أرشيف - غير مصنف

هل تصل رسالة أردوغان للإخوان ؟

 

أحد أبرز الظواهر المؤسفة لتعاطي إخوان مصر مع الرؤى الفكرية والسياسية الناقدة أنهم لا يحبون الناصحين، وهذه صفة ذمّها القرآن العظيم فكيف حين تُمارس ضد من يحبون الخير للحركة الإسلامية في مصر ولمصر الوطن والقيادة العربية التاريخية لأم الدنيا، بل إنّ الرؤية التي تنطلق اليوم نحو الإخوان في مصر يُشارك فيها اسلاميون مستقلون ووطنيون وعربيون بل وحتّى علمانيون يخشون على مصر من تبعة فشل عنيف لهذه المرحلة التي يقودها الإخوان كسدة سياسية وبالتالي فتح الباب على مستقبل خطير على مصر وكل أهلها.
 
ومن هنا نورد بعض الأساسيات في تقييم الوضع المصري حتى تتضح الرسالة، وأولها أنّ الإخوان بالفعل يواجهون وواجهوا حملة لا أخلاقية ولا سياسية منضبطة من جناح معارضة رئيسي تشكّل في جبهة الانقاذ وحلفائه من الفلول، وواجهوا بلطجة مركزية وليست سطحية اغتالت 11 فرداً من شبابهم وحرق مقراتهم فضلاً عن دفع مُنظّم عاشته مصر لتصفية رئيسها المنتخب بإرادة شعبية بمحاولة اقتحام الاتحادية وقصر القبة، وهناك حركة تحريض سياسي ودعم مالي مجنون لايزال يضرب في أرض مصر.
 
إلاً أن الحكمة السياسية وفنّ إدارة الملفات الصعبة لا يتوقفان عند مدارات تدوير الحديث عن هذه المؤامرة ثم التوسّع في التشكيك في كل رؤية سياسية، ثم مواجهة الحلفاء أنفسهم كما جرى مع حزب النور وفتور العلاقة مع حزب الوسط الممثل لمدرسة الإخوان التجديدية التي انقذت الرئيس، وهو ما دفع الرئاسة الى زاوية أكثر حرجاً من السابق وبرزت بوضوح في عدم قدرة الرئيس على تقديم الإجابة المقنعة على اسئلة عمرو الليثي في لقاء قناة المحور التي كان واضحاً أن الرئيس متأثر فيها بتوصيات أو اقتراحات من بعض منسوبي القيادة المحافظة للجماعة كمقترح أو أجواء وليس المقصود توجيه مباشر، فيما نجحت صورته حين مارس بعفوية إدارة الحوار الوطني واستوعب موقفا صعبا لحزب النور وعلى الهواء وشعر المراقب أن مرسي الذي كان يُدير بنجاح مذهل طاولة حوار حسّاسة بشخصية الرئيس الوطني لم يكن حاضراً مع عمرو الليثي.
 
وهذا يعني أنّ للرئيس قدرة على هذا الاستقلال لو اندفع فيه بقوة ودون تردد وتبقى الحركة الإسلامية في صفوف المجتمع الوطني المصري المؤيد لمشروع الرئيس بشروط الثورة وخاصة حين يُدير الرئيس مرسي حركة التغيير التاريخية التي يحتاجها الإخوان فيدفع جيل الشباب التجديدي لتشكيل حركة شبابية وطنية خارج سياق فكر التنظيم الخاص الذي له رؤى غير قابلة لصناعة مجتمع وطني تؤسس لقيم المجتمع المدني بمرجعيته الإسلامية، واستئناف العمل الحزبي بعد استكمال رؤاها النهضوية الحقيقية بالشراكة مع «مصر القوية» والوسط ثم التحول للتحالفات الحزبية، لأنّ أحد اشكالات الإخوان هي أن العمل الحزبي السياسي المشروع انطلق من فكر التنظيم الدعوي الخاص فنُقل الوطن والمجتمع الى قالب التفكير القسري بروح هذا المحضن وليس بروح الوطن المصري، وهو ما يحجب ويمنع قوى شبابية رائعة للإخوان من الوصول الى مفاصل التغيير الوطني لمصر الجديدة وتنمية مصر والمشاركة لتأسيس المجتمع الوطني الجديد.
 
هناك خطوات وبرنامج ومواقف اتخذها الرئيس من تحييده للمجلس العسكري حتى لا يُحبط مدنية الثورة وانفتاحه الذكي على الخليج ليمنع الحصار وخاصة الرياض والدوحة ورفض ربط مصر بإيران وموقفه من غزة وغير ذلك، لكن عادت الامور تحاصره وتشكك في قدراته لأن المراقب شعر بأن زخم الجماعة الحزبية التقليدية بات يؤثر على الرئيس وينفّض عنه مستشاريه من خارجهم مع حملة اعلامية عنيفة تصنع من هذه الأخطاء ما يروج للكفُر بأي تعاونٍ مع الرئيس أو حزب الحرية والعدالة، وبالتالي ورغم أن القول بجواز أخذ الاخوان لفرصتهم حتى لو تغولوا في اجهزة الدولة له وجهٌ صحيح إلا أنّ ذلك لا يُقدم لا مشروع استقرار ولا تنمية ولا يؤسس لمصر الجديدة وستظل تدور في حلقة مفرغة حتى لو حصد الإخوان نتائج البرلمان، وعليه فإن خطة تدوير السلطة بين شركاء العمل الوطني السياسي بحسب دورات التغيير ستقف، وهو ما سيُعيد طرح السؤال هل ما ردده الإخوان في شرعية استكمال دورتهم يشمل غيرهم لو تغيرت معطيات الصناديق وكيف يُضمن ذلك، وقد أُحرج الإخوان كثيراً في الصراع المحتدم مع الحركة السلفية حيث قدمت تصوراً وطنياً لحكومة تآلف ومشروع للتوافق ثم أعلنت انّ لها موقفا سياسيا لا يمنعها من إسناد الرئيس لكنها تؤمن وبالوثائق بأن الإخوان تغولوا على السلطة.
 
ورغم إيماننا بأن التآمر الأجنبي أو الاستدعاء للجيش لمواجهة الإخوان هو خيانة للقيم الثورية والحكم المدني بل وتهديد لأمن مصر الذي يجب أن تترسّخ فيه قواعد التآلف والانضباط الدستوري بين الجيش والمؤسسة المنتخبة، الا أنّ الأماني لن تُغير من موازين الاحداث، وأمام إخوان مصر تجربة ثرية بانعطافات صعبة، نعم مصر ليست تركيا ولكن هناك مشتركات في التحول للحركات الاسلامية وعلاقتها بالدولة القومية، وهناك درس كبير أكدناه مراراً لو استوعبه السيد الرئيس مع حركة شباب الإخوان فيتغير التاريخ لصالحهم وصالح مصر، درس تركيا الأكبر ليس المواءمة مع العلمانية، بل إدارة الوطن لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تحول التنظيم من حركة جماعة الى حركة مجتمع.
مهنا الحبيل
@MOHANNAALHUBAIL

زر الذهاب إلى الأعلى