-الجزء الثاني-
((هذه –بعد مشيئة الله- سلسلة مقالات تتناول شأننا الفلسطيني، هي جهد المقلّ، ربما ستغضب البعض، وسترضي البعض، وسيتحفظ عليها البعض، ولست أدري ولا يهمني أي الفرق أكبر عددا، ولكن كإنسان ينتمي لهذا الشعب ويعشق أديم هذه الأرض أرى وجوبا علي طرح فكرتي لألقى الله بلا حمل يثقل صدري، وبلا مأثم نابع من سكوت أو تردد أو كتم علم…والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين))
}مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم{ سورة البقرة(105)
(( إن شربة الماء، ولقمة الغذاء، وشحنة الكهرباء، وجرعة الدواء، هي جمعيا بيد الأعداء))
-من خطبة جمعة في بواكير انتفاضة الأقصى للنائب خالد سعيد يحيى(أبو همام) –
(4) مطلب الاحتلال
انسحب الاحتلال من قطاع غزة في صيف2005 ولكنه ركّز جهده على الضفة الغربية، التي شهدت فيها المقاومة تراجعات واضحة شملت مختلف فصائلها بما فيها حركة حماس وذلك بسبب الحملات الشرسة والمكثفة التي شنتها قوات الاحتلال وأجهزة مخابراتها منذ نيسان/ابريل2002 أو ما عرف بعملية السور الواقي وحيث أن حركة حماس في الضفة الغربية، تختلف ظروف عملها عنها في قطاع غزة، فقد تبين خطر الانكشاف الإعلامي السافر، فما معنى تعيين ناطق إعلامي(فرحات أسعد) ليتحدث علنا إلى الفضائيات على أنه ناطق رسمي باسم حماس في الضفة، والنتيجة هي اعتقاله، وكان يفترض وجود بديل فوري وللبديل الفوري بديل آخر، فقرار اللعب على المكشوف يتطلب حزمة كبيرة من لاعبين مكشوفين!
لقد كان الاحتلال واضحا ومازال، ولن تنفع كل المراوغات؛ فالمطلوب من حركة حماس الاعتراف الصريح بإسرائيل، ونبذ الإرهاب(أي المقاومة) والأهم هو التنازل عن حق العودة(ولقد كتبت عن هذه النقطة –الاعتراف بإسرائيل-بعيد فوز حماس في الانتخابات عام 2006م) وإلا فإن السجون الإسرائيلية ستفتح أبوابها ليس فقط لقادة حماس ورموزها في الضفة بل لمن تعاون معها وصولا ربما لمن يتعاطف معها أو لربما لمن انتخبها أو سينتخبها!
(5) حملة الإحتلال الشرسة
الانتخابات والتحضير لها وما تلاها قدمت لمخابرات الاحتلال معلومات قيّمة كانت تحتاج سابقا إلى جهد كبير يتمثل بتكثيف نشاط العملاء وتجنيد آخرين وحملات اعتقال وتحقيقات قاسية ومركّزة ووقتا طويلا ولعلهم بعد ذلك يحصلون على 80 أو 90% مما حصلوا عليه مجانا في فترة زمنية قصيرة وبدون جهود مكثفة؛ فبسبب الانتخابات تم كشف البنى التنظيمية وهياكل الدعم اللوجستي وجرت عملية حرق للقادة والعناصر والمناصرين؛ أهي ضريبة؟لنفترض، ولكن هل يتوجب دفعها مرة أخرى، وما النتيجة المنتظرة؟!
لقد اعتقلت سلطات الاحتلال رئيس المجلس التشريعي وعشرات من النواب ورؤساء وأعضاء البلديات في الضفة الغربية من كتلة التغيير والإصلاح؛ ومن خلال مراجعة ومعايشة تجارب سابقة فيما يخص المعتقلين على خلفية عمل نقابي أو طلابي أو جماهيري خاص بالحركة الإسلامية فإن محاكم الاحتلال العسكرية كانت تـصدر ضدهم أحكاما بالسجن ما بين ستة أشهر حتى سنة ونصف كحد أقصى، مع استثناءات محدودة للغاية؛ لكن ما جرى مع النواب ورؤساء البلديات كان مختلفا وقاسيا؛ فقد حكم عليهم بفترات سجن تتراوح ما بين أربعين إلى سبعين شهرا، وهي أحكام قاسية وغير مسبوقة ضد السياسيين والنقابيين، بل حتى أصحاب القضايا العسكرية ممن لم يتسببوا بعمليات قتل أو جرح يحكمون عليهم بفترات تساوي أو تـقل عن هذه الأحكام!
