أرشيف - غير مصنف
معاول شيطانية لهدم الثورة السورية

ليس من قبيل الخيال أو الشطحات القول إن أطرافا كثيرة تعمل على نزع "الحشوة الفعالة" للثورة السورية على الأقل، إن لم تستطع تفكيك الثورة وتسليمها "مقشرة" للاعبين الكبار في لعبة الأمم كي يتم ابتلاعها.
هذه الأطراف الشيطانية ما انفكت تدفع الحالة السورية إلى شفير الهاوية، أي الحرب الشاملة "غير المؤذية" التي يمكن أن تستمر سنوات طويلة تلتهم خلالها سوريا الدولة والكيان والشعب وتفتت الجغرافيا دون أن يكون لها أي تداعيات إقليمية ودولية، أي "حرب مقننة ومسيطر عليها"، وهذا ما تثبته الواقع بعد عامين من الثورة الشعبية ضد نظام الأسد الإرهابي.
لكن ما لم يحسب هؤلاء الشياطين حسابه هو أن الثورة تتحرك قدما إلى الأمام، وأن الشظايا بدأت تتطاير إلى دول الجوار، فالقاعدة أعلنت عن قتل 58 جنديا من جنود الأسد داخل العراق، ونوري المالكي يهدد بـ "حرب طائفية"، والجيش الحر يهدد حزب الله بنقل المعركة إلى معاقله في لبنان، فيما يحذر زعيم الحزب حسن نصر ألا يستهينوا بقدرات حزبه، وأنه جاهز لمقارعة السلاح بالسلاح، والفتنة بالفتنة، أي الحرب الطائفية بحرب طائفية.
إذن نحن أمام حالة يتدحرج فيها الجميع نحو الجحيم، وكرة اللهب على وشك الوصول إلى نقطة اللاعودة، التي تقترب من برميل البارود الذي يمكن أن ينفجر في أي لحظة، لتنهار الدول وتتمزق مجتمعات وتنقسم المنطقة طائفيا وعرقيا، وحيث يتحول العنف إلى وحش ينهش كل شيء.
المشكلة أن كل الشياطين يتورطون أكثر وأكثر في هذه النار، وسيجدون أنفسهم جزءا من المعركة، لأن كل شيطان منهم لن يكون قادرا عن التخلي عن مريديه، فروسيا وإيران ستمضيان بدعم نظام الأسد الإرهابي، ولن يكون بمقدورهما التراجع إلى الوراء، وحزب الله سيجد نفسه وجها لوجه أمام الثوار السوريين في لبنان، وربما في الضاحية الجنوبية وليس في حمص أو القصير، وهو خيار لوحت به بعض التيارات الثورية في سوريا، خاصة في الجيش السوري الحر، الذي هدد قائده بنقل المعركة إلى داخل لبنان.
هذه التطورات تعني فشل استراتيجية "احتواء" الثورة السورية، وإبقاءها شأنا محليا داخليا معزولا عن الإقليم، كما كان الحال مع الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 16 عاما دون أن تسبب إلا قليلا من الأذى إقليميا ودوليا، وتحويلها إلى حرب أهلية تقليدية تنتهي باتفاق على الطريقة اليمنية أو بـ"اتفاق طائف سوري".
هذا النوع من التفكير العقيم يصطدم بحقيقة سقوط 100 ألف قتيل وجرح أكثر من 150 ألفا آخرين واعتقال 160 ألف شخص وفقدان عشرات الآلاف، وتشريد مليون سوريا إلى دول الجوار ونزوح 3 ملايين سوري من مناطقهم داخل سوريا، الأمر الذي يعقد مسالة "الاحتواء المبرمج" لثورة الشعب السوري، فمجريات الأمور على الأرض تشير إلى أن الحالة السورية أصبحت عصية على الحل السياسي، وبدأت الثورة السورية تتحول من فعل سوري خالص إلى تفاعل "عربي – إقليمي – إسلامي" يتداخل فيه الحرس الثوري الإيراني ومقاتلو حزب الله اللبناني والعناصر الشيعية العراقية في مواجهة المقاتلين الإسلاميين ومنهم جبهة النصرة، وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى الإقرار أن سوريا دخل مرحلة "الكارثة المطلقة".
المشهد السوري يكشف النقاب عن ثوار يتقدمون على كل الجبهات ويسيطرون على المزيد من الأرض والمدن في كل أنحاء سوريا، ونظام يتقهقر في معاقله داخل دمشق، ويستخدم كل ما لديه من أدوات عنيفة، دبابات ومدفعية وصورايخ سكود وراجمات صواريخ وطائرات مقاتلة وبراميل متفجرة بل وحتى غازات سامة.
الشيء المؤكد أن تحول لبنان والعراق إلى ساحة معركة ملحقة بسوريا لم يعد سوى مسألة وقت لا أكثر، رغم كل المحاولات الإقليمية والدولية لمنع تمدد الحرب إلى دول الجوار، ويدرك الثوار السوريون جيدا أن الانتصار لن يتحقق إلا إذا تغيرت موازين القوى على الأرض، وتغيرت المعادلات الإقليمية والدولية، وأن هذا التغيير لن يأتي إلا بعد أن تقتنع موسكو وطهران والضاحية الجنوبية بأن عدم سقوط الأسد ورحيله يعني ببساطة اشتعال النيران لتمتد من العراق إلى لبنان.
تدرك الأطراف كلها أنها لن تستطيع لجم "شيطان الحرب الإقليمي" إذا أفلت من عقاله، وأن محاولة التحكم بمخرجات الثورة السورية والسيطرة على نتائجها سيكون كمن يحمل جمرا في يديه، وهو ما أدركته إسرائيل قبل غيرها فسارعت إلى التأهب وتشديد الإجراءات الأمنية في الجولان وزرع ألغام على الحدود ووضع أجهزة إنذار مبكر وتسريع بناء سياج أمني في الجولان لأنها قلقة ومرعوبة من اقتراب "المتمردين" من حدوها المحتلة، وبدأت حملة ضغط دولية على الدول التي يخدم عناصرها في قوات الأمم المتحدة المرابطة على الحدود مع سوريا لمنع سحب عناصرها بعد اختطاف الجنود الفلبينيين، لأنها تخشى انفلات الوضع على الحدود.
لا خيار أمام موسكو وطهران وواشنطن إلا التسليم بأن وجود الأسد ونظامه خطر على المنطقة والإقليم والعالم، وأن سقوطه ومحاكمته على جرائمه، هو الضمانة الوحيدة لعدم تحول الحرب في سوريا إلى حرب إقليمية شاملة صارت أقرب من أي وقت مضى.
سمير الحجاوي




