يواجه رئيس الوزراء الجديد ماريو مونتي تحدياً كبيرا خلفا لسلفيو برلسكوني في بلد هزته أزمة الديون (رويترز)
مايكل سبنس
<?xml:namespace prefix = “o” ns = “urn:schemas-microsoft-com:office:office” /?>
بدأت الحكومة الإيطالية الجديدة عملها بقيادة الاقتصادي ماريو مونتي، لكن لا يزال الخطر يراوح مكانه بالنسبة لإيطاليا وأوروبا بل والاقتصاد العالمي برمته. فإذا فشلت الإصلاحات بإيطاليا وحدث انهيار مالي وظل النمو ضعيفا، فإن التزام…
يواجه رئيس الوزراء الجديد ماريو مونتي تحدياً كبيرا خلفا لسلفيو برلسكوني في بلد هزته أزمة الديون (رويترز)
مايكل سبنس
<?xml:namespace prefix = “o” ns = “urn:schemas-microsoft-com:office:office” /?>
بدأت الحكومة الإيطالية الجديدة عملها بقيادة الاقتصادي ماريو مونتي، لكن لا يزال الخطر يراوح مكانه بالنسبة لإيطاليا وأوروبا بل والاقتصاد العالمي برمته. فإذا فشلت الإصلاحات بإيطاليا وحدث انهيار مالي وظل النمو ضعيفا، فإن التزام روما تجاه اليورو ربما ينهار حينما تتبين أن كلفة عضويتها بالاتحاد النقدي تفوق منافعها.
غير أن تخلي إيطاليا عن اليورو قد يسدد ضربة قوية لمنطقة اليورو في الصميم، لأنها ليست كبقية شقيقاتها المأزومة بالقارة الأوروبية بما في ذلك اليونان. فإيطاليا ذات اقتصاد كبير تتجاوز قيمته تريليوني دولار، وحجم ديونها يعادل 120% من إجمالي الناتج القومي أي 2.5 تريليون دولار تقريبا، فضلا عن ديون نظام المعاشات التقاعدية، وهو ما يجعل إيطاليا ثالث أكبر سوق للديون السيادية بالعالم.
اقتراض غير مسبوق
لكن أسعار الفائدة المتصاعدة تزيد عبء خدمة الديون وتجعل كلفته السياسية شبه مستحيلة. وفوق ذلك، تجد إيطاليا نفسها اليوم مطالبة بتسديد 372 مليار دولار من ديونها بالشهور الستة المقبلة، بينما وصلت كلفة الاقتراض مستوى غير مسبوق تجاوز 7% مع مساعي المستثمرين تقليل انكشافهم على ديون روما.
“
إذا فشلت الإصلاحات بإيطاليا وحدث انهيار مالي وظل النمو ضعيفا، فإن التزام روما تجاه اليورو ربما ينهار حينما تتبين أن كلفة عضويتها بالاتحاد النقدي تفوق منافعها
“غير أن حاجة روما لتسديد الديون المستحقة عليها ليست التحدي الوحيد. فمالكو السندات داخل إيطاليا وخارجها، خاصة المصارف، تكبدوا خسائر مالية كبيرة تسببت في اختلال ميزانيتها ونقص في السيولة وتلاشي الثقة. كما أن العجز بالتجارة الخارجية وبالحساب الجاري كبير، وفي تصاعد، وهو ما يعكس ربما فقدان القدرة التنافسية والإنتاجية قياسا إلى ألمانيا وفرنسا وهما من أكبر شركائها التجاريين.
تأخر تكيف الدولة
أكثر من ذلك فإن النمو الاقتصادي ظل بطيئا طيلة العقد الأخير مما يصعب على روما معه تخفيض عبء ديونها. إن بطء نمو اقتصاد إيطاليا يعكس عدة عوامل منها عدم مرونة سوق العمل وقلة استثمارات الدولة بالقاعدة العملية والتقنية للاقتصاد والقيود المفروضة على المنافسة في بعض القطاعات، وتأخر تكيّف الدولة مع منظومة منطقة اليورو.
لكن إيطاليا تملك نقاط قوة برغم ذلك. فحصيلة الديون المجمعة (الحكومة والأسر والمؤسسات المالية وغير المالية) بحدود 315% من مجمل ناتجها القومي وهي مماثلة تقريبا لسويسرا (313%) وفرنسا (323%) والولايات المتحدة 296% وحتى ألمانيا (285%) وفقا لبيانات عام 2009.
قدرة على المنافسة
ليس هذا فقط، فالأعمال التجارية والصناعات بمناطق وسط إيطاليا وشمالها تتمتع بقدرة عالية على المنافسة والابتكار ومندمجة بالأسواق العالمية. كما أن عجز الميزانيات ظل قيد السيطرة بإيطاليا خلال الأزمة وبعدها بعكس العديد من الدولة الأوروبية المتقدمة.
