أرشيف - غير مصنف
واشنطن بوست: حملة لحشد التأييد لحل الدولتين
أعلن البيت الأبيض أن الرئيس أوباما لن يحمل معه مبادرة سلام في رحلته القادمة إلى إسرائيل والضفة الغربية مما يعزز الإحساس بأنه يرى الزيارة فرصة لإعادة ترتيب العلاقات مع الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني في بداية فترة ولايته الثانية.
هناك، بطبيعة الحال، قيمة كبيرة تنشأ عن تعزيز الدعم الشعبي للعلاقات بين الحكومات. ويصعب توقع حدوث أي انفراجة بين القادة الإسرائيليين والفلسطينيين طالما أن الجمهور على كلا الجانبين متشكك جداً من ذلك التقدم.
ومع ذلك لو ركز البيت الأبيض على الشعب، وليس الحكومات فقط، وأشار إلى التصريحات الهامة التي صدرت عن القادة من الجانبيين، فقد يترتب على ذلك إحراز تقدم حقيقي.
ولا تزال هناك أغلبيات – وإن كانت متقلصة – تدعم حل الدولتين. غير أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن كلا الجانبين مقتنع بأن الجانب الآخر لا يقبل بحل الدولتين.
وفي ضوء تجنب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس المجازفة والمخاطرة، فإن الدعم من دوائرهم ذات الصلة فقط هو الذي سيغير حسابات الربح والخسارة عندما يتعلق الأمر بتقديم تنازلات. ومن المفارقات، أن هذه الاتجاهات العامة التي تغل يد القادة غالباً ما تكون ناجمة عن الرسائل السلبية التي يبعثها هؤلاء القادة.
ومع ذلك، فعلى الرغم ما بينهما من اختلافات، إلا أن نتنياهو وعباس قدما تصريحات علانية هامة حول بعض القضايا الجوهرية السنوات الأخيرة.
ففي خطابه أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأمريكي في 2011، على سبيل المثال، صرح نتنياهو قائلاً "إننا نسعى لسلام…لا يكون فيه [الفلسطينيون] رعايا أو مواطنين لدولة إسرائيل. يجب أن يحظوا بحياة وطنية ملؤها الكرامة والحرية، كشعب مستقل قادر على البقاء يعيش داخل دولته".
كما صرح عباس علانية في حزيران/يونيو 2010 قائلاً: "لا ينكر أحد تاريخ اليهود في الشرق الأوسط. فثلث القرآن الكريم يتحدث عن اليهود في الشرق الأوسط، في هذه المنطقة. ولا ينكر أحد من جانبنا على الأقل أن اليهود كانوا في فلسطين، في الشرق الأوسط".
وفي وقت متأخر من ذاك العام، قال عباس "يمكننا أن نضع نهاية للصراع والمطالب التاريخية…عندما نبرم اتفاقاً ونوقِّع عليه، لن يُسمح لأحد من كلا الجانبين بالحديث عن مطالب تاريخية".
ولكن للأسف، غالباً ما يتم التغاضي عن العديد من تلك التصريحات الإيجابية أو تذهب طي النسيان، وذلك لأنها متفرقة وليست منسقة، بهدف تعظيم أثرها. ثم يتذكر الناس التصريحات الضارة لأحد الجانبين، متناسين تلك الإيجابية. كما أن طرفاً وحده لن يُقدم على إعطاء تصريحات سخية خشية التشهير به من قبل المتشددين التابعين لمعسكره، الذين يرون أن تلك الخطوات لن تكون متبادلة. وحتى يكون لتلك الرسائل الفاعلية المطلوبة، لا يجب تجزئتها أو تقديمها عَرضَاً، وإنما يجب أن تكون متكررة لتحقيق أكبر قدر من التأثير.
والسؤال إذن هو إن كان هؤلاء القادة يمتلكون الإرادة لبذل جهود متضافرة لتكرار مثل تلك التصريحات كجزء من مساع حميدة، حيث ستعزز التصريحات وتدعم بعضها البعض، بدلاً من أن تقوضها.
وتمثل التوجهات العامة أهمية خاصة لصنع السلام الآن بعد أن ذهب زمن الزعماء الكبار الذين فتحوا الطريق إلى السلام. فلم يعد هناك أنور السادات أو إسحاق رابين لحشد الأغلبية المعتدلة من الجمهور في كلا البلدين. لقد كانت هذه الأغلبيات في الماضي تسير على خطى زعمائها وتحذو حذوهم؛ لكن التشكك الشعبي والتشاؤم اليوم يحولان دون أن يلعب الزعماء دور القادة. فحدوث تغير في التوجهات العامة لن يكون بالأمر السهل، لكنه مطلب أساسي من أجل عمل سياسي حاسم.
إن التخوف الفلسطيني الرئيسي هو أن تمد إسرائيل حدودها حتى نهر الأردن، وبهذا ستضم إليها فعلياً الضفة الغربية وتطيل الاحتلال إلى مالا نهاية. ويشير الفلسطينيون إلى التوسع المستمر في المستوطنات كدليل على غياب الصدق من جانب إسرائيل في إرساء السلام. وهم يخشون ألا تُثمر عملية السلام سوى المزيد من العمليات، وألا تؤدي على الإطلاق إلى تحقيق السيادة الفلسطينية.
ويكمن التخوف الرئيسي لدى إسرائيل في أن السلطة الفلسطينية لن تقبل بالشرعية الأخلاقية لإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، يحظى جميع مواطنيها بحقوق متساوية. وهم يشيرون إلى تصريحات عباس بشأن القدس التي أثار فيها تساؤلات حول الروابط اليهودية التاريخية للمدينة. ففي آذار/مارس 2010 وفي خطاب له أمام [مؤتمر] قمة لجامعة الدول العربية، الذي تم بثه من قبل قناة الجزيرة، قال عباس "القدس ومحيطها أمانة أوكلها الله إلينا. وإنقاذها [القدس] من وحش المستوطنات وخطر التهويد ومصادرة [الأراضي] هي وصية شخصية [إسلامية] واجبة علينا جميعاً". ويرى الإسرائيليون أن هذه النقطة حيوية، لا سيما في ضوء التصوير السلبي لإسرائيل في الإعلام الفلسطيني وممانعة الجماعات المتطرفة مثل «حماس». كما أنهم يخشون من عدم رغبة الفلسطينيين في إنهاء الصراع.
وخلال زيارة الرئيس أوباما ينبغي عليه أن يصر على أن يؤكد كبار المسؤولين من كلا الجانبين علانية وبشكل متسق على المبادئ الأساسية للحد من المخاوف الأساسية لمواطني الطرف الآخر. كما يجب أن يوضح أن الولايات المتحدة تصغي وسوف تنتقد الرسائل السلبية.
ينبغي توضيح الفائدة التي ستعود على الطرفين من وراء هذا التوجه: فإذا كان أي منهما يرغب في الحصول على تصريح إيجابي مماثل من الطرف الآخر، فيجب عليه أن يقدم تصريحاً إيجابياً في المقام الأول. ويجب أن تكون تلك الرسائل الإيجابية غير غامضة ومتبادلة حتى يكتب لها الاستمرارية.
وعلى الرغم أنه من السهل أن يشعر المرء باليأس وفقدان الأمل جراء الجمود الحالي، إلا أن جذب اهتمام الجمهور المتشكك من كلا الجانبين أمر يمكن إنجازه – وضروري لإحراز أي تقدم.
ديفيد ماكوفسكي هو مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن. غيث العمري هو المدير التنفيذي لـ "فريق العمل الأمريكي من أجل فلسطين".




