جيروزاليم بوست: حرب سوريا تقسيم جديد للشرق الأوسط

 

قال الكاتب ستيفن كوهين في تقرير له بعنوان "من تشرشل إلى الأسد… باتجاه نظام إقليمي جديد" في صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، إنّ أحد العوامل التي تعوق التوصل إلى حل لمشاكل الشرق الأوسط هي الطبيعة المصطنعة لحدود المنطقة. فيؤكد بعض المحللين شأن روبرت كابلان على النقص العام للوعي الميداني. ويؤمن كابلان الخبير الجيوسياسي في ستراتفور، أنّ الصراع في المنطقة لم يتغير منذ عصور قديمة.
 
فقبل انهيار السلطنة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى التقى فرنسوا جورج بيكو ومارك سايكس ليرسما تقسيمة المنطقة بين بريطانيا وفرنسا على أنقاض السلطنة، وهو ما حدد لاحقاً الحدود المعروفة اليوم في الشرق الأوسط. وأدى الإتفاق الذي جرى بشكل سري بينهما في كانون الثاني (يناير) 1916، إلى تقسيم الشرق الأوسط. وفي نظر أهل المنطقة فإنّ تلك الحدود مصطنعة رسمها الإستعمار، والقوى الإمبريالية لتسهيل سيطرتهم على الشرق الأوسط.
 
واليوم يبدو أنّ عملية تشكيل الحدود ما زالت نابضة بالحياة، وأنّ اتفاقية سايكس- بيكو قد تصل إلى نهايتها. ونشهد اليوم على بزوغ الشرق الأوسط الجديد، ما يضع علاقة الحدود الحالية محط تساؤل. فقبل قرن مضى، عندما ظهر إلى العلن الإتفاق السري وعلمت به الولايات المتحدة كان هنالك فهم لديها للعواقب المأساوية. حيث أخبر مستشار الرئيس وودرو ولسون للشؤون الخارجية إدوارد هاوس، البريطانيين أنّهم يجعلون من الشرق الأوسط بيئة حاضنة لحرب مستقبلية. ومنذ ذلك الحين لم تتوقف الحروب في الشرق الأوسط، ولم يتوقف نزيف الدماء.
 
ويتابع الكاتب أنّ وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونوليزا رايس أعلنت أنّ الأزمة في سوريا قد تشكل الحلقة الأخيرة في مسار تفكك الشرق الأوسط المعروف. وتذكرنا رايس بذلك بحقيقة أنّ القوى الاوروبية رسمت حدود المنطقة من دون اعتبار كلي للفوارق الإثنية والطائفية، فعلى سبليل المثال فإنّ:
 
–    70 في المئة من أهل البحرين شيعة، بينما تحكمها اسرة سنية.
–    10 في المئة من أهل السعودية شيعة يتركزون في المنطقة الشرقية أغنى منطقة في المملكة.
–    65 في المئة من أهل العراق شيعة، و20 في المئة سنة، وهنالك مزيج من الاكراد وغيرهم، وكلّهم حكموا حتى عام 2003 بواسطة ديكتاتور سنّي.
–    70 في المئة من أهل الأردن تقريباً فلسطينيون.
–    لبنان منقسم بشدة بين الشيعة والسنة والمسيحيين.
–    سوريا كتلة متمازجة من السنة والعلويين والأكراد وغيرهم، وما زالت الأقلية العلوية تحكمها.
 
ويتابع التقرير أنّ الشرق الأوسط يقع اليوم في أزمة عميقة مع محاولات داخلية وخارجية لإعادة تشكيل المنطقة برمتها. وقد جرب العرب منذ سقوط السلطنة العثمانية تجارب سلطوية عديدة من الوطنية إلى القومية العربية المختلطة بفورع الإشتراكية المحلية، إلى الإسلامية العابرة، وصولاً إلى الإسلام السياسي.
 
ولم تقدم الوطنية، كما في حالة أوروبا القرن التاسع عشر، الأجوبة لمشاكل أهل المنطقة. فقد حاول نظام بشار الأسد في سوريا ومن قبله والده حافظ الأسد تطبيق مشروع الهوية الوطنية السورية، ولم ينجح. فبقيت الطائفية، والتعريف المذهبي بين مختلف المجموعات الإثنية والدينية قائماً.
 
وفي عودة إلى الأزمة الحالية يرى التقرير أنّ السيناريوهات المستقبلية للشرق الأوسط قد تتأرجح ما بين الحالة الراهنة من عدم الإستقرار والعنف وصولاً إلى حالة أخرى من إعادة تشكيل الحدود الحالية في المنطقة من جانب قوى داخلية وخارجية. ومن المحتمل عدم انهيار الشرق الاوسط ويبقى كما نعرفه، لكنّه بالتأكيد سيتحول إلى نظام سياسي جديد فيه قوى سياسية مختلفة مع الحفاظ على الحدود القائمة.
 
وفي المقابل يشير الكاتب إلى أنّ هنالك احتمال فوضى إقليمية ستنتهي إلى إعادة رسم حدود سيادية جديدة. وفي هذه الحالة هل ستتولى القوى الإقليمية والمحلية ستتولى أدواراً قيادية بعكس ما كان قائماً عام 1916؟ وما الذي ستكون عليه مستويات مشاركة القوى العالمية، من أوروبا والولايات المتحدة إلى روسيا والصين، واللاعبون الإقليميون، من تركيا إلى إيران والسعودية؟ يردّ الكاتب على التساؤلين بالتعبير عن اعتقاده أنّ اللاعبون الداخليون سيكون لهم رغبة أقلّ في السماح للقوى الخارجية برسم حدودهم الجديدة عمّا كان الأمر عليه مع نهاية الحرب العالمية الأولى.
 
Exit mobile version