د. فايز أبو شمالة
هل كان يعجبك حال العرب قبل ثورة الشعوب؟ وهل كنت مقتنعاً أن حياة العرب السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والديمقراطية ترتقي إلى المستوى الأدنى الذي تتمتع فيه شعوب الأرض؟ إذا كانت الإجابة بنعم؛ معنى ذلك إنك لا تدرك ما يدور من حولك، أو أنك منتفع من حالة القمع والتغريب التي مارستها أنظمة الحكم العربي ضد شعوبها، وبالتالي فأنت شريك في حالة الضياع السياسي التي عاشها العرب عشرات السنوات السابقة، وكان من أبرز نتائجها تفشي القطرية، وسيادة التفسخ الذي تسبب في ضياع فلسطين، وتثبيت أركان الصهيونية في منطقتنا العربية حاكما مقرراً في مصير الشعوب!.
سأطرح السؤال بصيغة أخرى: هل سيكون حال العرب الحضاري والعلمي والإنساني أفضل بعد ثوراتهم الشعبية، أم سيزداد وضعهم سوءاً؟
الإجابة على السؤال السابق يلخصها رأيان:
الرأي الأول يستبشر خيراً، ومتفائل من الثورات العربية، ويأمل أن يتفتح الربيع عن أزهار الحرية والديمقراطية والتطور الحضاري الذي تحتاجه المنطقة، ويتمنى تغيير أنظمة الحكم التي سودت حياة الشعوب، ويري أن البكاء على أنظمة الحكم السابق هو قمة المأساة العربية.
الرأي الثاني: يبدي تخوفه من المستقبل، ويتشكك في منطلق الثورات العربية، وما سيؤول إليه الوضع العام، ويظن أن ما يجري على أرض العرب هو مؤامرة لا تختلف فصولها عن مؤامرة “سايكس بيكو” التي قسمت بلاد العرب، ويحذر من المستقبل ولاسيما بعد فك قيود الجماعات الإسلامية، وانطلاقها من قمقم القمع إلى رحابة النشاط السياسي والاجتماعي والفكري بحرية مكنتها من الانتصار في تونس وليبيا والحبل على الجرار.
المستبشرون بالربيع العربي هم صوت الشعوب التي ذاقت الويل من أنظمة الحكم البائد، وغابت عشرات السنين عن الحياة السياسية، أما الأصوات المتشككة فإنها تنقسم إلى قسمين:
قسم يعكس الحرص على الوطن، ويدق الأجراس خوفاً من استغلال إسرائيل وأمريكا للثورات العربية، ويحذر من السقوط في مستنقع الفتنة، والاختلاف على السلطة، أما القسم الثاني فإنه يعكس رأي المتشككين بالربيع العربي من منطلق عقائدي، ولاسيما بعد أن شمرت الثورات العربية عن سواعد الأحزاب الإسلامية، وكشف عن قوتها، وأعطتها الأغلبية البرلمانية، لتمسح بحضورها الفاعل شعارات أحزاب العلمانية؛ التي سيطر بعضها على العقل العربي ردحاً من الزمن، ووفرت الغطاء النظري لأنظمة الحكم البائدة.
الأحزاب العلمانية فاجأها الربيع العربي مثل الأنظمة، فراحوا يتخوفون من الخريف العربي، ويهاجمون الثورات العربية، ويتهمون الأحزاب الإسلامية بالتنسيق مع أمريكا.
لأولئك العلمانيين يقول أحد قادة الأحزاب الإسلامية في مصر: لا تخافوا من المسلمين، إنهم لن يقيموا الحد على تعدد الأفكار، ولن يحاربوا الديمقراطية التي رفض البعض الاعتراف بنتائجها؟ لا تخافوا من الجماعة الإسلامية؛ إنها منتشرة في اثنين وسبعين دولة، من اليابان إلى كندا، ولا يحملون للبشرية إلا الخير، ولا يحلمون إلا بالإصلاح في الأرض.