وقد بُرمجت الأحكام على أن يطلق سراحهم قبيل انتهاء ولاية المجلس التشريعي الافتراضية، ورغم أن المجلس معطّل فقد أعادوا اختطاف العديد من النواب والوزراء السابقين المفرج عنهم بعد قضاء محكومياتهم مرة أخرى وحولوهم إلى الاعتقال الإداري المتجدد، ولم يعودوا –مثلما كان معتادا كعرف لا كقانون- يتجنبون الحالات المرضية والمسنة التي لا يوجد لها نشاط عسكري وسبق أن سجنت لنشاطها السياسي أو الجماهيري مثل النائب الشيخ أحمد الحاج علي(مسن ومريض) والوزير السابق المهندس وصفي قبها(مريض مرضا مزمنا).
والأدهى والأمر قرار إبعاد نواب القدس الإسلاميين ووزيرها السابق، ولم يحم الصليب الأحمر النائب أحمد عطون من عملية اختطاف ماكرة، ولم يكتفوا بإخراج النائب الشيخ محمد أبو طير من القدس فأعادوا اعتقاله علما بأنه قضى نحو 30 سنة متفرقة في سجونهم، وأنا شخصيا لا أستبعد أن يقتحموا مقر الصليب الأحمر لاعتقال البقية رغم أن الأمر قد يحدث ضجيجا إعلاميا سيتلاشى تدريجيا كما تعودنا من تجارب مماثلة!
وطالت الحملة الاحتلالية من عمل في الانتخابات ولو كان عمله بسيطا اقتصر على تعليق صور أو ملصقات أو حتى عمل مقابل أجر لسيارته، وحكم على هؤلاء، وبعضهم لا يمت لحماس بصلة تنظيمية، بالسجن بضع شهور مع غرامات مالية وأحكام مع وقف التنفيذ وهي رسائل إسرائيلية واضحة كان لها أثر تخويفي لا ينكره أحد!
هذه هي صورة الوضع في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس؛ ففي غزة يمكنهم قتل النواب المنتخبين مثلما فعلوا مع الشيخ سعيد صيام-رحمه الله- بقصف جوي، لكنهم حاليا لا يمكنهم اعتقال نواب من هناك، اللهم إلا بعمليات أمنية معقدة، فهل تعي حماس حقيقة الوضع في الضفة الغربية؟ طبعا هي تعي ولكنها –كما يبدو- تتعامل مع الأمر بمنطق دفع ضريبة الحفاظ على المبادئ والثوابت وتحمل الأذى والصبر على المكاره…إلخ؛ وأنا أحترم وأقدّر هذه الأفكار المثالية ولكنها وحدها لا تكفي، كما أن للشرع فيها حكم ولست أهلا للفتوى، ولكن اسألوا أهل الذكر.
ولكل من يصفق داعيا لإجراء الانتخابات: هل لك أن تضمن ألا يقوم الاحتلال بتخريبها قبل أو أثناء أو بعيد إجرائها كما فعل عام 1976م ثم كرر فعلته بعد ثلاثين عام 2006م وما زال يواصل حملته؟
ولم تسمح سلطات الاحتلال لأي نائب إسلامي من غزة بالمجيء إلى الضفة، ومنعت نواب الضفة الإسلاميين من السفر، وهذه سياسة احتلالية لن تتغير مستقبلا، أي أنه لا يمكن عقد أي جلسة برلمانية تضم كافة النواب إلا عبر الفيديو كونفرنس، من الآن وحتى التحرير، أو حتى رضوخ حماس لاشتراطات الكيان لا قدر الله!
(6) لا وجود لضمانات
القيادي في حركة فتح د.سفيان أبو زايدة كتب منذ أيام مقالابعنوان « إسرائيل و المصالحة.. خياراتهم و خياراتنا» تحدث فيه عن موضوع الانتخابات والهيمنة الإسرائيلية على الضفة الغربية وأنها لن تـقبل بإجراء الانتخابات إلا بعد الخضوع لاشتراطاتها، لأن الظرف الحالي مختلف بل معاكس للوضع عامي 1996و 2006م، وكلام د.سفيان جاء في سياق أكاديمي وتحليل سياسي فاصلا بين انتمائه السياسي وتحليله ورؤيته، والحق أن الرجل انفرد بهذا التحليل مخالفا آخرين من حركة فتح أو اليسار وبعض من يصنفون كمستقلين والذين يعتبرون أن الانتخابات، والانتخابات فقط، هي إكسير حياة الشعب الفلسطيني ومفتاح الحل لجميع المشكلات والحل السحري الذي سيمحو كل العقبات!
وأتوقع أن إسرائيل ستعتقل أو حتى تبعد مرشحي حركة فتح عن مدينة القدس، عوضا عن مرشحين مفترضين لحماس ومن يساعدهم، فقد بات تهويد المدينة ومحاصرة أهلها سياسة محسومة لدى المستويين السياسي والأمني في الكيان.
