لندن – صدر ديوان شعري جديد بعنوان “الرب والزهايمر”، هو الأول للشاعر السوري “إيمار”، وذلك عن دار النشر البريطانية “إي-كتب”.
وعلى الرغم من هذا الديوان هو الأول، إلا “إيمار” ظهر فيه كشاعر مكتمل، وصاحب تجربته ناضجة.
ولكن، هل يمكن لديوان أول أن يقدم تجربة ناضجة بالفعل؟
يقول الناشر ان الجواب الوحيد الذي يتيحه إيمار في كتابه هو: نعم. وإذا أمكن للصوت أن يتيحها بطريقة لا لبس فيها، فهي: نعم، تصدح بالعمق، حيال نصوص شعرية تستولد معان جديدة أكثر، كلما توغلت أبعد.
نصوص هذا الأديب السوري تكشف عن موهبة خلاقة في بناء النص الشعري. وهي تكفي لتضعه بثقة بين كبار شعراء القصيدة الحديثة العرب.
“الرب والزهايمر” مجموعة شعرية تنطوي على الكثير من التحديات، بل انها تدفع قارئها الى مواجهات غير منتظرة. فالرب الذي قد لا يكون ربا جديرا بمكانه، ليس سوى قوة عمياء، منكرة. وسواء نظرت اليه على انه ذلك الإله المألوف أم أي شيء آخر، فانك لن تجد الهالة القدسية التي تحيط بصورته.
الأمر أبعد، بطبيعة الحال، من أن يكون نكرانا أو كفرا. انه علاقة مفجعة فحسب، يتسرب الموت من أطرافها، وكأنه الشيء الأخير والوحيد.
يكتب إيمار بلغة عذبة، سلسة، لا ميل فيها الى التعقيد، ولا شيء لفظيا. نصوصه الشعرية طاهرة من التصنع الذي يميز الكثير من التجارب الشابة. حتى ليمكن لهذا الديوان أن يكون مدرسة وطريقا يدل على الشعر كلما غابت، على بعضهم، معالم الطريق.
مع ذلك، فالشعر الذي ما يزال موضع جدل، وتجديد، في بنائه ومقوماته، بل و”أغراضه” (أو غاياته) نفسها، لا يكشف عن نفسه (في لغتنا، كما في تاريخنا) إلا بين أيدي شعراء تجاوزوا التجريب، وتجاوزوا القاعدة، تجاوزهم للمألوف.
وهذا هو كل الحال بين رب إيمار وألزهايمره.
حتى إذا كان السؤال الأصعب هو: ما الشعر؟ فان الشيء الكثير في هذه النصوص سوف يقترح جوابا.
وهو اقتراح خاص بإيمار، ولكنه جدير تماما بأن يُتمثل كمشروعِ جوابٍ يجدر أن يجلس في جوار خير ما قدمه شعراء القصيدة الحديثة من أجوبة.
والنصوص قصيرة، غالبا.
وهذا وجه آخر من وجوه اكتمال التجربة. فالشاعر لا يفرض على القصيدة إلا حدودها الخاصة. ولن تجد، بناء على هذه الحدود، أي شيء يمكن إضافته أو الاستغناء عنه.
سطر واحد، قد يكفي لكي تولد القصيدة، وفيه تكتمل!
وثمة ما يغري في قصيدة إيمار أن تكون نصا صوتيا.
الشعر هو المناجاة به (احيانا). وقصائد إيمار، من هذه الناحية، لا تُقرأ فقط. فالمرء يمكن أن ينشده في عزلته، وفي تأملاته، كما في حيرته. لتجسد القصيدة في آخر المطاف أعذب ما في الشعر من وظائف: أن يكون صدى لما يعتمل في النفس، وأن يكون مدخلا لإعادة صياغتها، أو ليكون أداة لاعادة ترتيب علاقة النفس بالبيئة التي تعيش فيها.
إيمار، شاعر فذ، ممتلئ، وغني العبارة والصورة. ولن يقتصر الأمر على القليل. فهناك ما يقارب 170 قصيدة في هذه المجموعة الثرية.
كل هذا نشأ وسار واكتمل، بعيدا عن الكثير من النظر.
إقرأه، وسوف تشعر بالدهشة، كيف إن هذا هو ديوانه الأول.