كم من المعتقلين الفلسطينيين من أهالي قطاع غزة أفاد بتعرضه للتعذيب في سجون النظام المصري البائد؟ الكثير طبعا وبعضهم قضى تحت التعذيب(مثل يوسف أبو زهري،رحمه الله)، ومن المعذبين فلسطينيون أعضاء في حماس أو الجهاد الإسلامي أو لجان المقاومة الشعبية، ومنهم من سجنوه
عذّبوه وهو لا علاقة له بأي تنظيم أو فصيل فلسطيني، وما سبب التعذيب القاسي المخالف لشرع الله ولشرائع الأمم المتحدة؟ السبب هو أنهم أرادوا معرفة مكان احتجاز جلعاد شاليط أو معلومات عمن يحتجزونه أو حتى أي معلومة مهما كانت صغيرة عن رجال المقاومة الفلسطينية.
هكذا كانت الصورة، فنظام مبارك كان يريد العثور على مكان احتجاز شاليط كي يبلغ الصهاينة فيقوموا بتنفيذ عملية عسكرية أو أمنية ليخرجوه حيا أو ميتا، المهم ألا يستبدل بأسرى فلسطينيين، أما من يرى أن هذه مبالغة فليعد إلى ما صرح به المفرج عنهم من سلخانات وباستيلات حسني مبارك وعمر سليمان، فقد كان النظام البائد يريد تقديم عربون الولاء للأمريكيين والصداقة للصهاينة بأي ثمن خاصة ما يتعلق بشاليط.
أما لماذا كانت مصر تشرف وترعى المفاوضات الغير مباشرة، فهذا من خبث النظام وألاعيبه المكشوفة؛ فالنظام استغل بأبشع صورة قهر الجغرافيا الذي يرزح الغزيون تحت نيره، وقد لعب نظام المخلوع دورا مزدوجا لئيما فمن جهة يرعى المفاوضات، ويحاول بورقة الحصار وإغلاق معبر رفح وبناء الجدار الفولاذي وأيضا بالمساومة على من في زنازينه من المعتقلين وبأمور أخرى كثيرة، أن يلين من موقف المقاومة ويجبر محاوريه من حركة حماس على التنازل وخفض سقف مطالبهم، وفي ذات الوقت تكثيف الجهد المخابراتي في غزة، وتكثيف التحقيقات القاسية التي تواطئ ممارسات الفاشيست مع من يقع تحت أيديه من الفلسطينيين لعلّ وعسى يتمكن من الحصول على طرف خيط يوصله إلى شاليط والبقية معلومة!
ومؤخرا نشرت صحيفة وول ستريت جورنال خبرا مفاده ان مبارك هو من عطل إتمام الصفقة، أم رئيس حركة مصريين ضد الصهيونية محمد سيف الدولة فقد أكد في مقابلة مع قناة الناس أنه لو بقي مبارك في السلطة لما تمت الصفقة، فجاءت بعد عشرة أشهر من الثورة صفقة وفاء الأحرار كثمرة طيبة من ثمرات ثورة الخامس والعشرين من يناير(كانون ثاني/2011م) والبقية تأتي بمشيئة الله، والمهم هنا هو زوال عقلية التابع والمتبوع التي سعى المخلوع إلى تكريسها، وهو يعلم تعارضها مع مكانة مصر ودورها وقدراتها، ولكن رغبته في البقاء في الحكم وتوريثه لنجله من بعده جعلته يضع مصر ومكانتها، والأمة ومصلحتها، وراء ظهره، ونحن بدأنا نرى حلول عقلية و دور الند للند في هذه المسألة وغيرها.
صحيح أنه في عهد النظام السابق قطعت المفاوضات شوطا، لكن النظام لم يكن معنيا بتنفيذ أو تطبيق ما تم الاتفاق عليه، إضافة لمعارضة الأمريكيين خاصة في فترة حكم عصابة المحافظين الجدد لإبرام مثل هذه الصفقات وكانت كلمة هؤلاء نافذة.
إن الثورات العربية فاتحة خير ومرحلة جديدة في الصراع، فالنظام التونسي ثبت أنه كان غارقا حتى الأذنين في العمالة للموساد وأجهزة المخابرات الأمريكية والأوروبية، وكان يمارس سياسة سعى لتعميمها عربيا-ونجح جزئيا في ذلك- تقوم على فكرة ما يسمى تجفيف المنابع أي الاستئصال الشامل ابتداء من التربية والتكوين الثقافي والفكري وانتهاء بقطع أي منفذ للدعم المادي للقوى الأصيلة وأفرادها، مما يعني قتل روح المقاومة لدى الفرد وتحويله إلى كائن أناني استهلاكي، مما يعني إطالة عمر الكيان العبري وتمدده وتوسعه، لأنه يواجه كائنات مستعبدة لأنظمة جائرة وخائنة!
أما ثورة مصر؛ ورغم كل العثرات والمعيقات والمنغصات القائمة والتهديدات الصهيو-أمريكية بتفجير كل الألغام الموجودة، فثمراتها بدأت تنعكس إيجابا على القضية الفلسطينية، وهذه الصفقة من الثمرات الطيبة لثورة طيبة بإذن الله.
ولكن المطلوب اليوم من الإخوة في مصر إلزام الاحتلال بتنفيذ الشق الثاني من الصفقة، ومنعه أن ينكص على عقبيه ويخل بالتزامه، فقد بدءوا يسربون للإعلام أن الدفعة الثانية( 550 أسيرا) ستشمل جنائيين لا أمنيين، وهذا اختبار جديد لمصر، ونرجو أن تنجح فيه بجدارة، كما يتوجب أن يغلق ملف الأسيرات اللواتي بقين في الأسر، حتى يكون الشق الأول من الصفقة قد تم بشكل نهائي.
ومضة وعبرة تاريخية:حين ندرس الحروب الصليبية، نرى ان الصليبيين كانوا مجموعات من الهمج والحثالات البشرية، لكنهم تمكنوا من احتلال البلاد وأقاموا فيها ممالك، وبقي المسجد الأقصى لما يناهز التسعين سنة إسطبلا لخيولهم؛ يتبين لنا أن السبب لم يكن تقدمهم العلمي، فقد كان المسلمون هم أهل هذا التقدم، وكانت الحروب تجري بالسيوف والرماح ومن على صهوات الخيول، ولكن السبب الجوهري هو أن الإمارات العربية والإسلامية –بمعظمها- إما عقدت التحالفات والصداقات مع الفرنجة (أي خانت الأمة) أو تعاملت بسلبية وتراخ ولا مبالاة، وقد كان الإنجاز الأكبر للناصر صلاح الدين هو أنه استطاع تغيير سياسات هذه الإمارات ووحّدها باتجاه تحرير بيت المقدس واستنقاذ المسجد الأقصى من براثن الفرنجة، وذلك بحكمته الثاقبة المسنودة بسيف صارم بتار، يقبل كل شيء إلا الخيانة والهوان…والعبرة واضحة!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الأربعاء 21 ذي القعدة-1432هـ ، 19/10/2011م
من قلم:سري سمور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين