إذا كان موقف حزب البعث العربي الاشتراكي.. حزب صدام حسين المؤيد لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا صائباً، فهذا يعني في ذات اللحظة أن مواقف الرئيس الشهيد لم تكن صائبة البتة..!
نوجه هذا الكلام لحزب صدام حسين، متسائلين في ذات الآن: لمن كان سينحاز صدام حسين، لو كان لا يزال على قيد الحياة.. للشعب العربي في سوريا، أم لنظام الحكم الأتوقراطي فيها؟
وهل كان نظام صدام حسين ديموقراطياً..؟
قد يقذف أحدهم بمثل هذا السؤال في وجهنا..؟
نؤكد: لا.. لم يكن نظام صدام حسين ديموقراطياً البتة.. بل كان نظاماً أتوقراطياً بإمتياز، غير أن الرئيس الشهيد كان يمتلك برنامجاً قومياً، يغلب مصالح الأمة العربية، وفي المقدمة منها القضية الفلسطينية على كل ما عدا ذلك.
البرنامج القومي لصدام حسين، يكفي أن نشير في معرض الدلالة عليه إلى ثلاثة مواقف مميزة:
الموقف الأول: ارساله مساعدات عسكرية إلى موريتانيا للدفاع عن عروبة هذا القطر الفقير على شاطئ المحيط الأطلسي، بمواجهة مخططات ومؤامرات الأفرقة، على حساب عروبة موريتانيا.
الموقف الثاني: تقديمه منحا مالية سخية لمصر أنور السادات، حين كانت القاهرة تقود معسكر التفريط، وكانت بغداد تقود معسكر الرفض، وذلك على قاعدة أن تصليب الموقف السياسي المصري يستدعي تصليب الإقتصاد المصري.
الموقف الثالث: هتافه التاريخي لفلسطين وهو يقتحم حبل مشنقة الإحتلال وعملاء الاحتلال.
في تلك اللحظة الفاصلة بين الحياة والموت، قدم صدام حسين فلسطين على روحه وحياته، مانحاً اياها كل اهتمام اللحظة الأخيرة.
دعونا نحدد الآن النقاط والمسائل والقضايا الخلافية الرئيسية بين الرئيس الشهيد، ونظامي الحكم في كل من سوريا وليبيا، مبتدئين بالخلاف مع النظام السوري.
الخلاف الأول: مع نظام حافظ الأسد تمثل في رفض صدام حسين الإنقلاب على الشرعية الحزبية.
لقد رفض صدام حسين منذ مطلع شبابه مبدأ الإنقلاب على شرعية الحزب ممثلاً في انقلاب 23 شباط/ فبراير 1966.
الخلاف الثاني: نظن أن موقف صدام حسين، مع مراعاة الفارق، كان هو ذاته حين انقلب حافظ الأسد على المؤتمر القومي لجناح الحزب الآخر في هذه المرة يوم 13تشرين ثاني/ نوفمبر 1970، واعتقل معظم اعضاء القيادة القومية لجناح 23 شباط/ فبراير، ومعظم اعضاء المؤتمر.
الخلاف الثالث: رفض الشهيد صدام حسين تحالف حافظ الأسد مع أنور السادات، وهو على كل حال التحالف الذي فرطه تخلي السادات عن الجيش السوري في عز المعركة، حين أوقف اطلاق النار دون حتى التشاور مع القيادة السورية، تاركاً الجيش السوري يواجهه الآلة العسكرية الإسرائيلية منفرداً..!
يومها، تصرف عراق البكر ـ صدام بمسؤولية قومية، مرسلاً جيشه إلى الجولان بهدف حماية دمشق، وتحرير الهضبة السورية المحتلة.
حتى لا يقال أن الجيش العراقي هو الذي حرر الجولان، سارع حافظ الأسد يومها إلى اعلان وقف اطلاق النار، فور اكتمال تحشد القوات العراقية، استعدادا لشن هجوم مضاد كاسح.
