شئون فلسطينية:المقاومة الشعبية بين الواقع والممكن(1/5)
-الجزء الأول-
بقلم: سري سمور
((هذه –بعد مشيئة الله- سلسلة مقالات تتناول شأننا الفلسطيني، هي جهد المقلّ، ربما ستغضب البعض، وسترضي البعض، وسيتحفظ عليها البعض، ولست أدري – ولا يهمني- أي الفرق أكبر عددا، ولكن كإنسان ينتمي لهذا الشعب ويعشق أديم هذه الأرض أرى وجوبا علي طرح فكرتي لألقى الله بلا حمل يثقل صدري، وبلا مأثم نابع من سكوت أو تردد أو كتم علم…والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين))
يدور جدل ونقاش محمود وحالة أشبه بعصف فكري تشمل ساسة وكتبة ومراقبين ومراكز بحثية حول ماهية المقاومة التي ينبغي اللجوء إليها في هذه المرحلة أشعبية أم مسلحة أم مزيج من هذه وتلك أم غير ذلك، بل إن هذه الجزئية كانت حاضرة على طاولة المصالحة الداخلية.إلا أنه وفي ذكرى الانتفاضة الأولى(انتفاضة الحجارة)وجدنا من يحتفل بطريقة المدح حدّ الغزل مستخدما اسما حقيقيا أو مستعارا، ويستذكر تلك الانتفاضة بحنين وشوق وإعجاب..وهذا مندوب ومفهوم ومعلوم؛ إلا أن البعض وجد أن الشطر الثاني من أبيات قصائد المدح للانتفاضة الأولى يجب أن تكون هجاء مقذعا للانتفاضة الثانية(انتفاضة الأقصى)!
لقد أحال البعض -من خلال منشوراتهم المكتوبة- ذكرى الانتفاضة الأولى إلى منصة لإطلاق القذائف الهجومية على انتفاضة الأقصى بفجاجة وبعد عن الاتزان والطرح الموضوعي وأظهروا وكأن ثأرا بينهم وبين انتفاضة الأقصى وقد آن أوان إدراكه!
(1) لكل انتفاضة شأن
الانتفاضة الأولى أو الثانية أو مسيرة جهاد ونضال وكفاح وصمود شعبنا ليست-بأساليبها وتكتيكاتها-من التابوهات المقدسة التي لا يجوز نقدها وتبيان أين أصابت ونجحت للحفاظ على النجاح ومراكمته، وأين أخطأت أو تعثرت لتجنب تلك العثرات والأخطاء.
ولا يجوز الاستغراق السلبي في المدح أو الهجاء المطلقين وأن نلقي الكلام على عواهنه؛ فالانتفاضة الأولى لم تكن مثالية مطلقة-كما يصورها البعض-خالية من كل الشوائب، وعليه يجدر بنا تكرارها، فقد شابتها أخطاء كبيرة وصغيرة، وحتى لو فرضنا جدلا أنها كانت مثالية فإن لها ظروفها الموضوعية التي تختلف عن ظرف الانتفاضة الثانية وبالتأكيد عن ظرفنا الحالي.
فمثلا وفي تلك الانتفاضة تعرضت العملية التعليمية لخراب كبير، صحيح أن الاحتلال بإغلاقه المدارس كان صاحب التخريب، لكن نحن تعاملنا مع الخرق الذي أحدثه في الثوب بطريقة التوسعة لا الرتق!
وفي الانتفاضة الأولى استمرت طريقة الإضرابات التي لا فائدة منها وقد استنفذت أغراضها منذ الشهور الأولى، وفي الانتفاضة الأولى كان هناك خلل في التعامل مع ملف العملاء سواء بطريقة التحقيق العنيفة التي كان فيها ممارسات لا تجوز أو باللجوء إلى التوسع في القتل.وعلى ذكر العملاء فحتى اللحظة لم أر برنامجا منهجيا في مدارسنا وجامعاتنا ومؤسسات مجتمعنا المدني-وما أكثرها- للقضاء على هذه الظاهرة أو الحد منها مع أن هذا ممكن ومتاح ولدينا من لهم خبرة ودربة في هذا المجال.