غير أن الأزمة الإيطالية جاءت متزامنة مع مخاطر عالية تحيق بدول رئيسية (مثل التباطؤ بالصين وتصاعد البطالة بالولايات المتحدة).
ولدى تقييم هذه المخاطر، من المفيد التركيز على ثلاثة متغيرات: الموارد والكفاءة والإرادة. هل تملك الدولة الموارد للتصدي للمشكلات التي تواجهها؟ هل لدى صناع السياسات الخبرة والدراية لتطبيق إصلاحات ناجعة؟ وهل تدرك السلطات المعنية الحاجة للتحرك بحزم وعزم؟
“
إيطاليا بحاجة إلى “مقرض الملاذ الأخير” حتى تعبر هذه المرحلة الانتقالية، وهذا من شأنه أن يسمح لبرامج الإصلاح بقلب المخاطر التي تحيق بالاقتصاد الإيطالي إلى “السيناريو الملائم” المنشود
“الموارد تأتي أولا. فإذا كانت الموارد غير كافية، تكون النتيجة سيئة بغض النظر عن الكفاءة أو الإرادة، إلا إذا كان هناك نوع من المساعدة الخارجية. وبالمثل، فإن الإرادة السياسية لا قيمة لها إذا لم تكن هناك كفاءة لترجمتها إلى سياسات فعالة.
ويبدو لي أنه في كثير من الحالات الهامة، بما في ذلك ايطاليا والولايات المتحدة والصين، هناك سيناريو ملائم نسبيا وسيناريو أقل جاذبية مرتبط كل منهما بمدى فاعلية الاستجابات السياسية. فعلى عكس اليونان، حيث تشح الموارد (وهو ما يثير سيناريوهات غير جذابة) فإن موارد هذه البلدان كافية، لكن الكفاءة أو الإرادة السياسية (أو الاثنتين معا) ليس من المؤكد توفرهما وإن تقييمات المحللين لهما تتباين بصورة كبيرة.
الدعم السياسي
بالنسبة لإيطاليا، هذا يعني أنه يمكن استخدام الوضع الجيد للميزانية العمومية المجمعة إلى جانب الإصلاحات والتعديلات في نظام المعاشات التقاعدية لاستعادة التوازن المالي وتعزيز النمو بمرور الوقت.
وهذا يتطلب ثلاثة أشياء: برنامج إصلاحات شاملا يجابه التحديات وجها لوجه، ودعما سياسيا لهذا البرنامج، ووقتا لتنفيذ ما يكفي منها لخلق المصداقية اللازمة لخفض كلفة مخاطر الديون الإيطالية.
ولما كان المطلبان الأولان مرتبطيْن باضطراب المشهد السياسي بإيطاليا، فإن المستثمرين غير مستعدين للمراهنة على “السيناريو الملائم نسبيا” وهو ما يعني أن إيطاليا ليس لديها الوقت. كما أن كلفة الاستدانة المتصاعدة يمكن أن تقوض برنامج الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي قبل أن يتم تنفيذه تماما. ومع ارتفاع كلفة الاستدانة، فإن كفاية موارد البلاد تصبح موضع شك وقد تزداد سوءاً.
“
عجز الميزانيات ظل قيد السيطرة بإيطاليا خلال الأزمة وبعدها بعكس العديد من الدولة الأوروبية المتقدمة
“إيطاليا بحاجة إلى “مقرض الملاذ الأخير” حتى تعبر هذه المرحلة الانتقالية، وهذا من شأنه أن يسمح لبرامج الإصلاح بقلب المخاطر التي تحيق بالاقتصاد الإيطالي إلى “السيناريو الملائم” المنشود.
احتمال الانهيار مستمر
لكن هناك عاملا أخيرا يتسم بالخطورة، يتمثل في أن التدخل المطلوب لكبح جماح تصاعد العائد على السندات (أي ارتفاع تكاليف الاستدانة) قد لا يكون وشيكا بسبب قلق الدول الرئيسية بمنطقة اليورو الأساسية (والتي تتصدرها ألمانيا) من أن أي تحرك حاسم وغير مشروط من جانب “مقرض الملاذ الأخير” قد يقضي على الحافز والإرادة السياسية لإجراء الإصلاحات المطلوبة.
المشكلة واضحة: الالتزام المشروط بتحقيق تقدم بمجال الإصلاح لن يعيد مستثمري القطاع الخاص فورا لأنه لا يقلل من مخاطر بروز عقبات سياسية أساسية لتطبيق الإصلاحات. ولا سبيل لتخطي هذا المأزق الكبير إلا من خلال التزامات جريئة وغير مشروطة من جانب الاتحاد الأوروبي ومن جانب إيطاليا. وبدون التزامات الطرفين معا، فإن خطر حدوث انهيارات مالية متتابعة بمنطقة اليورو وتباطؤ اقتصادي عالمي يظل مرتفعا.
ـــــــــــــــ
اقتصادي حائز على جائزة نوبل