حصلت المواجهة بين الطرفين المهاجم والمدافع على ضهر السفينة "مرمرة"..هل إن إجبار سفينة ما على التوجه إلى ميناء بحري اصعب من إجبار طائرة تحلق في الجو على الهبوط في إحدى المطارات..؟
إذاً المسألة واضحة ففي هذة الامور لا يكون للصدفة من مكان..لا بالطريقة ،ولا بإختيار الهدف..ولا بنوعية السلاح الذي يمكن معرفة هدف العملية من خلال نوعيته وحجمه خاصة ان احد افراد الكوماندوس كانوا يرددون عبارة "دقيقة..دقيقة..وهم يدهسون الجرحى بالاقدام ..!!
وهذة الدقيقة رددها اردوكان في دافوس وهو يرجو محاوره ان يدعه يكمل كلامه في وجه شيمون بيريز وهو يقول له دقيقة..دقيقة..دعني اكمل "قبل مغادرته المكان" تاركاً عمر موسى امين عام الجامعة العربية مندهشاً مربكاً محرجاً كون المشهد جديداً عليه وغريب غرابة شروق الشمس من مغيبها.!!
في النهاية صدق الصادقون الاوائل حين قالوا:إسرائيل سقطت…