فالانتفاضة الأولى ليست صورة مثالية مشرقة في كل جوانبها وحيثياتها ومراحلها؛ فلا مبرر لهؤلاء الذين يحقدون على الانتفاضة الثانية، بمقارنة سطحية مع الأولى، ويرمونها بكل قبيح من قبيل«خربت بيتنا..دمرتنا..كانت خطيئة وكارثة…هي فخ إسرائيلي…إلخ» خاصة بعد عسكرتها حسب قولهم!
إن الانتفاضة الثانية كان لها أخطاء بلا شك مثل ما عرف بالفلتان الأمني، وعدم المباعدة بين العمليات الاستشهادية مما جعل العدو يمتصها بسرعة، وعدم توفير مصادر رزق جديدة للطبقة الكبيرة المتضررة، وغير ذلك من الأخطاء، إلا أنها ليست شرّا مطلقا!
(2) رفقا بالأسرى وذوي الشهداء
إن من يشيطن الانتفاضة الثانية، وكعادتي أفترض حسن النية هنا، إنما يقول للأسرى -ومعظم الأسرى كمّا ونوعا اعتقلوا على نشاطهم في الانتفاضة الثانية- بلسان حاله:أنتم جلبتم ما أنتم فيه لأنفسكم، أنتم قارفتم خطيئة كبرى ولا فائدة من جهادكم!
أما الشهداء الذين نسأل الله أن يتقبلهم ويتغمدهم بواسع الرحمة والمغفرة ويشفعهم فينا، فإن الألم يصيب أهلهم وكأنهم يسمعون أن دماء الأبناء والأشقاء والأزواج والآباء إنما ذهبت هباء منثورا وما كان على الشهداء أن يخرجوا ويا حبذا ألّو اثّاقلوا إلى الأرض! فالرجاء الرفق بالعائلات المنكوبة والمكلومة وما أكثرها، واتباع أسلوب النقد البنّاء لانتفاضة الأقصى لا الإسراف في رميها بأبشع الأوصاف والتهم.
(3) نقد المسيرة
من الضروري نـقد مسيرة شعبنا الذي قاوم المشروع الصهيوني منذ سنة 1897م وحتى اللحظة بأساليب مختلفة محتفظا بهويته، ومتشبثا بأهداب ثـقافته، وتمسك المهجّرين والمشرّدين في المنافي القريبة والبعيدة بحقهم الذي لا يسقط بالتقادم في العودة إلى مدنهم وقراهم، ومن السخف نقد «النقد» واعتباره يشوّش ويربك ويحرف البوصلة، ما دام قائما على الموضوعية والتوازن وإبداء المحاسن والمثالب على حد سواء.إن الله سبحانه وتعالى أنزل بعد غزوة أحد آيات بينات تبين للمؤمنين خطأهم وتصقلهم وتربي نفوسهم رغم أن الدماء لم تجف والمآتم مفتوحة والجروح لم تندمل من مثل قوله جل وعلا:-
}وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ{(آل عمران 152)
}أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{(آل عمران 165)
فلا حرج بعد كل مرحلة من مراجعة كل خطوة ودراسة كل حركة، وعدم التأجيل والتسويف.
ولا شك أن الأدب والأدباء ربما كانوا سبّاقين في هذه المسألة، فقصص غسان كنفاني مثلا كان فيها تمجيد للثوار والمقاتلين، وأيضا نـقد ووصف لطبقات المجتمع المختلفة، فهناك من يقاوم وهناك من هو صامت وهناك من يخون، إلا أن الصخب وشعارات من قبيل«لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» أبقت مثل هذه الأعمال في دائرة نصوص أدبية وحسب؛ فالجو الذي ساد قبل نكسة 1967م وبعدها لم يساعد على انتقال النص الأدبي إلى مداولات جدية ومراجعات يتقرر على أثرها جواب السؤال:إلى أين؟!
أما وليد سيف في التغريبة الفلسطينية فلم يبتعد عن كنفاني في رسم صورة بانورامية للحالة الفلسطينية التي يتآمر عليها الأعداء، وفي أفرادها خونه ومرتكبو أفعال قبيحة وانتهازيون وسلبيون، وهم قلة بالتأكيد، مثلما فيها مقاومون يضحون بالغالي والنفيس وشرفاء وأحرار.
