أرشيف - غير مصنف

بين فضل شاكر وجورج قرداحي

 

لفت انتباهي شخصان. الأول هو الفنان المعتزل فاضل شاكر والثاني هو مقدم برامج المنوّعات" المرشح" جورج قرداحي.
 
الأوّل، طاولته شائعات القتل في ساحة يعتبرها صالحة للنضال. الثاني جزم ، وبعد حديث عن تلفزيون عمل به مقدما لبرنامج مسابقات، بترشيح نفسه للإنتخابات النيابية ، بعدما " ضغط عليه الأصدقاء"، وذلك حتى يُحدث … التغيير.
 
بصدق، شدّني فضل شاكر، على الرغم من أنه يأخذ اتجاها لا أؤيده، ونفرت من جورج قرداحي على الرغم من أنه يتحدث عن تغيير ننشده جميعا!
 
شدّني الأوّل، لأنني وجدتُ فيه شيئا من البطولة. بطولة التخلّي عن " سدوم وعامورة". عن النجومية وجميلات الليل. عن " بوسترات البلاي بوي".
 
شدّني الأوّل، لأنه تخلّى عن الكثير ليصبح داعية لعقيدة يؤمن أن فيها خلاص ناسه!
 
شدّني فضل شاكر، على الرغم من اقتناعي، بأنّ أمثالي وأمثاله، قد يصطدمون على مفترق الخيارات الكبرى التي تُعني بطبيعة لبنان وهويته ورسالته ونظامه!
 
نفرتُ من الثاني، لأنني وجدته يستغل شهرة بلا مضمون حقيقي لكي يصبح سياسيا بلا مضمون حقيقي. َشهَرته القدرةُ على أداء ما يًكتب له. في السياسة ، وفق المؤشرات، لن يكون إلا مرددا لأفكار يكتبها غيره أيضا.
 
نفرتُ من الثاني، لأنّه ، على نمطية الخديعة السياسية، يدّعي أنه يريد أن يصبح نائبا لـ "إنقاذ" بلد، واستجابة لـ"نداءات التغيير".
 
نفرتُ من الثاني، لأنه يريد محاربة المذهبيين باندماجه مع عتاة المذهبيين، ولأنه يسعى الى تغيير مع من يفترض تغييرهم، ولأنه يسعى الى إرساء نظام ديموقراطي بالسير تحت جناح من أمعنوا ضربا بالنظام الديموقراطي.
 
نفرتُ من جورج قرداحي، لأنه يبيعنا شعارات جوفاء ليضمن لنفسه مواقع …جوفاء!
 
( هذا الإنجذاب والنفور، يعيد إليّ ذكرى انسحاب ربيع الخولي الى الرهبنة، أي الى نوع آخر من السير قدما نحو الرسالة التي بها يؤمن هو)
 
ولا تقتصر المسألة على هذا النوع من المشاهير، بل تتعداه الى كل الأنواع.
 
ففي عالم المال، تصح المقارنة نفسها، ولو من مواقع مختلفة.
 
يشدني بيل غيتس الذي تخلّى عن إمبراطورية معلوماتية عالمية، ووضع عبقريته وثروته بخدمة الإنسانية، من موقع يعتبره هو الأفضل، اي مكافحة أسباب الفقر في إفريقيا. لم يعقد ثروته ليرثها أبناؤه، بل كرّسها لتفيد الإنسانية، من خلال معادلة جديدة: إقضِ على المرض القاتل في إفريقيا تقضِ على الفقر المقذع!
 
ونفرتُ من أثرياء كثر آخرون. نفرتُ من كارلوس سليم الذي عندما زار لبنان " وهبه" نظريات بديهية، لا حاجة لوطننا الى أمثاله، لو توافرت ظروف تطبيقها.
 
نفرتُ ممن ينشرون كتبا عن ثرواتهم الفنية في قصورهم. نفرتُ ممن يملأون الصحف والمجلات أخبارا عن يخوتهم الضخمة وطائراتهم العملاقة. نفرتُ ممّن يشعرون بالفقر وهم ينامون على مليارات كثيرة!
 
الإنسانية يجب أن تهب لإنقاذ نفسها.
 
إنقاذ نفسها لا يكون إلا من خلال تمييزها بين مسلك إنساني وآخر.
 
أجداد الإنسانية فعلوا ذلك، عندما ناصروا أبطالا، سمّوهم إمّا فلاسفة وإمّا أنبياء، وإمّا قديسين، وإمّا أنصاف آلهة. ولأنهم فعلوا كل ذلك تقدمت الإنسانية.
 
أجيالنا غارقة بالتعميم. وحدها الشهرة، من دون مضمونها تعنيهم. ولهذا يجد الديكتاتور شعبية والقاتل شعبية واللص شعبية والسخيف شعبية والمدمن شعبية والطمّاع شعبية والخائن شعبية!
 
الإنسانية اليوم، بحاجة الى نعمة التخلّي، كطريق الى أي إنجاز!
 
قد لا نتعاطى إيجابا مع من يتخلّى. قد نسعى دائما الى البحث عن ثغراته السطحية.
 
نفعل ذلك، لأننا لا نملك جرأة التشبه!
 
التخلّي حفلت به تعاليم الأديان!
 
ألم يقل الناصري لذاك الثري الفاضل: إذهب وبع ممتلكاتك ووزع ثمنها على المحتاجين واتبعني؟
 
ألم يخش ذاك الثري على ثروته؟
 
ألم يكن العجز عن التخلّي هو طريق الطرد من …الرسالة ومن التغيير ومن الخلود؟
 
فارس خشاّن

زر الذهاب إلى الأعلى