مدد يا سيدي أبو سرير
عبدالجواد خفاجي
عرفنا في التراث الشعبي ” أمنا الغولة” و “الراجل أبو رجل مسلوخة” .. وكانا نموذجين مخيفين لنا ونحن أطفال ، حين تريد الأم منا أن ننام تخوِّفنا بأبي رجل مسلوخة، أما الجدة ـ رحمها الله ـ فكانت كثيرا ما تحكي لنا قصة “الشاطر حسن وأمنا الغولة” وكنا نخاف عندما تصف لنا الغولة بأنيابها البارزة وعينيها الحمراوين وشعرها الأسود المنفوش .
ولم نكن نعلم أن الزمن سيقودنا إلى نموذج مخيف آخر ظل يخوفنا ثلاثين عاما بأجهزته البوليسية القمعية ومحاكمه العسكرية ومباحث أمن دولته التي اكتشفنا أنها لم تكن أكثر من عزبة منهوبة تم تهريبها سرا إلى الخارج… ولم نكن نعلم أيضا أن هذا الذي يخيفنا هو مجرد رجل وهمي صنعناه بأيدينا ليخيفنا، ونفخناه حتى صار ضخماً، فكنا يده الذي يبطش بها، ورجله التي يدوس بها على أجسادنا، ولم نكن نعلم أن هذا الذي صنعناه سينتهي إلى (سرير) يحمله شابان مصريان لا حول لهما ولا قوة، إلى قاعة المحكمة جئية وذهابا، ليقول “تمام يا فندم .. أنا موجود” ثم يعود لينام قرير العين في أرقي مصحات مصر, يأكل ويشرب ويتعاطي العلاج بفلوس الشعب، في الوقت الذي نعرف فيه جميعا أنه مالك لعشرات المليارات المهربة في بنوك العالم.
لا أشك أن الرجل أبو سرير بملياراته وأسرته وحريمه ونظامه ومرتزقته وفلول حزبه الساقط المنحل، وأتباعه وأيتامه، وبلطجيته الذين ربَّاهم، قادرون جميعا ـ تحت سمع ونظر المجلس العسكري ـ على زعزعة أمن مصر واستقرارها. فلا مال الشعب عاد، ولا محاكمات حقيقة تمت، ولا أنشطة الفلول قُيدت، ولا شيء حقيقي حتى الآن لمسناه باتجاه القضاء على نظام الرجل أبو سرير.
ولدينا الدلائل : الثوار لا يزالون يُقتلون في ميدان التحرير والميادين الأخرى، والمحاكمات العسكرية تكون من نصيب الثوار الذين يحاكمون بمحاكمات عسكرية لمجرد: كتابة كلمتين على “الفيس بوك” ضد المجلس العسكري رضي الله عنه، في حين يُحاكم المخرب الأعظم لتاريخ مصر الحديث وبعض زبانيته المفسدين في محاكمات عادية أشبه بالمنتزه القضائي.
ومن الدلائل الأخرى الكثيرة أن الفلول استطاعوا التسلل إلى مجلس الشعب عن طريق المقاعد الفردية في الانتخابات التي تُجرى حالياً (خاصة في صعيد مصر المنفي)، دون أن يتبنى المجلس العسكري مطالب الثورة بشكل حقيقي ويعزل المفسدين السياسيين السابقين عن تكرار ممارسة نزواتهم القديمة، وبلطجيتهم السياسية التي تعيدنا إلى مربع مبارك البغيض مرة أخرى.
الحقيقة أن المتابع لأداء المجلس العسكري بعد ثورة 25 يناير، وحكومات السكرتارية التي عينها، يصاب بالحزن والأسف خاصة مع ارتفاع أسعار كل شيء وندرة بعض السلع والخدمات وتفشي البلطجة وانفلات الأمن ، وكأن المجلس العسكري لم يكن أكثر من أبي رجل مسلوخة، ذلك البعبع الذي يمتلك سلطة القبض على الثوار ومحاكمتهم في محاكمه العسكرية ، أو قتلهم في ميادين التحرير، وغير ذلك لم يكن يفعل أي شيء غير التخفي في ظلام لحظة انتقالية حرجة.. في الوقت الذي يمارس فيه الرجل أبو سرير كافة صلاحياته عن طريق فلوله وأتباعه وحريمه وملياراته في إفساد حياتنا الأمنية والسياسية.
والحقيقة أيضاً أن المجلس العسكري لم يترك وسيلة ـ حتى الآن ـ يؤكد بها أنه لا يزال ينهج فينا نفس نهج مبارك، ويتبع أساليب نظام مبارك الذي سلمه السلطة، وأنه مخلص لمبارك ونظامه الذي كان جزءاً منه أكثر من إخلاصه لقضايا بلده وثورة شعبه، وأنه قادر على قمع الشعب وثورته بنفس أساليب مبارك القمعية وقوانينه العسكرية والعرفيه، وأنه بنفس الكيفية التي كان عليها مبارك قادر على أن يعطي للشعب ومطالبه وقضاياه أذناً من طين وأخرى من عجين، وأنه مثل مبارك قادر على حشد الملايين في ميدان العباسية ليقولوا : “نعم للمجلس العسكري” وهلمجره من أساليب نظام مبارك .. لكن الخطوة الأهم في حياة المجلس العسكري التي فاته أن يفعلها حتى الآن هي أن يبني في أحد ميادين القاهرة مقاما لسيدنا مبارك ؛ ليطوف الشعب حول المقام في المواسم والأعياد مرددين : “مدد يا سيدي أبو سرير”.