لقد أثار المقال المنشور للكاتب أحمد عبد الله بتاريخ 20/11/2011 على موقع (ميدل ايست اونلاين) حفيظة القراء وتعليقاتهم بين مؤيد ومعارض، وبين متهم ومدافع، سواء عن مقالي أو وجهة نظري التي أودعتها في مقال: “شاعر المليون والزج السياسي” أو عن وجهة نظر الكاتب أخي أحمد عبد الله، وأريد في هذا الوقفة أن أبين حقائق لا بد من توضيحها للكاتب الكريم أولا، وللقراء الأعزاء ثانيا.
في البداية أحيي أخي أحمد عبد الله على كتابته المقال ردا على مقالي المذكور آنفا، وأعتبر ذلك حقه الطبيعي في الدفاع عن وجهة نظره، مهما كانت تعارضني أو تشكك فيما قلت، فله ولأي إنسان أن يقول ويكتب ما يشاء، ولنا نحن الكتاب والقراء حق الرفض وحق القبول، فلا أحد يستطيع منع أحد من الكتابة، فلسنا ديكتاتوريي أفكار ومواقف حتى نصادر حق الناس في التعبير.
وإنه لمن باب الحوار الثقافي الهادف والهادئ والمستنير كان عليّ أن أبين أننا نحن الفلسطينيين مثلنا مثل كل أحرار العالم نتوق للحرية ونتغنى بها، حالمين بذلك اليوم الذي تشرق فيه علينا شمسها، فلا تحاصرنا القوات الغازية، ولا يقتل بعضنا بعضا بسلاح الفرقة والتمزق، وإننا فعلا كشعب ومثقفين لم ولن نخسر موقعنا في قلوب إخواننا العرب، ليس لأننا فلسطينيون ومحتلون، بل لأننا أصحاب قضية عادلة، ومطالبتنا بالحرية ليس جرما يعاقب عليه الضمير، بل هو واجبنا نحو بلدنا التي هي بلاد العرب وجزء مهم منها، فحبنا لفلسطين نابع من انتمائنا لها، كما نحب بلاد العرب جميعا، فكثير من مثقفينا عاش ردحا طويلا من الزمن في بلاد العرب الشاسعة وتغنى بقضاياها، مثلهم في ذلك مثل بقية إخوانهم من المثقفين العرب وحتى مثقفو العالم الحر كذلك، فالثقافة والإبداع لا يعرفان جنسية، ولا ينتمي إلا إلى شروطه الموضوعية الفنية، ليس غير.
لذلك فإن ما حاول أخي الكاتب أن يحملني إياه من قول، أو أن يعرض قضيته ببهرجة إعلامية مقصودة، لم تكن في محلها، ولا يشير مقالي لها من بعيد أو قريب، فأنا لم أصرح أو ألمح بتعاطفي مع حركة حماس أو حزب الله مثلا، بل إن جلّ ما قلته في هذا الموضوع أن بعض شعراء شاعر المليون وبعض النقاد زجوا بأنفسهم في قضايا من غير أن يكون لذلك داع، فأنا لست ضد السياسة والشعر السياسي، أو أن يعرض الشاعر قضايا بلده، ولكنني رأيتها مقحمة في السياق التي جاءت فيه على ما بينتُ ووضحت، وما على الكاتب أحمد عبد الله إلا أن يعود لموقع شاعر المليون الإلكتروني ويستمع للقصائد مرة أخرى، ويستمع لآراء لجنة التحكيم جيدا قبل أن يتخذ مني ومن الفلسطينيين عموما موقفا صارخا، لا أريد أن أراه أنه ينم عن كراهية أو نفور.
إنني ومعي – كما أظن- كثير من المثقفين الفلسطينيين لا نجعل فلسطين وقضيتها البائسة التي أوصلها السياسيون جميعا عربا وفلسطينيين إلى حد الموت والدمار، لا نجعلها سُلّمَ تعاطف ليقرأنا الآخرون، فلنا منابرنا الحرة التي ننشر فيها، ولنا جمهورنا الذي يشتاق لرنة حروفنا، ليس لأننا فلسطينيون، بل لأن الشعب الفلسطيني كبقية شعوب الأرض فيه قامات شامخة في الأدب والنقد عموما، ولا أريد أن أعدد رموزا، حتى لا أنجرّ إلى عقدة التفاخر المقيت، ولقد كان محمود درويش أول من صرخ في وجه الجميع محذرا من قراءة المبدع الفلسطيني بناء على قضيته عندما قال في سبعينيات القرن المنصرم “أنقذونا من هذا الحب القاسي”، أظن بعدها أننا لسنا مرضى نفسيين ولا مجانين، ولا عبّاد لفلسطين، فنحن مثلنا ومثل بقية خلق الله بشر طبيعيون، لسنا ملائكة، كما أننا أيضا لسنا شياطين، ومن حقنا أن نعشق فلسطين أرضا مقدسة، فحبنا لها ليس وباء معديا للفلسطينيين مثقفين وسياسيين، بل هو أمر طبيعي فطري في كل إنسان، فإن من حقننا أن نظل نردد على مسامعكم جميعا حتى تحقق أمانينا بالحرية والانعتاق من الإمبريالية العالمية الصهيو-أمريكية قول الشاعر:
ولي وطنٌ آليت ألا أبيعَهُ وألا أرى غيري له الدهرَ مالكا
وأخيرا أظن أن من كتب هذا البيت لم يكن فلسطينيا، ولكنه كان حرا أبيا، بغض النظر عن موطنه وقوميته! فقد نطق بلسان أحرار العالم أجمعين!
فراس حج محمد / فلسطين