في لحظة مفصلية من هذا الطراز، وجد الرئيس السوري متسعاً من الوقت يمارس فيه ترف تغليب الحسابات الذاتية على الحسابات الوطنية والقومية.. قرر أن لا يمنح الجيش العراقي شرف تحرير الجولان..!
قبل ذلك، كان الأسد الأب مارس، لذات الحسابات، ترف اسقاط الجيش العراقي من حسابات المعركة، حين جرى التخطيط لها..!
لو كان العراق أشرك في حرب 1973 لما كانت نهايات تلك المعركة على النحو الذي آلت إليه. لكن السادات ـ الأسد استبعدا العراق، تخففاً من شعار التحرير لصالح شعار التحريك، الذي دفعت ثمنه سوريا في نهاية المطاف..!
الخلاف الرابع: الموقف من الحرب اللبنانية ومؤامرة تصفية الثورة الفلسطينية في لبنان. لقد انحاز النظام السوري إلى جانب القوى الإنعزالية في لبنان، في حين انحاز نظام صدام حسين إلى جانب قوى الثورة الفلسطينية، والقوى التقدمية في لبنان.
ولم تنسَ الذاكرة العربية حتى الآن، كيف دكت المدفعية والصواريخ السورية مخيم تل الزعتر حتى ارغموا سكانه على الإستسلام، وذلك في إطار التحالف مع القوى الإنعزالية.
عراق صدام حسين وقف لاحقا كذلك، وبعد الغزو الإسرائيلي للبنان، ضد حرب المخيمات التي حركتها دمشق في الثمانينيات، ونفذتها حركة أمل على المخيمات الفلسطينية في لبنان.
الخلاف الخامس: محاربة النظام السوري للجنرال ميشيل عون، ودعم العراق للجنرال العروبي، الذي أعاد اشقاءنا مسيحيي لبنان إلى عروبتهم، وأصبح ممثلاً للقطاع الأكبر منهم، ولم يقابل مواقف النظام السوري السلبية، بسلبية مقابلة.
الخلاف السادس: انحياز النظام السوري إلى جانب ايران طوال سنوات الحرب الثمان مع العراق.
من قرأ نص مقابلة حافظ الأسد مع صحيفة “الرأي العام” الكويتية في حينه أدرك أن الأسد جعل ايران تقاتل وتحارب العراق نيابة عنه..!
أبدى الأسد في ذلك اللقاء استعداده لإقناع الخميني بوقف الحرب إن استأنف صدام حسين العمل بميثاق العمل القومي مع سوريا لعام 1979..!
ماذا يعني ذلك؟!
إنه يعني الزام صدام حسين بتنصيب حافظ الأسد رئيساً لدولة الإتحاد السوري العراقي، حيث كان ذلك الميثاق ينص على تولي صدام حسين قيادة حزب البعث في البلدين، بعد أن يتم توحيدهما.
هل كانت هنالك ضمانات بأن لا ينقلب الأسد على الحزب مرة أخرى..؟!
لم يكتف الأسد يومها بتحريض ايران على مواصلة الحرب على العراق، لكنه مارس كذلك ضغوطاً أمنية على دول الخليج العربي، عبر تفجيرات ومحاولات اغتيال، كان الهدف منها وقف دعم هذه الدول المالي للعراق.
الخلاف السابع: ارسال النظام السوري قواته لتحارب الجيش العراقي في الكويت، تحت القيادة العسكرية الأميركية المباشرة سنة 1990/ 1991..!
في ذلك الوقت عمل بعض العرب على تغليب الحل العربي للأزمة، وكان النظام السوري اختار أن يكون جزءاً من الحل الدولي بقيادة اميركا..!!
الخلاف الثامن: تحالف النظام السوري مع حكومة الإحتلال الأميركي في العراق.
