أرشيف - غير مصنف
فورين بوليسي: محمد مرسي تاه في الصحراء
في تقرير له بمجلة فورين بوليسي الأميركية يتساءل الكاتب جيمس تراوب عن رأي إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في الرئيس المصري محمد مرسي. ويرد على هذا التساؤل بانه لا يعتبر الرئيس المصري على درجة عالية من القدرة والحنكة، ومع ذلك فما زال على الإدارة الأميركية ان تقرر كيفية العمل معه.
وقال تراوب: تمكنت في الآونة الاخيرة ان اتحدث الى مسؤولين في إدارة أوباما حول ما يعتقدون انهم فاعلون في مصر. ذلك انه على الرغم من ان أوباما يتردد في دفع الولايات المتحدة الى أتون النيران المشتعلة في سوريا، الا ان هناك من يتهمه من المنتقدين بانه يساير "دكتاتورا" في القاهرة. اذ ان نوابا جمهوريين من امثال ماركو روبينو يتهم الإدارة بانها تقدم شيكا بمبلغ 250 مليون دولار على بياض الى النظام الإسلامي المستبد لمحمد مرسي. اما المحللون الذين لا يملكون سلطة قوية مثل مايكل وليد حنا من مؤسسة القرن او بيتر جول من مركز التطوير الأميركي، فانهم يثيرون افكارا اكثر حدة تقول بان الإدارة كافأت مرسي على التزامه باهداف الامن القومي الأميركي، مثلما فعلوا مع سلفه حسني مبارك.
وتابع: هل هناك وجه للعدالة في هذا؟ يستحق أوباما، على اي حال، الثناء لقبوله علنا بخيار الشعب المصري لحكومة إسلامية بعد سنوات طويلة اعتبرت واشنطن فيها اي مشاركة مع إسلاميين انه خارج عن اطار المعقول. الا ان الإدارة لم تتخذ اي خطوة عندما حصن مرسي نفسه ضد الرقابة القضائية، وانطلق ليعلن دستورا متشددا، وداس على ما يقوله معارضوه. وفي ما قد يستحيل إثباته فان مرسي شعر ان هذا الصمت الإستراتيجي منحه "بطاقة بيضاء" لمواصلة السير في طريق حكم الغالبية الاستبدادي. لكن أوباما لم يرغب في ان يؤرجح مركب مرسي الكثير الهشاشة. فقد اعترف مسؤول استقال من الحكومة بعد اول فترة في الحكم قائلا "اننا لم نكن نبدي رأينا بصراحة". واضاف انه "ليس هناك اهتمام كاف لدعم الذين يقفون على الجانب الاخر".
وأضاف: ولنفرض ان أوباما اخطأ في الحذر مع مصر. وتلك هي طبيعته،، وهي، على اي حال، افضل من البديل الذين دخلنا تجربته مع بوش. فقد اتسم اسلوب أوباما الاجمالي في الربيع العربي بانه يعمل في الاتجاه الصحيح، ولكن مع قليل من التأخير. فماذا نفعل الان؟ ما الذي يدور في خلد مسؤولي الإدارة بشأن مرسي، وكيف يرون الطريقة التي يمكن ان تؤثر في تصرفاته؟ والاجابة الفوري هي انهم يظنون ان مرسي والمحيطين به يشعرون بالقلق تجاه عدم كفاءتهم بدلا من تعصبهم. وقال احد الاشخاص "هذه مجموعة من الصبية قضوا في السجن 40 عاما، ولا يعرفون ماذا يفعلون، انهم مرضى بجنون العظمة، ويرتكبون عددا هائلا من الاخطاء. غير انه ليس هناك اي بديل الا توجيههم نحو الطريق الديمقراطي".
وأشار إلى أنّه وباختصار، فإنّ مرسي هو الرجل الخطأ في اللحظة الحالية، لكنه الرجل الوحيد. ولا بد من دفعه برفق، وهذا أمر ممكن.
وقال التقرير: وتنظر الإدارة الأميركية الى المعارضة مثلما ينظر آخرون اليها – انها عاجزة، كسولة، غير منظمة، يسعدها ان تمرح في القاهرة بدلا من القيام بحملات في انحاء البلاد. وعندما قام وزير الخارجية جون كيري بزيارة القاهرة الاسبوع الماضي، تحدث الى شخصيات مهمة، من بينهم محمد البرادعي وعمرو موسى وحثهم على عدم مقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة، وكانوا اعلنوا انهم ينوون أن يفعلوا ذلك. فتراجع شعبية مرسي يفتح الطريق امام معارضة للحصول على مكاسب كبيرة – وان كان الكثير من هذه الانجازات سيصب في صالح السلفيين اكثر من العلمانيين. على ان ما يفرح القلب هنا هو احتمال تأجيل الانتخابات لثلاثة او اربعة اشهر، ما يمنح المعارضة وقتا لاعادة النظر في قرار سيء للغاية.
