في 6 آذار/مارس، تم اختطاف واحد وعشرين جندياً فلبينياً منتشرين ضمن "قوة مراقبة فض الاشتباك" (الأندوف) أثناء خروجهم في دورية روتينية في المنطقة السورية منزوعة السلاح بمرتفعات الجولان. وتم إطلاق سراحهم بعد تاريخ كتابة هذا المقال، وأفادت التقارير أنه لم يلحق بهم أي مكروه. يشار إلى أن هذا الحادث هو الأخير في سلسلة من الهجمات ضد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المسؤولة عن ضمان الالتزام بالقيود على الأسلحة المنصوص عليها في اتفاق فض الاشتباك بين إسرائيل وسوريا من عام 1974. وقد دفع التدهور الأمني بالفعل كلاً من اليابان وكندا وكرواتيا إلى سحب مساهماتهم بالأفراد — القائمة منذ فترات طويلة — من "قوة مراقبة فض الاشتباك". وفي حال استمرار هذا الاتجاه، فمن المؤكد أن تعمد الدول المتبقية إلى تحجيم التزاماتها هي الأخرى، منهية بذلك آلية المراقبة الدولية الفعالة الوحيدة على طول الحدود الإسرائيلية السورية.
الخلفية
يشار إلى أن "قوة مراقبة فض الاشتباك" أُنشئت عقب حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973 للإشراف على تطبيق اتفاقية فض الاشتباك بين إسرائيل وسوريا في الجولان، و منذ ذلك الحين تقوم القوة التي قوامها 1000 فرد بإجراء فحوصات نصف شهرية ضمن خمسة عشر ميلاً على كلا الجانبين من الحدود. غير أنه على مدار العامين الماضيين، أدى ظهور تشكيلات ثوار قتالية في محافظة القنيطرة وتراجع قوات بشار الأسد في المنطقة إلى خلق بيئة أمنية مضطربة بشكل متزايد لأفراد "قوة مراقبة فض الاشتباك" العاملين في سوريا.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2012، على سبيل المثال، أُصيب جنديان نمساويان تابعان لـ "قوة مراقبة فض الاشتباك" يستقلان حافلة في طريقها إلى دمشق من قبل مسلحين غير معروفين. وقد دفع هذا الحادث اليابان إلى إنهاء نشر قواتها في الجولان بعدها بشهر واحد. وفي شباط/فبراير، أفادت التقارير بأن أحد موظفي "قوة مراقبة فض الاشتباك" الكنديين فُقد في الجولان، مما دفع كندا إلى سحب قواتها هي الأخرى. وفي الأسبوع الماضي فقط، أعلنت كرواتيا أنها ستعيد فريقها المكون من 100 رجل، مما يجعل المساهمين الوحيدين المتبقين هم النمسا والهند والفلبين (إنظر إلى هذه الخريطة حول نشر "قوة مراقبة فض الاشتباك" في كانون الثاني/يناير).
العداء والفوضى في سوريا
لقد أصبح الوضع على الجانب السوري من الحدود يزداد خطورة بالنسبة لـ "قوة مراقبة فض الاشتباك" التابعة للأمم المتحدة. فوحدات الثوار القتالية — بما في ذلك "لواء شهداء اليرموك"، الذي أعلن مسؤوليته عن اختطاف القوات الفلبينية — تقاتل قوات الأسد المتحللة للهيمنة على المنطقة الواقعة بين خط "قوة مراقبة فض الاشتباك" وحاميات النظام الرئيسية جنوب غرب دمشق. كما أن المصادمات أصبحت أمراً متكرراً بسبب تنازع الجانبين من أجل السيطرة على النقاط الرئيسية. وهذا يشمل نشاطاً كبيراً حول منطقة "قوة مراقبة فض الاشتباك"، حيث سيطر الثوار على القرى المجاورة ومواقع النظام، وقاموا بنصب أكمنة لقوات النظام وشنوا هجوماً انتحارياً كبيراً ضد موقع استخباراتي تابع للنظام. وفي حين يبدو أن وجود الثوار آخذاً في التزايد (بما في ذلك تواجد العناصر الإسلامية)، فإن النظام قلل من قواته وهجر بعض مواقعه، وأعاد نشر قواته إلى دمشق لتعزيز مواقعه هناك. وعند النظر إلى هذه العوامل مجتمعة، نجد أنها تزيد فرصة استدراج أفراد "قوة مراقبة فض الاشتباك" إلى القتال، سواء بشكل متعمد أو غير مقصود.