أما من يتوهم وجود ضمانات من الخارج فلا أدري هل يقصد ضمانات مصرية أم أمريكية أم أوروبية أم برازيلية أم هندية؟ولقد اعتادت إسرائيل على التصرف وفق مصالحها الأمنية الممزوجة بغطرسة وتعال وصلف ولا تأبه لهذه الضغوطات أو الضمانات المفترضة، ولنا في ما يتردد اليوم في وسائل الإعلام عن رفض حكومة الاحتلال تحويل أموال الضرائب للجانب الفلسطيني رغم طلب هيلاري كلينتون خير دليل على طريقة تعامل إسرائيل مع ما قد يسمى ضغوطا!
(7) أولويات المصالحة والانتخابات
هل يعني هذا ألا نحتكم إلى الشعب؟ وهل نخضع للابتزاز الإسرائيلي؟كيف نتصرف؟هل نقول لحماس اعترفي بإسرائيل أو اقبلي بشروط الرباعية وهي بنفس الصيغة؟أم من الأفضل أن نقول لحماس لا تدخلي الانتخابات مرة أخرى وكفاكم الله شر الملاحقة والاعتقالات؟
هذه خيارات غير منطقية بالتأكيد؛ والأوجب هو عدم«كبسلة» المصالحة في موضوع الانتخابات أو جعل الانتخابات سابقة للمصالحة أو حتى متوازية معها، فالمصالحة تشمل بنودا وقضايا عدة، منها ما هو سهل ومنها ما هو صعب، لكن ليس مستحيلا.
أما في مسألة الانتخابات وتمثيل شعبنا في مختلف مواقعه في الوطن والشتات فقد كتبت منذ سنين أثناء تفجر الأزمة أن الحل يكمن في انتخابات المجلس الوطني وهي مطروحة طبعا على أن تجري في الأماكن التي يمكن إجراؤها فيها وهي كثيرة.
ولكن قبل ذلك يجب إعادة ترتيب وبناء منظمة التحرير، وأن تشكل قيادة وطنية لها صلاحيات حقيقية، وهناك من يرغب في دخول المنظمة مع رفضه المشاركة في السلطة مثل الجهاد الإسلامي، وعليه فإن الشريحة التي تمثلها منظمة التحرير العتيدة بعد إعادة بنائها ستكون ممثلة لقطاعات أوسع لشعبنا جغرافيا وعدديا وفئويا، ويفضل قبل ذلك وضع معايير ومحدودات منها:-
1)تحديد العلاقة وبنصوص واضحة لا تقبل التأويل ولا تدخل فيها مستقبلا-بسبب عدم وضوحها- آراء فقهاء القانون بين السلطة والمنظمة من حيث المرجعية والوظائف وضمان عدم تداخلهما والأهم ضمان الفصل المالي والتمويل لكل منهما.
2)بناء على المحدد أو المعيار السابق يجب أن تكون المنظمة بعيدة عن القهر الجغرافي للاحتلال الإسرائيلي فإذا كان هذا غير متاح للسلطة بسبب الظرف الموضوعي المعلوم، فيجب أن ننأى بمنظمة التحرير عن الابتزاز الإسرائيلي بإعادة إحياء مقراتها في الخارج وتفعيل مؤسساتها في الدول الشقيقة والصديقة وأن نحاول جهدنا أن يكون المقر الرئيسي في إحدى الدول القريبة.
3)إذا كان كل عضو مجلس تشريعي منتخب عن الضفة أو غزة هو تلقائيا عضو مجلس وطني فيجب الاكتفاء بهذا التقاطع وعدم المزج بين موقع أو وظيفة أو حتى مهمة خاصة بالسلطة وأخرى خاصة بمنظمة التحرير.
إذا تحقق ما ورد أعلاه فعندها سيكون لدينا منظمة تحرير ممثلة لجميع أو لمعظم قطاعات شعبنا فاعلة ونشطة ومعها هامش مناورة بعيدا عن تدخلات الاحتلال المعروفة، وعندها يمكن ترتيب وضع السلطة ومؤسساتها لأن الاحتلال قد يتبع تكتيكا علينا استغلاله وعدم الوقوع في أفخاخه يقوم على محاولة اعتبار السلطة أهم من المنظمة وربما يرفع مضايقاته أو يخفف منها ويحد من القبضة العسكرية على الإجراءات المتعلقة بالسلطة مثل الانتخابات والمعاملات اليومية، فالاحتلال أمام منظمة قوية فاعلة بعيدة عن قبضته ستتغير أولوياته بلا شك….يتبع
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الخميس 28 ذي الحجة-1432هـ ، 24/11/2011م
من قلم:سري سمور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين