لاقت العديد من المقالات التي كتبتها منذ اندلاع الفتن بليبيا وسوريا، انتقادات من جهات عدّة، لم يُعجبها دفاعي عن الشعبين الليبي والسوري، وذهب البعض إلى حدّ اتهامي بالعمالة، ومعاداة الديمقراطية وحرية الشعوب، وكنت بالمُقابل أزداد قناعة، بأنني أسير على الطريق الصحيح، وتأكّدت قناعاتي اليوم، لمّا انزلقت ليبيا نحو مستنقع الفوضى والإقتتال، بين من سمّوا أنفسهم ب”الثوار”، وبين فصائل منهم وبعض القبائل، وازدادت قناعتي، لمّا تظاهر أهالي مدينة بنغازي للمطالبة باستقالة “المجلس الوطني الإنتقالي”، بسبب التشكيلة الحكومية التي قالوا عنها أنها “أجنبية”، وتيقنت أكثر بأن ليبيا ذهبت ضحية مؤامرة خارجية محبوكة للغاية، عندما تأزّمت الأوضاع المعيشية فيها، وبدأ أعضاء الحكومة يتحجّجون بأنهم غير قادرين على مواجهة الأوضاع لأنّ الأموال الليبية لا تزال مجمّدة في الخارج، والغريب في كلّ ما وقع ويقع في ليبيا، التي قال حلف الناتو وعملائه من أمراء دُويلة قطر أنهم حرّروها، أن هذا الناتو والعديد من بلدانه الفاعلة، بدأوا يتحادثون مع البلدان المُجاورة لليبيا بشأن الأخطار الناجمة عن تهريب السلاح الليبي إلى دول الجوار، ويعرضون المساعدة على إيجاد الحلول لهذه الأزمة، والتي هي من صنعهم أصلا، إذن والحال كذلك، أين هي الحرية التي فاز بها الشعب الليبي؟ وأين هي العدالة والمساواة في الحقوق بين الليبيين، في زمن تُجمّد فيه دول العدوان أمواله، ويسرق فيه قادة “الثوار” ما يقع بين أيديهم، ويستقدم البعض خليلاته لينصب بعضهن في مواقع حساسة في هرم السلطة، وسأترفّع عن الخوض في التفاصيل، لأن ما يهمني في الحالة الليبية، هو أن الغرب، صدّر لها كذبة كبرى لليبيا، وأن الشعب الليبي هو من يدفع الثمن غاليا اليوم، واليوم يريدون منّا أن نُصدّق أكاذيبهم بشأن سوريا، التي صوّروا لنا أن 99 بالمائة من شعبها يريدون إسقاط نظام الرئيس الدكتور بشار الأسد، وقد جنّدوا لإيهامنا بكذبهم، نفس السيناريوهات التي جرّبوها في ليبيا، وبغبائهم، لم ينتبهوا إلى أن سوريا هي من تُصدّر العلم والعقل إلى إمارات الخليج وعلى رأسها دُويلة قطر، وحكامها من الجهلة، وهي من تُؤمن لسكان الإمارات الخليجية الأكل من خضار وفواكه ولحوم، وتُؤمن لهم الأساتذة والدكاترة، ولا ترضى لنفسها بأن يحكمها جاهل من أمثال الأمراء الجهلة، الذين وبحق، تحصّلوا على شهادة الدكتوراه في الإنبطاح للأمريكيين والصهاينة، والتآمر العرب والمسلمين، صراحة كنت أنتظر منذ أن بدأ الأعراب في إشعال فتيل الفتنة في ليبيا وسوريا، أن يتلظى الأعراب الجهلة بنيران تآمرهم، وكان أن تجلّى المشهد بوضوح غير مسبوق، بعدما إكتشف الأعراب أن سوريا عصية أكثر ممّا كانوا يتصوّرون، وأنّها هادئة إلى أقصى الحدود في تعاملها مع الأزمة ومُهندسيها، وأنها وهذا ما يُحسب لها، جعلت العربان وجامعتهم في أكبر مأزق منذ تأسيس هذه