أثارت الزيارة التي يؤديها موسى أبو مرزوق، القيادي في حركة حماس، لإيران وظهوره إلى جانب الرئيس الإيراني أحمدي نجاد انتباه المراقبين حول دلالاتها في ضوء ما ترسله الحركة من رسائل متناقضة في مُعظم الأحيان.
واعتبر نجاد، لدى استقباله "أبو مرزوق"، أن قضية تحرير القدس أصبحت هدفاً مشتركاً لكل المسلمين والشعوب التواقة إلى الحرية في العالم، وأنها "باتت قضية عقائدية ودينية… وحتى إذا لم ننظر للقضية الفلسطينية من منظور ديني فهي بلا شك قضية جوهرية ومصيرية للمنطقة والعالم بأسره".
يشار إلى أن حماس أقدمت على تغيير استراتيجيتها بالمرحلة الأخيرة، أي بعد وصول إخوان مصر إلى الحكم، حيث أغلقت مكاتبها في دمشق وتوزعت قياداتها في دول إقليمية محسوبة على خط الاعتدال، ومناهضة لما يسمى بخط الممانعة الذي تقف فيه طهران ودمشق وفصائل فلسطينية مثل "الجهاد" و"حزب الله" اللبناني.
وقال مراقبون، آنذاك، إن الحركة قررت أن تلتحق بحلف الاعتدال خاصة بعد الانفتاح الأميركي الإسرائيلي على الرئيس الإخواني محمد مرسي، وتمكينه من رعاية وقف إطلاق النار بين حماس والإسرائيليين في قضية الصواريخ التي تطلقها الفصائل على جنوب إسرائيل.
ولئن تكتمت حماس على تفاصيل الاتفاق، واكتفت بالقول إنه دليل على التبدل في موازين القوى لصالح المقاومة، فإن فصائل أخرى قالت إن حماس باعت المقاومة وقبضت الثمن، وهو الاعتراف الأميركي الإسرائيلي بها كقوة مستقبلية يتم التفاوض معها في ظل ضعف السلطة الفلسطينية.
وسربت الفصائل المعارضة لحماس تأكيدات أن حماس قررت مطاردة من يطلق الصواريخ، وتحويل المقاومة إلى فعل سياسي وشعبي، أي مثلما انتهت إليه فتح التي تتهمها حماس بالتخلي عن المقاومة.
لكن محللين استغربوا وجود "أبو مرزوق" في طهران فيما تم إغلاق مقرات حماس في المدن السورية وتم اعتبارها قد باعت نظام الأسد في سياق وعود إقليمية.
وقال هؤلاء إن وجود "أبو مرزوق" في طهران واستقباله على أعلى مستوى يحملان إشارة إلى أن حماس بدأت تراجع مواقفها على ضوء انتفاء الوعود والإغراءات الإقليمية لها للانخراط في عملية التفاوض.
وباستثناء زيارة لأمير قطر أطلق خلالها وعودا كبيرة بإعادة إعمار غزة لم يتحقق منها شيء يذكر إلى الآن، فإن الدعم العربي والأوروبي لحماس لم يبدأ بعدُ، وحتى السلطة الفلسطينية تعيش أوضاعا مالية خانقة.
وتقول مصادر مقربة من حماس إن قياداتها انخدعت بالتطمينات والوعود والانفتاح الغربي غير المسبوق، ودخلت لعبة الترضيات الإقليمية لكنها لم تغنم شيئا سوى بداية تململ داخلي خاصة من الخط المتشدد الذي يقوده وزير الخارجية السابق محمود الزهار المسنود بعناصر مؤثرة في كتائب القسام.
ولم تستبعد المصادر أن تكون زيارة "أبو مرزوق" إلى طهران ناتجة عن ضغوط تيار الصقور الذي يعتبر أن تحركات "أبو مرزوق" ومشعل لا تخدم حماس، وهي تهدد خطها المقاوم مقابل الاعتراف الإقليمي.
ولفتت المصادر ذاتها إلى أن الغضب الداخلي على الشخصيتين البارزتين في الحركة يخفي غضبا أكبر على التنظيم الدولي للإخوان الذي استخدم الحركة، كما يقول الغاضبون، في ربط تفاهمات وصفقات إقليمية أكسبته القبول في واشنطن.
ويشن صقور حماس حملات نقد شرسة ضد إخوان مصر، وخاصة الرئيس محمد مرسي، الذي لم يحمل بالنسبة إليهم أي جديد لخدمة القطاع رغم وعوده الكثيرة.
وتشمل حملات النقد خطب الجمعة واللقاءات الداخلية والتصريحات الإعلامية التي ارتفعت وتيرتها خاصة بعد قرار الجيش المصري إغراق الأنفاق بالمياه ما اعتبره أهل غزة إمعانا في الحصار ضدهم بدل خطوات عملية لفكه.
لكن مراقبين يقولون إن حالة التردد داخل حماس التي كشفت عنها زيارة "أبو مرزوق" إلى طهران هي امتداد لتردد أشمل لدى إخوان مصر الذين تورطوا في تبني ما كان مبارك يتبناه من التزامات تجاه عملية السلام، وقبلوا بأن يواصلوا مهمة حراسة إسرائيل، لكنهم مقابل ذلك لم ينالوا شيئا.
ومثلما زار "أبو مرزوق" طهران بحثا عن عودة التمويل الإيراني، فإن الإخوان بعثوا رئيس وزرائهم إلى العراق ليتلقى وعودا بالدعم ينتظر تنفيذها كف الإخوان عن اللعب على الحبال الإقليمية، وخاصة عودة قيادات حماس إلى زيارة دمشق كنوع من الاعتذار، كما يقول المراقبون.
ويتوقع هؤلاء المراقبون أن يخضع الإخوان وحماس إلى ضغوط إيرانية لتغيير مواقفهم مما يجري في سوريا، وهو ما عناه نجاد في لقائه بـ"أبو مرزوق" حين أكد أنه "حان الوقت لجلوس طرفي الصراع في سوريا إلى طاولة الحوار، وأن يباشروا بحل الأزمة عبر الحوار والتوافق".