كان المشهد حقا أخاذا يكتب فى ذاكرة الإنسانية كدليل خالد على تحول الأشكال والأحوال فى الأزمنة الغبراء التى يتم الزج فيها بالرويبضة ليتكلم نيابة عن الناس ..
يجلس الممثل الراحل نجيب الريحانى مقهورا وهو يرى زوجته الفنانة الراحلة تحية كاريوكا
وقد كانت راقصة فقيرة لاتفقه شيئا وفجاة تتبدل الأحوال فتشتهر فى زمن لايفرق بين القيمة واللاقيمة وتصبح فنانة لها صيت وهى فى حقيقة الأمر معروفة التاريخ .
يقترب منها صحفى محنك قائلا بكل أدب وتحذلق..”أين ترعرعت سيدتى” وهنا يكون نجيب الريحانى قد فاض به الكيل فيبدأ وصلة ساخرة عن نشأة “السيدة” وكرم محتدها وأصلها وحسبها ساخرا من حقائق مريرة يعرفها هو وكل من اقترب منها وعرف الكثير عن تاريخها وحقيقتها …
تذكرت هذا المشهد حين تابعت بأسف اليومين الماضيين لقاء مايسمى “بالقوى السياسية” بالمجلس العسكرى وتذكرت تاريخهم الغير مشرف وتمنيت أن يقترب أحدهم من تلك القوى هامسا..أين ترعرعت سيدتى ..؟لأجيب أنا نيابة عن الراحل القدير نجيب الريحانى وأذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين..
حيث نجد حزب الوفد الذى كان ومازال لايريد من هذه الدنيا شيئا سوى رضا أولى الامر وبعض المقاعد الخائبة فى برلمان واهى ولايهمه أبدا ما يدفعه وما يتنازل عنه مقابل تلك المقاعد فهل ننسى كيف قام بعملية ذبح لأجرأ وأقوى جريدة مصرية ساهمت بشكل فعال فى قيام الثورة وقام بالتنكيل بأقوى وأجرأ الكتاب إرضاءا للمخلوع وقام رئيسه السيد البدوى كعادته بكل العملية التى لا أجد لها اسما يليق بفجاجتها وجرمها فى حق الشعب والحرية والإعلام…
تاريخ يسود وجوههم فى ذلك الحزب الذى كان ومازال يلعب دور “المطيباتى” لأى حاكم وتحت أى مسمى والغريب أنه يتفاوض باسم الشعب الذى لم يمثل يوما رغباته ولا سعى أبدا لمطالبه النبيلة ولافكر إلا فى الكرسى البرلمانى ألا لعنة الله على المنافقين…
ولكن لم تكن الراحلة تحية كاريوكا ممثلة فقط “بفتح الثاء” بحزب الوفد وإنما كانت لها نسخ متكررة كثيرة قابلت المجلس وخرجت بخفى حنين ولم تستمتع إلا ربما بمشاهدة صفوة المجلس الحاكم وطلب الرضا فقط ..
نجد عندك مثلا من يمثلون اليسار المتعجرف الذى يتهم الجميع عدا الليبراليين بالجهل ويقلل من شأن أى رأى كأنه احتكر الليبرالية والعقلانية وأدمن التعالى …لماذا؟؟؟ لا أعرف والله ربما لأن الغالبية قالت “نعم” وهو كان يريد “لا” ..
المهم أن هذه الليبرالية لم تكن ذات قيمة ولا شأن قبل الثورة التى قام بها الشعب الذين يتعالون عليه ويتكلمون باسمه على أساس أنه جاهل لايعرف مصلحته وياليتهم أتوا له بحقوقه البسيطة بل خرجوا مبتسمين فاغرين أفواههم بدون إحراز أى هدف من أهداف الشعب…
ونأتى للنسخة الثالثة ألا وهى “الإخوان ” ..ياربى..ماذا أقول هم العجينة النقية والمادة الخام للتخبط السياسى والغموض وركوب أى موجة تغرى بالعلو والنزول سريعا عنها عند انحسارها وأستثنى منهم “شباب الإخوان” الذين شقوا الجيوب ولطموا الوجوه من هول خيبة عواجيز الجماعة وعدم التزامهم بالشفافية فى الأهداف…
السلفيون…هذه والله الطامة الكبرى…مرة يكفرون الخروج على الحاكم من أول مبارك خلال الثورة واختبائهم بالجحور عملا بطلب أحبابهم “معظمهم وليس الجميع فلا أعمم أبدا” فى أمن الدولة ومرورا بالمجلس العسكرى الذين كفروا أيضا من يخرج عليه ونقضوا عهدهم فى جمعة التحالف الشعبى يوم 29 يوليو ورفعوا أعلام الجهادوالسعودية اللطيفة واعتبرو أن التحرير هو قبيلة قريش قبل الإسلام ..