وحاليا أرى أن ما كان مقتصرا على الأدب قد انتقل إلى السياسيين والمتابعين وهي ظاهرة صحية؛ وقبل مدة قصيرة قرأت مقالا لكاتب يقول بأنه نـبّه بعض المتضامين العرب القادمين إلى قطاع غزة بأننا لسنا ملائكة وأن فينا عيوبا وأن وأن… وقد تـلقى منهم إجابات طيبة مطمئنة ومشجعة، ولكن الفكرة أنه أوصل لهم أننا كباقي البشر.
(4) نحن والنظم العربية
لا أبالغ إذا قلت بأن لنا مظلومية لدى النظم العربية، خاصة البائد منها؛ فحين تطلعك الأخبار على مطالبة إسرائيلية باستعادة مبلغ 300 مليون دولار تلقتها سوزان مبارك بهدف تغيير المناهج التعليمية المصرية بما يتوافق مع الرغبة الإسرائيلية وحذف آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأحداث تاريخية ترى إسرائيل أنها هجومية تجاهها!
هذه ليست فضيحة كما يحلو لوسائل الإعلام تسميتها بل هي كارثة، فلم يكتف النظام البائد بتوقيع كامب ديفيد التي جرّت مصر ولاحقا مجمل العرب نحو سراب السلام المزعوم، وجعلت إسرائيل تعربد في أجواء بغداد وتجتاح بيروت وتقصف تونس وتستفرد بالفلسطينيين، بل سعى النظام إلى تعميم وتثبيت حالة الخنوع والعجز والذل والهوان على الأجيال التي يمكن أن تغير من الظرف الذي تحجج به ليفعل ما فعل.
ولا ننسى الجدار الفولاذي والحصار، إلا أن الأخبث كان قبل أيام من اندلاع ثورة 25 كانون ثاني/يناير المجيدة حيث أرادت داخلية العادلي (وما أبعده عن العدل) لصق تهمة تـفجير كنيسة القديسين بفلسطينيين حتى يبرروا ما كانوا يبيّتونه من تشديد حصار أهل غزة من جهة، وتشويه الفلسطيني وإظهاره كدموي يقتل الناس لمجرد انتمائهم الديني وعلى أرض ليست له، ولكن الله سلّم!
والحديث يطول عن استخدام فلسطين وقضيتها للمساومة والاستبداد بالشعوب، وعلى ذكر النظم البائدة فكل يوم يتكشف جزء من علاقة بن علي بالموساد وشبهات حول دوره في تسهيل اغتيال خليل الوزير(أبو جهاد)، أما القذافي فتاريخه حافل ولا ننسى ملف اغتيال د.فتحي الشقاقي…ولو عدنا إلى الوراء لرأينا أن ثورة 1936م كادت تؤتي أكلها ووضعت الانتداب وخطط الاستيطان اليهودي في أرضنا في مأزق كبير، بل بدأت هجرة عكسية لهم، إلا أن النظم العربية لثقتها بحكومة صاحبة الجلالة في لندن أجهضت تلك الثورة العارمة!
وفي ظل ضعف النظم أو عجزها أو تواطؤها أو اختلافاتها أو لا مبالاتها انتزعت عصابات الهاجاناة وشتيرن منا ثلاثة أرباع الأرض الفلسطينية وهي التي تشمل المناطق الأكثر جمالا وخصبا وتطورا، وروى لنا الكبار كيف أن بعض جيوش العرب كانت تجمع السلاح القليل من السكان، وبعضها كان ينصح السكان بالجلاء عن بيوتهم بحجة رغبة تلك القوات في التصدي لليهود…مع أن الأمر لا يخلو من بطولات لبعض الوحدات التابعة لتلك الجيوش، إلا أن الصورة العامة كانت بائسة، والنتيجة هزيمة نكراء، والآن ورغم كل المعيقات نرى نظاما عربيا جديدا يتشكّل، ونأمل أن تكتب في صفحات تاريخه عبارات جديدة تخص قضيتنا مناقضة للهزيمة أو التآمر أو الخذلان أو الكذب والغش….يتبع
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
الجمعة 20 محرم الحرام-1433هـ ، 16/12/2011م
من قلم:سري سمور(أبو نصر الدين)-جنين-أم الشوف/حيفا-فلسطين