ومما يزيد الطين بلة أن المعارضة السورية زاد حنقها وغضبها تجاه الأمم المتحدة على مدار العام الماضي. ففي ربيع 2012، فشل مبعوث الأمم المتحدة الخاص كوفي عنان في وقف إطلاق النار أو سحب قوات النظام من المراكز السكنية. وعندما توقفت الأمم المتحدة عن اتخاذ أي إجراء آخر، فسّر عديدون في المعارضة ذلك التراخي على أنه مراعاة للنظام وخيانة للشعب السوري. وتواصل الأمم المتحدة حالياً إضفاء الشرعية على النظام: فما يزال الأسد يحتفظ بمقعد بلاده في الجمعية العامة، ولا تزال الأمم المتحدة تتعامل مع نظامه كما لو أنه الممثل السيادي للدولة، مما يعني أن كل شيء بدءاً من تقديم المساعدات إلى مهام حفظ السلام كتلك التي تقوم بها "قوة مراقبة فض الاشتباك" يجب أن تخضع للفحص والتدقيق من قبل دمشق.
ولا عجب أن هذه الديناميكية قد زادت من الغضب السوري تجاه "قوة مراقبة فض الاشتباك" والفروع الأخرى للأمم المتحدة. كما يُنظر إلى قوات حفظ السلام على أنها تطبق وقف إطلاق النار الذي لا يحظى بشعبية مع إسرائيل، وهي دولة يراها العديد من الثوار عدواً؛ بل إن البعض في صفوف المعارضة لا يزالون يروجون لنظريات مؤامرة جامحة حول دعم إسرائيل للنظام.
وهذا الإحساس العام بالعداء يأخذ الآن شكلاً أصبح ملموساً بشكل أكبر. ففي بعض مقاطع الفيديو على اليوتيوب نشرها "لواء شهداء اليرموك" أثناء أسرهم يوم الأربعاء لموكب "قوة مراقبة فض الاشتباك" في قرية الجملة — على بعد ميلين فحسب من خط الهدنة في الجولان — انتقد أحد قادة الجماعة قوات حفظ السلام ووصفهم بأنهم "عملاء لنظام الأسد وإسرائيل". وفي مقاطع فيديو أخرى، زعمت الجماعة أنها أسرَت الجنود من أجل حمايتهم من هجمات النظام المخطط لها وأنها ستطلق سراحهم بمجرد أن يضمن النظام سلامتهم — وهي رواية غير محتملة، لكنها مصممة بشكل جيد لتجنب الانتقاد الدولي.
المشهد من إسرائيل
وبالنسبة لإسرائيل، فإن المكاسب التكتيكية للجهاديين في الجولان والمشهد القاتم لـ "قوة مراقبة فض الاشتباك" تشعلان المخاوف من أن أيام الهدوء الطويلة على الحدود قد باتت محدودة. فمنذ انتشارها في عام 1974 ساعدت "قوة مراقبة حفظ السلام" إسرائيل وسوريا على حفظ الوضع الراهن الذي كان يرغب كلا الجانبين في الحفاظ عليه. واختصاراً، أصبحت قوات حفظ السلام رمزاً للاستقرار. إن حل "قوة مراقبة فض الاشتباك" أو عجزها سوف ينهي ذلك الاستقرار نفسياً وعملياً، ماحياً بذلك المنطقة العازلة بمسافة ثمانين كيلومتر ومحولاً إياها إلى "منطقة حدودية ساخنة" يستطيع فيها الجهاديون تحدي إسرائيل والتسبب في حدوث ردود فعل انتقامية — وهي آلية مماثلة لما عليه الوضع في لبنان.
وبغية الحد من ذلك التهديد، يعمل الجيش الإسرائيلي بسرعة على تشييد سور حدودي جديد ومتطور في الجولان. كما أنه أضاف المزيد من القوات المحنكة ونظم الأسلحة الأكثر تطوراً على طول الحدود، وعزز جهوده لتجميع المعلومات الاستخباراتية في المنطقة ووضع خططاً انتقامية في حالة وقوع هجمات عابرة للحدود.