حقيقة هؤلاء أناس لا يجب أن يزجوا بأنفسهم فى السياسة لأسباب عدة منها أن كوادرهم ليس لها ولم يسبق لها الدخول فى هذا العالم الذى يجب أن يكون له نظمه وطرقه الخاصة وليس بطريقتهم التى تفتقر للثقافة والوعى بمطالب الأمة المصرية الآن والموضوع ليس “بالعافية” ..فهل نسوا تاريخهم مع أمن الدولة قبل الثورة؟ وهل نسوا موقفهم من الثورة خلالها؟ وهل نسوا موقفهم من باقى الثوار وانضمامهم للمجلس بعدها…كيف ننسى تاريخهم ؟
وكيف تجرأوا وتكلموا وتفاوضوا باسم الشعب الذين لم يمثلوه ولو يوما واحدا قبل أو بعد الثورة ودوما حرص كل من ذكرتهم على فتات بالية يحسبونها ذات قيمة ياكلونها من مائدة أى سلطة تأتى بالبلاد..
كل هؤلاء استمدوا قيمتهم وأهميتهم من الثورة والشعب وليس لهم قيمة تذكر أصلا قبل 25 يناير ..!
ماذا فعل هؤلاء بعد تفاوضهم وأكلهم مالذ وطاب فى لقائهم بالمجلس…هل أقر المجلس بانتفاء قانون الطوارىء الذى أجمع كل أباطرة الفقه والقانون على انتهائه تماما بنهاية سبتمبر دستوريا؟ أبدا..
طيب هل توقفت محاكمات المدنيين عسكريا؟ أبدا ..هل حددوا موعد الانتخابات الرئاسية؟ أبدا ..طيب كيف تدور عجلة انتاجهم التى صدعوا رؤوسنا بها والبلد بلا رئيس؟ وكيف تأتى الاستثمارات والسياحة هكذا؟ هل السبب الثوار ؟؟
فليرد عليا أحد الأشاوس الذين دخلوا حظيرة المجلس وأصبحوا مسيسين وطائعين له بالضبط كما كان يحدث أيام المخلوع..طيب هل وصلوا لقانون العزل السياسى لكل من كان له صلة بالحزب المنحل من الصف الاول والثانى الذين يسعون بقوة الآن للعودة والانخراط فى الحياة السياسة والإنتخابات على أساس أنه لاشىء تغير فعلا ..؟ أبدا..
طيب هل فكروا أن يطالبوا بإلغاء الرقيب العسكرى الذى ظهر منذ أسابيع فى جميع الصحف وعدنا لعصر عبدالناصر ويا للخزى .. فهذه المقالة تحذف وهذا الجورنال يصادر عدده وهذه الجملة تؤلم قلب المجلس..هل هذا طبيعى؟ هل ما يحدث فى مصر مبشر؟
طيب لما لم يتساءل أحد هؤلاء عن سبب نزول المشير طنطاوى للعامة والبسطاء والتجول بينهم بأريحية ..وعن زياراته العجيبة للمصانع وحلفانه ألف يمين أنه قال “الحق” ولاشىء غير الحق فى مشهد يوتيوبى فاخر تعجبت جدا منه ..
فقد قال مرة أنه رفض إطلاق النار على المتظاهرين ولكن فى المحكمة قال أنه لم يطلب منه إطلاق النار وأنا واثقة أن الرجل صادق فعلا ولكن فى أى موقف من الموقفين السابقين؟ عليه أن يحدد فهو رجل شريف ومقاتل كما قال ..وقال أنه سيظل يقاتل..رائع..إذن أنا أرجوه أن يقاتل فعلا ولكن على الحدود وأن يسلم السلطة للشعب وان يعود أدراجه مشيرا جميلا وقائدا نبيلا ولو ان مجرد وجوده عشرين عاما فى عهد المخلوع يقض نومى ويزيد من همى فلا أنسى ولا ألين له جانبى رغم محاولتى المضنية ولكن للأسف هو لايساعدنى على النسيان ..
ولذا عليه أن يستمع مرة لصوت الشعب ولايصم أذنيه ويترك ترهات الحكم لأهل مصروثوارها وينزل على رغبة البسطاء الأذكياء الذين أثبتوا ان ضمائرهم وأخلاقهم هم وحدهم ” دونا عن كل من ذكرتهم أعلاه ” هى التى تعرف كيف تقود البلاد حيث لا هم لهم إلا مصلحتها وتقدمها على عكس الأمثلة الغابرة المذكورة بتاريخها المؤلم فى عهد المخلوع أما باقى من ذكرتهم هنا آنفا فأنا أسألهم نفس سؤال الصحفى الخبيث للراحلة المبدعة تحية كاريوكا وهو يعلم جيدا تاريخها المشرف ..أين ترعرعت سيدتى..!