الجامعة، لأن سوريا أثبتت أنها لا تزال متمسكة بعروبتها، ودفاعها عن القضايا المصيرية للأمة العربية، بعكس العربان الذين ارتموا في أحضان أمريكا والصهاينة، فسوريا اليوم، كشفت حجم المُؤامرة ومهندسيها وبيادقتها، واستنهضت وهذا هو الأهم بالنسبة لنا، الروح العروبية لدى شعوبنا، والتي عمل المتآمرون على وأدها، فكيف يُعقل، وفلسطين الجريحة، تتعرّض لأكبر عملية تهويد تطال حتى الأقصى الشريف، ومعالمنا الإسلامية والمسيحية، وأكبر عملية استيطان منذ زرع الكيان الصهيوني في أرضنا العربية، والجامعة العربية لم تتحرّك بالشكل الذي تحرّكت به ضد ليبيا وسوريا؟ الجواب لا يحتاج لأي عناء ذهني، فالجامعة العربية، وبعد أن استأسد فيها فئران قطر والإمارات، وغُيّب فيها الدور السعودي والعراقي والجزائري واليمني ومُسخ فيها الدّور المصري، الذي كان حجر الأساس في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، وحُوّلت فيها سوريا من مُؤسس لهذه الجامعة ومدافع عنها، إلى كيان خارج عن شرعية الجامعة، وقُسّم في عهدها السودان، وبات رئيس جنوب السودان يزور إسرائيل، فهذه الجامعة برأيي، يتوجّب اليوم الإعلان عن شهادة وفاتها، والتفكير في الوقت نفسه في تأسيس إتحاد عربي، لا يكون فيه مكان لأمراء العمالة والمنبطحين للصهاينة والأمريكان، وأكثر من كلّ ذلك، أدعو العرب، إلى إعادة رسم الخريطة العربية من جديد في إطار هذا الإتحاد، بالشكل الذي يُعيد ما يُسمّى بقطر، إلى المملكة العربية السعودية، لضمان الأمن العربي، لأن الجرثومة القطرية، قادرة في حال بقائها، أن تُصيب أجزاء عديدة من الجسم العربي بالأمراض والعدوى، وفي الوقت نفسه، أنصح الدول العربية جمعاء، إلى إعادة حساباتها، بشأن ما يُسمّى بالصراع مع إيران، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية، هي شريكنا كعرب ومسلمين، تاريخيا وحضاريا، وهي أقرب إلينا من الصهاينة والأمريكيين ومن يجري في صفهم، وأكثر من كلّ ذلك، أقول أن المجموعة العربية، يتوجّب عليها أن تبدأ وبأقصر سرعة، في إعادة ترتيب أولويات التعاون مع الآخرين، حماية لمصالحها وأمنها، فأمريكا وأوروبا على أبواب الإفلاس، في حين أن هنالك قوى أخرى صاعدة تمتلك كلّ مقوّمات القوة، وإمكانيات التنمية، كالصين وروسيا، والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وغيرها من الدول التي بدأت تنمو وبشكل كبير للغاية، فهذه الدّول هي من يضمن التعاون معها تطوير عالمنا العربي، لأنّنا راهنّا ومنذ عقود على أمريكا والغرب، وفي النهاية وجدنا أن ثرواتنا بأيديهم، وحالنا ليس أفضل من حال أفقر الدول في العالم، لأننا كدول عربية من ننجح في تأمين حاجياتنا داخليا، وتحوّلنا إلى وعاء للإستهلاك وكفى، عكس بعض الدول كإيران على سبيل المثال التي مكّنتها قطيعتها مع الغرب وأمريكا من أن تتحوّل إلى قوّة يُحسب لها ألف حساب.
جمال الدين حبيبي