وبشكل أوسع نطاقاً، سوف يؤدي تفكك سوريا إلى إثارة مخاوف إسرائيلية تتجاوز المنطقة الحدودية المباشرة، لا سيما في ضوء احتمالية أن تقع بعض أسلحة النظام الاستراتيجية في أيدي «حزب الله» في لبنان أو الجهاديين في سوريا، الذين قد ينشرونها بعد ذلك ضد إسرائيل. ورغم أن المجتمع الدولي والفاعلين الإقليميين قد وضعوا خططاً للتعامل مع مخزون الأسلحة الكيميائية لسوريا، إلا أن التهديد التي يشكله انتشار أسلحة استراتيجية أخرى — مثل القذائف والصواريخ المتطورة — لم يتم التعامل معه بشكل كافٍ حتى الآن. وعلى عكس التهديد الكيميائي، تفهم إسرائيل أنه قد يتعين عليها اتخاذ خطوات عسكرية أحادية استباقية للتعامل مع هذه الأسلحة الاستراتيجية الأخرى، بما في ذلك شن هجمات ضد محاولات نقل الأسلحة على الأرض السورية. ونود أن نشير هنا إلى أن الهجوم الأخير — وهو هجوم أفادت التقارير وقوعه في شباط/فبراير ضد أسلحة متقدمة مضادة للطائرات كان يجري نقلها إلى «حزب الله» — لم يترتب عليه شن أعمال انتقامية، لكن المزيد من العمليات المستقبلية قد تؤدي إلى حدوث أعمال انتقامية وعمليات تصعيد.
الخاتمة
مع تدهور الأوضاع في سوريا، سوف تواجه "قوة مراقبة فض الاشتباك" صعوبة متزايدة وخطراً في تنفيذ أعمال المراقبة في الجولان، مع حدوث تآكل في عددها الأمر الذي يجعل المهمة غير مستدامة. هذا وتفيد التقارير الأخيرة بأن النمسا والهند والفلبين يناقشون بالفعل مستقبل عمليات الانتشار الخاصة بهم. وفي ظل غياب جهود دولية متضافرة للإطاحة بنظام الأسد وإرساء الاستقرار في سوريا التي مزقتها الحرب — سواء من خلال عمل عسكري مباشر أو مبادرة جادة لتسليح الثوار بشكل أفضل — فقد يجري حل "قوة مراقبة فض الاشتباك" قريباً.
ورغم إمكانية إعادة تشكيل قوة المراقبة من الناحية النظرية بعد فترة، إلا أن الحكومة اللاحقة في سوريا — والتي يفترض أن تكون ذات توجهات إسلامية — لن توافق على الأرجح على مثل تلك الخطوة. إن غياب "قوة مراقبة فض الاشتباك" قد يضعف من احتمالات نشر قوة دولية لإرساء الاستقرار عقب الحرب. وعلى أي حال، فإنه مع رحيل "قوة مراقبة فض الاشتباك" وامتلاء سوريا ما بعد الأسد بالجهاديين المسلحين جيداً، يمكن أن تتحول الحدود الهادئة بين إسرائيل وسوريا بكل سهولة إلى ميدان معركة.
وكل هذا يشير إلى المخاطر المرتفعة التي ينطوي عليها الصراع السوري. فمع انتشار عدوى العنف وتأثيرها الفعلي على لبنان والأردن ومع تعرض "قوة مراقبة فض الاشتباك" للخطر، فإن النهج الدولي الحالي لمحاولة وضع نهاية لسفك الدماء في سوريا لم يعد قابلاً للاستمرار. إن استمرار التراخي الدولي لن يؤدي سوى إلى توسيع نطاق عدم الاستقرار في المنطقة.
ديفيد شينكر, مايكل هيرتسوغ, أندرو جيه. تابلر, و جيفري وايت
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن. مايكل هيرتسوغ، عميد (متقاعد) في جيش الدفاع الإسرائيلي، هو زميل ميلتون الدولي في المعهد ومشارك سابق في مفاوضات السلام بين اسرائيل وسوريا. أندرو جيه. تابلر هو زميل أقدم في المعهد. جيفري وايت هو زميل للشؤون الدفاعية في المعهد وضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية.