لفت السفير البريطاني لدى سوريا سايمون كوليس إلى أن “النظام السوري لا يريد للعالم أن يعرف أن قواته الأمنية والشبيحة (البلطجية) الذين يدعمونها يقتلون ويعتقلون ويسيئون لمتظاهرين سلميين”. وفي مدوَّنته على الانترنت كتب كوليس حول ما يحدث في سوريا يقول: “قررت منذ أسبوع أن أكتب هذه المدونة بعد أن وصلت سوريا لمرحلة فظيعة. فقد تحمّل أفراد الشعب السوري حتى الآن ستة شهور من الاضطرابات والقمع العنيف لمتظاهرين سلميين في الأغلب، وبينما يتطلعون الآن إلى الشهور الستة القادمة بمزيج من عدم اليقين والخوف والأمل، أود أن أشارككم بعض انطباعاتي الشخصية بشأن ما يحدث، وبعض الخواطر حول السبب فيما يحدث، وربما كذلك لأثير بعض النقاش بشأن ما سيحدث بعد ذلك وما يمكن عمله”.
وأضاف كوليس: “إنني محظوظ بكتابتي لهذه المدونة، ذلك لأن يمكنني كتابتها، وقد بينت الشهور الستة الماضية أن باستطاعة السوريين كذلك أن يكتبوا مدونات، لكن بكتابتهم لها يواجهون الرقابة والتهديد والاعتقال التعسفي”، مشيراً إلى تقارير الأمم المتحدة التي تقول بأن ما يفوق 2,700 شخص قتلوا خلال الشهور الستة الماضية، بعضهم توفي تحت التعذيب في السجون، وتابع: “لا يريد النظام أن تعرفوا بأنه يمنع الكثيرين من عقد اجتماعات سلمية لمناقشة الإصلاح، بل يريدكم أن تسمعوا وجهاً واحدا فقط من أوجه الحقيقة – ما يقول النظام نفسه، كما يريدكم أن تروا سبيلا واحدا للخلاص – العودة للحكم الاستبدادي حيث الخوف يتفوق على الرغبة بالحرية. إنه نظام مازال عازما على التحكم بكل وجه أساسي من أوجه الحياة السياسية في سوريا. فقد اعتاد على السلطة، وسوف يبذل كل ما باستطاعته للاحتفاظ بها”.
وردّد كوليس ما يقوله الكثيرون بأنه لم يعد من الممكن في عالم اليوم إخفاء الحقيقة، وما قيل عن قوة شبكات التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر”، وعدم القدرة على فرض الرقابة على المعلومات في تونس ومصر، لكنه استدرك قائلاً: “لكن الحقيقة القاسية في سوريا هي أن النظام يبذل كل ما في وسعه لحجب انتشار المعلومات”، وعدّد أمثلة حول مساعي نظام الأسد لحجب المعلومات، فقال: “الصحافيون الأجانب لا يُسمح لهم بالدخول، وتم طرد أي مراسل محلي غير سوري – أحيانا بعد تعرضه للضرب. والمراسلون والمدونون والصحفيون المواطنون السوريون يتعرضون لملاحقة منهجية ويسجنون. وامتلاك هاتف نقال يعمل عبر الأقمار الصناعية يعتبر جريمة يعاقب عليها. والهواتف الخلوية وشبكات الإنترنت تخضع لرقابة صارمة، أو أن سرعة الاتصال بالإنترنت تخفض إلى درجة بطيئة جدا، خصوصا أيام الجمعة، بينما تم قطعها في المدن التي تشن فيها قوات الأمن حملات اعتقال جماعية، أو ترسل مركباتها المدرعة إليها. وتم حجب المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية بمساعدة من إيران. وقبل اندلاع هذه الأزمة كانت منظمة “محررون بلا حدود” قد صنفت سوريا بترتيب خامس أسوأ دولة في العالم بالنسبة للحريات الإعلامية. وقد ازداد ذلك سوءا خلال الشهور الستة الماضية. بات أسوأ كثيرا. فالنظام يريد أن ينشر الحقيقة من وجهة نظره هو فقط. لكن علينا ألا نسمح له بذلك”.
وحول برنامج النظام الإصلاحي، قال كوليس: “أعتقد أننا جميعا نتعلم منذ نعومة أظفارنا بأن هناك فرقا كبيراً ما بين قول شيء وفعله، وكما هو الحال بالنسبة لكافة برنامجه الإصلاحي حتى الآن، فإن رد النظام على منتقديه كان إعلانه بأن سيكون هناك قانون جديد للإعلام، وبأنه تم تشكيل لجنة لصياغته. لكن ليس هناك حاجة لقانون جديد لأجل السماح للصحافيين بدخول سوريا. كما ليس هناك حاجة لقانون جديد للإعلام لمنع عقلية “الأخ الكبير” التي تسود هنا، كل ما يلزم هو قرار بالتوقف عن تقييد حرية الصحافة، ثم تنفيذ ذلك القرار. وإلى أن يحدث ذلك، ما الذي يدعو أي أحد لتصديق أن الأمور ستصبح مختلفة عن ذلك؟”. وأكد كوليس أن لديه شعورا بأن “هذه الفجوة بين الواقع والوعود سوف تستمر بكل أسف”، وتابع: “لقد أعلن الرئيس بشار الأسد، في عدد من المرات، عن برنامج كبير للإصلاح. يتضمن هذا البرنامج الكثير من الأوجه التي تبدو جيدة جداً، وتم بالفعل إقرار بعض القوانين، وسوف يتبعها المزيد. لكن لدى قراءة تفسير هذه القوانين، يلاحظ بأن كل درب فيها يؤدي إلى المزيد من الحريات والانفتاح في الحقيقة يمر عبر نقطة تفتيش، فكل من هذه الدروب يؤدي إلى مسؤول من النظام لا يسمح بتمرير سوى ما قيل له أن يمرره فقط، بينما على الباقين العودة يجرّون أذيال الخيبة، أو مواجهة عواقب وخيمة”.