أحسنت (دولة الإمارات العربية المتحـــدة) صنعاً وأكدت وكرست حقيقة طبيعتها المحافظة المسالمة في تعاطيها مع الشأن الداخلـــي بالشكل الأبوي المعتاد وذلك بإصدار (الشيح خليفه بن زايد) رئيس الدولة العفو الرئاسي عن النشطاء الإماراتيين الخمسة الذين قضت محكمــــة إماراتــــية بسَجنهم لمدة تصـــل إلى ثلاث سنوات بتهــــمة ‘إهــانة رموز الدولة’ وهو أمرٌ ليس بغريـــب عن أخلاقيات وسلوكيات حكام الإمارات الهادئة والحضارية المستمدة من قيم الدين ووصايا مؤسس الدولة الإتحادية الأب ‘حكيم العرب’ (الشيخ زايد بد سلطان) والتي منها القرب والتقرب من الشعب وإليه وإنْ كان مثل هذا الأمر بدأ يجري بدرجات متفاوتة مؤخراً.
لقد كانت الخطوة إذن متوقعة في ضوء فهم العلاقة بين الشعب وحكامه بصرف النظر عن ما أُشيع من عملية ‘توزيع أدوار’ بين القضاء والرئاسة (إذ أن الفصل بين السلطات ليس واضحا) بمعنى أن القضية برمتها كان الهدف منها توصيل رسالة للنشطاء ولكل من يهمه الأمر ‘أن الحكومة قادرة على إيذاء – إنْ شاءت هي ذلك – كل من تسول له نفسه إنتقاد قرارات ولي الأمر حتى ولو لم ترْقَ إلى إهانة رموز الدولة وحتى لو تم ذلك في إطار التعبير عن الرأي’ من منطلق ‘أن الحكومة أدرى بمصلحة البــــلاد والعباد من سائر المواطنين’ وهو ما يميز غالبا أنظــــمة الحكم التقليدية والأوتوقراطية. وسواء كان تفسير كل من واقعة تهمة ‘الإهانة’ وتعريف مفهوم ‘رمزية رموز الدولة’ قانونيا وقضـــائيا، دقيقــــاً، أو أياًّ يكنِ الأمــــر فإن العفو الرئاسي قد نزع فتيل أزمة كان يمكن أن يكون لها تداعـــيات في المدى القريب أو البعيد، لا سيما أن القضــية تفجــــرت في شهر نيــسان/ابريل من هــــذا العام (تأثرا كما فُهم باندلاع الثورات الشعبية العربية مطالبة بالديمقراطية وإنهاء حكم الفرد والعائلة) بعريضة (حسب البي بي سي) خاطب فيها الدكتور (ناصر بن غيث) أستاذ فلسفة الإقتصاد (بجامعة السوربون بأبوظبي) وزملاء ناشطين آخرين من بينهم (أحمد منصور) رئيس الدولة بشكل هادئ بضرورة إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية في الدولة ومن بينها إصلاح (المجلس الوطني الإتحادي) وقيلَ يومئذٍ أن الحكومة تحسست من العريضة ومطالبها وأصحابها وتردد عن التحفظ على نشطاء أو سجنهم على ذمة التحقيق وعلى أي حالٍ آلت القضية الإماراتية كما يبدو إلى ما آلت إليه يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر من مخرجات إيجابية أثلجت النفوس بإزالتها الإحتقان الشعبي.
صحيح لو أن العريضـــــة قبل سبعة أشهر تم الــــرد عليها بشكل إيجابي ولم تتخذ من الإجراءات ما اتُّخذ لَما احتجنــــا إلى كل ما نقـــوله ولَما حدث ما حدث بَيْدَ أنه لا شك أن مبادءة (الشيخ خليفه بن زايــــد) ـ خارج إطار كل ما أُشيع عنها – قد أعادت إلى الأذهان حقيقة أن تفهم وتلمس حاجات الشعوب واحتياجاتهم المعنـــوية في الحرية والعــــدالة والمساواة وتحقيق وحفظ حقوق الإنسان والإحتياجات المادية في إتاحة بحبوحة العيش الكريم لجميع المواطنين بلا استثناء هي في مجملها أقل كلفة بكثير من دفع المواطنين إلى الإحتجاجات في الشارع والإنزلاق إلى الفوضى التي غالبا ما تُدخل الدول إلى أنفاق مظلمة وتعطل الإقتصاد بسبب توقف عجلة الإنتاج، مما يترتب عليه التخفيض الإئتماني لمؤسسات الدولة كالبنوك وغيرها، كما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية والبحرين والسعودية التي يُرجح أن الإحتجاجات ستتفاقم فيهما إذا لم تنتبه القيادتان إلى أن الحل الأمني ليس هو الحل ونقترح أن تُصغيَ لِما ذهب إليه أمير دولة قطر (الشيخ حمد بن خليفه آل ثاني) بأن على أنظمة الحكم أن تقوم بالإصلاحات التي يريدها الشعب لأنها البديل الأوحد للفوضى. فقد قامت الحكومة القطرية بإصلاحات تمثلت في زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين القطريين بنسبة ستين في المائة في الراتب الأساسي والعلاوة الإجتماعية.
وتنتشر أحاديث كثيــــرة بين القطريين في مجالســهم بقوة هذه الأيام أن تلك الإصلاحات مقدمة لإصلاحات قد تطال زيادة سقوف العلاوات كالسكن (أسوة بما تفعله الشركات شبه الحكومية مع الوافدين) والإجتماعية وتوفير رواتب للأطفال وربات البيوت القطريات وتسديد فواتير دراسة أبناء القطريين في المدارس الخاصة أسوة بما يفعله معظم القطاع الخاص والمؤسسات والشركات شبه الحكومية لأبناء الوافدين، وتحسين علاوات المتقاعدين ومنها منحهم علاوة سكن ونسبة زيادة سنوية في الراتب قد تصل إلى ثلاثة في المائة. والسبب أن الزيادة الأخيرة مع كل الشكر للحكومة ـ ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله ـ قد ابتلعها السوق والتضخم ذو النسبة العالية في البلاد.
‘ أكاديمي وكاتب قطري