عراق الإحتلال ولبنان فقط رفضا العقوبات العربية بحق النظام، بهدف ارغامه على وقف التنكيل بالشعب السوري.
الخلاف التاسع: احتضان كل نظام لخصوم النظام الآخر..
النظام السوري فتح أبواب سوريا أمام قادة حزب الدعوة، الذي يقوده الآن نوري المالكي، وكذلك أمام الأحزاب الكردية العراقية.
جلال الطالباني، رئيس العراق الحالي، ونوري المالكي رئيس الوزراء، حليفا اميركا حتى اللحظة الراهنة، كانا لاجئين سياسيين في دمشق..!
وفي المقابل، كان قادة التحالف الوطني للمعارضة السورية، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين، لاجؤون في بغداد.
حلفاء أميركا لجأوا إلى دمشق..
وخصوم النظام السوري لجأوا إلى العدو الأول لأميركا في العالم العربي..!
الخلاف العاشر: امتناع النظام السوري عن اتخاذ أي موقف عملي إلى جانب العراق ضد مخططات غزوه واحتلاله.
الخلاف الحادي عشر: انخراط النظام السوري في العملية السياسية التسووية مع اسرائيل، وامتناع العراق عن فعل ذلك، بل تمويله رغم الحصار الخارق، المقاومة الفلسطينية، ورعايته لأسر منفذي العمليات الاستشهادية ضد المحتلين الصهاينة.
الخلاف الثاني عشر: تحالف النظام السوري مع ايران منذ 1979 وحتى الآن، وهو تحالف أظهرت الأسطر السابقة أنه لم يكن لصالح الأمة العربية بدليل تأييد ايران والنظام السوري لقوات التحالف الثلاثيني ضد العراق سنة 1991، ومشاركة ايران في تسهيل العمليات العسكرية الأميركية لاحتلال العراق سنة 2003..!
الخلاف الثالث عشر: تحالف النظامين السوري والإيراني مع نظام الإحتلال الأميركي للعراق.
هل نعدد المزيد من مواقف وسياسات نظام الحكم السوري ضد العراق، وحزب الشهيد صدام حسين..؟!!
لكل ما سبق، وجدنا الرئيس الشهيد يؤكد في لقاءاته مع محاميه المناضل خليل الدليمي، على ضرورة التيقظ وعدم الثقة مطلقاً في نظام الحكم الإيراني الذي تسبب وحليفه نظام الحكم السوري، بكل الويلات التي ألمت بالعراق منذ 1979، وحتى الآن.
هل يعمل البعثيون الآن بموجب وصية الرئيس الشهيد صدام حسين..؟!
لماذا انقلب البعثيون على وصية الرئيس الشهيد..؟!
لا يجدون ما يقولونه غير أنهم باصطفافهم إلى جانب نظام الحكم السوري، إنما هم ينحازون إلى نظام عربي قومي، ضد المشروع الإسلامي..!!
ماذا كنتم أنتم إذاً في العراق..؟
هل كنتم شيئاً غير هذا..؟!
ولئن كان الإخوان المسلمون في سوريا أعداء للعروبة والقومية، فلم تم احتضانهم في العراق طوال عهد الرئيس الشهيد..؟!
لقد تم اختيار المنزل الذي أسكن فيه المرحوم عدنان سعد الدين، المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، في بغداد، بين منزلي المرحوم الأستاذ ميشيل عفلق، القائد المؤسس للحزب، والأستاذ شبلي العيسمي.. نائب الأمين العام للحزب، أحد المؤسسين الأوائل.
هل تعرفون أيها الرفاق أين هو الأستاذ العيسمي الآن..؟!
إنه في سجون النظام السوري، بعد أن تم اختطافه، وهو الرجل التسعيني، من بلدة عالية اللبنانبة في 23 أيار/ مايو الماضي..!
