أرشيف - غير مصنف

الثورات العربية هزمت المثقفين

لا يمكن المجازفة بالحكم على ثورات الربيع العربي بالسلب والإيجاب إلا بعد مرور فترة من الزمن ومن السنوات التي لن تكون قليلة العدد حتى تصبح الرؤية أكثر وضوحا والحكم أكثر إنصافا وأن ما يبشر به بعض النخب الثقافية والسياسية المنهزمة من خيبة أمل أو توصيف أنها ثورات الخريف أو الشتاء العربي ما هي إلا تعبير عن ضيق الأفق وضبابية الرؤية لبعض المثقفين الذين'لم يفهموا ولم يستوعبوا بعد الحراك الثوري الشعبي العربي الذي انطلق أواخر سنة 2010 من مدينة سيدي بوزيد العربية التونسية.

إن بعض المثقفين العرب كان عليهم أن يتصدوا ويكشفوا التحديات الجسيمة والعوائق المنهجية التي تعترض هذه الثورات الفتية وتهددها بالإنحراف عن مسارها التحرري بدل البكاء على أطلال نظم ديكتاتورية دموية آفلة أهلكت الحرث والنسل.

لقد ساءني كثيرا حديث بعض المحسوبين على الفكر وعلى الثقافة العربية عن تحول الربيع العربي إلى شتاء أو خريف عربي وإمعانهم في التنظير لدور صهيوني محتمل في هذه الثورات وهم بذلك أظهروا جهلا كبيرا بطبيعة الصهيونية العالمية وأستهزأوا بوعي وإدراك الشعوب العربية وكأن زين العابدين بن علي أو حسني مبارك أو القذافي كانوا يخططون لتحرير فلسطين وفتح بيت المقدس.

 

ويأتي تحدي الإختراق الصهيوني في مقدمة التحديات التي تهدد مسارات الثورة العربية فقد ذكرت صحيفة 'هآارتس' الناطقة بالعبرية ان جهاز الاستخبارات العسكرية الصهيونية 'أمان' كثف من نشاطاته التجسسية وأنشأ وحدة لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة الخاصة بالعرب لرصد ما يدور فيها من نقاشات حول الكيان الصهيوني. وأشارت الصحيفة إلى أن الاستخبارات العسكرية استعانت بوحدة تعمل في مجال التجسس الإلكتروني لرصد توجهات العالم العربي تجاه الكيان الصهيوني خاصة إثر توالي الثورات العربية.كما أشارت أيضا إلى أن الاستخبارات الصهيونية تراقب الرسائل العربية المعادية للكيان الصهيوني في الـ'فيسبوك' و'تويتر'، وتسعى لمواجهتها بالتعاون مع مصادر خارجية غير رسمية.وهذه التحركات الاستخباراتية تهدف للتأثير على مسارات الثورة ومحاولة إختراقها لتأجيرها لصالح الصهيونية العالمية.

µ

إن الشعب التونسي ما زال يصارع ويكابد في بقايا النظام الساقط ولم يتوج بعد ثورته ومازال يواجهه بعزيمة وذكاء القوى المضادة للثورة المتحالفة ضمنا أو صراحة مع الصهيونية العالمية فمرة ينتصر ويحقق مكاسب ومرة أخرى يرتد ويتراجع وتلك سنن تاريخ الثورات.

 

إن المسار الثوري ما زال في بدايته إن لم نقل أنه مازال في بداية البدايات وذلك سواءا كان في تونس أو في بقية دول الربيع العربي ولكن الشيء الأكيد والثابت أن قضية فلسطين على عكس ما يعتقد البعض.

ما زالت تمثل القلب النابض لكل الثورات العربية الحقيقية فكما أن التوحيد وتحطيم أصنام العبودية هو أول بند من بنود الاسلام لا يتحقق الإيمان بدونه ففلسطين هي أول بند من بنود ثورات الحرية والكرامة فهي منتهاها ومبتغاها رغم شدة الهجمة وتكالب الأعداء ولا حديث ذو معنى عن ثورات عربية حقيقية بدون بوصلة تكون فيها فلسطين في أعلى سلم الأولويات.

 

وإن بوصلة فلسطين التي عنها نتحدث لا تعني البتة تكوين جيوش جرارة والإنقضاض على العدو بدون أخذ بالأسباب كما يفهم من ذلك بعض السذج والمغفلين أو المتاجرين بالقضية وما أكثرهم بل تمر البوصلة حتما عبر تحرير الذات من الخوف والشعور المرضي بالعجز وبكسر الصنمية وإطلاق الحريات المسلوبة داخل الجسد والفكر العربي والمسلم وهو ما بدأته الثورة التونسية ونسجت على منوالها دول عربية أخرى وستلحق بهم حتما شعوبا أخرى .
وإن غدا لناظره قريب 

الأستاذ عادل السمعلي
كاتب من تونس  

 

زر الذهاب إلى الأعلى