ورغم كل ذلك، هل من مؤامرة اميركية تستهدف النظام السوري في الوقت الراهن..؟
ومن هم أطراف هذه المؤامرة..؟
من حيث المبدأ، وعلى فرض وجود مؤامرة، فإن أي مؤامرة، شأنها شأن أي حدث، لا يمكن أن يتم دون توافر الظروف الذاتية والموضوعية لحدوثه.
الظروف في سوريا مهيئة تماماً لحدوث ثورة شعبية، بدليل حدوثها فعلاً..!
بقي أن نتساءل هل من دور اميركي، أو لحلف الناتو في هذه الثورة..؟
الموقف المعلن للولايات المتحدة الأميركية، كما لحلف الناتو هو رفض التدخل العسكري في سوريا..!
أكثر من ذلك، اسرائيل.. تعلن عبر وسائل اعلامها، وتصريحات كبار مسؤوليها داخل الغرف المغلقة، وخاصة في ورشات العصف الذهني، أنها مع بقاء النظام السوري لأنها تخشى وصول بديل اسلامي..!
البديل الإسلامي في سوريا يعني أمران بالغا الخطورة من وجهة نظر المصلحة الإسرائيلية ـ الأميركية المشتركة:
أولاً: فتح الجبهة السورية على اسرائيل أمام عمليات المقاومة الشعبية.
ثانياً: اكتمال بناء فكي كماشة اسلامية حول الدولة اليهودية.
ألم تمثل الوحدة السورية المصرية سنة 1958 كماشة قومية عربية حول اسرائيل..؟!
في هذه المرة ستكون الكماشة اسلامية..!
ها هم الإخوان المسلمون والسلفيون حققوا فوزاً كبيراً في الإنتخابات المصرية.. وهم مؤهلون لأن يكونوا طرفاً رئيساً في نظام الحكم المقبل في سوريا، فضلاً عن أنهم يفرضون سيطرتهم على قطاع غزة، ويشكلون القوة الأساس في المعارضة الأردنية.
هل يستطيع حزب الله أن يرفض اكمال الحلقة المحكمة حول اسرائيل في هذه الحالة، على قاعدة مذهبية..؟!
لا يتصور عاقل هذا..
أغرب ما في أمر الرفاق في حزب الشهيد صدام حسين، ليس فقط أنهم ينسون ويتجاهلون أن صدام حسين كان يحتضن الإخوان المسلمين السوريين في قلب بغداد، ويوفر لهم اذاعة تخاطب الشعب السوري بإسم المعارضة السورية، وأنه تبنى منذ 1991 الحملة الإيمانية، التي كانت أحد مقومات التحالف مع الإخوان السوريين، وإنما كذلك أنهم يؤازرون نظام بشار الأسد ضد الإسلاميين، قافزين من فوق حقيقتين ساطعتين:
الحقيقة الأولى: أن القوى القومية في سوريا شريك أساسي في الثورة الشعبية إلى جانب الإخوان المسلمين.
الحقيقة الثانية: أنهم في وقوفهم إلى جانب النظام القمعي في سوريا، باعتباره يمثل الحاضنة القومية للمقاومة الفلسطينية، يتجاهلون أن هذه المقاومة تتمثل اساساً في حركة “حماس” التي تمثل الإخوان المسلمين في فلسطين، وحركة الجهاد الإسلامي، التي خرج قادتها المؤسسون من رحم جماعة الإخوان المسلمين..!
فلم يكون مقبولاً أن تكون المقاومة اسلامية، ويرفض أن تكون الحاضنة اسلامية أيضاً..؟!
أقول قولي هذا مؤكداً على امرين اساسيين:
الأول: أنني لست اسلامياً ولن أكون.
الثاني: تمسكي التام بحق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار حكامهم.
والشعوب تختار من يختارها..
بقي القول أن سبب كتابة هذا المقال هو اللغة المقيتة التي يناقشك بها رفاق صدام حسين في معرض دفاعهم عن عدو صدام حسين..!!