وجاء فيه: واخيرا فان إدارة أوباما تشعر، كما يبدو، انها في وضع مريح مع الجيش المصري اكثر من اي وضع حالي اخر. واسباب ذلك تعود الى ان الجيش اطاح بمبارك وسلم السلطة الى زعيم منتخب، وساعده على البقاء في منصبه. وقال المسؤول المشار اليه آنفا "انهم مصممون على العمل مع الاسرائيليين، ويتعاملون بطريقة جيدة في مسألة الحدود". وليست لدى الإدارة اي مصلحة في قطع المعونة العسكرية اوعادة النظر فيها بجدية، مثلما يقترح العديد من النقاد- ولم يتفوه كيري بشيء يتعلق بها في القاهرة.
وتابع: وبكلمة مختصرة، فان أوباما يبدو اقل قلقا تجاه الانحدار مرة اخرى الى الاستبداد من قلقه على تفكك مصر. فالخزينة المصرية لا تملك من النقد الاجنبي الا ما يكفي لثلاثة اشهر، ولا يتوقع وصول المزيد من الاموال من قطر او من اي مصدر اخر. ويعرض صندوق النقد الدولي قرضا بقيمة 4.8 بليون دولار، وهو الفرصة الوحيدة للقاهرة لابعاد شبح الافلاس. اما باقي المؤسسات التي يمكنها ان توفر تمويلا اضافيا، بما فيها البنك الدولي وبنك التنمية الافريقي، فانها لن تتحرك قبل ان توقع مصر اتفاقا مع صندوق النقد الدولي. ويطالب الصندوق الدولي مصر باجراء اصلاحات موجعة سياسيا – وابرزها قطع المعونات التي تحافظ على انخفاض تكاليف الطاقة والاغذية. ورد مرسي على ذلك بان على واشنطن ان تطالب صندوق النقد الدولي ان يعطي مصر المال، ليس الا.
وأضاف: وينبع الخوف في واشنطن من ان القيادة السيئة الطالع في مصر تدفع بالبلاد نحو حافة هاوية. والسيناريو الكابوسي يمثل مصر غير قادرة على تسديد فواتيرها، وهو ما سيدفع نصف سكان القاهرة للتدفق الى ميدان التحرير. وقد تشعر القوات المسلحة بان عليها ان تتولى السيطرة مرة اخرى. وهذه هي مشكلة اليوم. لقد شدد كيري في القاهرة على الحاجة الى التوصل الى اتفاق على القرض، اما على الصعيد الخاص فقد وبخ (او ربما كان التعبير الادق هو توعد) مرسي طالباً منه الاقدام على خيارات سياسية صعبة، والبدء في العمل مع المعارضة. وعرض كيري حوافز: دفعة اولى مقدارها 250 مليون دولار من اصل مليار دولار وعد أوباما بجعله متاحاً، وكذلك مبلغ 300 مليون دولار اضافي بمجرد ان يوقع مرسي اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي.
واستدرك: وهكذا فإنّ التوجه العام هو الآتي: حوافز مالية متواضعة، ونصائح على الصعيد الخاص مع تشجيع على الصعيد العلني، ومن دون اجراءات عقابية. فهل هذا يشكل في الواقع استجابةً كافية لأزمة من هذا الحجم يعاني منها القلب التاريخي للعالم العربي؟ ان اول واوضح ما يجب قوله هو انه افضل بكثير مما يفكر فيه عباقرة السياسة الخارجية للجمهوريين من امثال ماركو روبيو، بالنظر الى ان حجب المساعدات الإقتصادية الى ان تجري مصر التغييرات السياسية التي يريدها ستضمن عملياً وقوع كارثة من النوع الذي يجعل الحلول السياسية الوسط اقل دواعي قلق مصر. وبالنظر الى سوء طالع مرسي – ولكن ايضاً بالنظر الى رد الفعل المرجح ضد الانتقاد العلني من الولايات المتحدة – فان التوبيخات على الصعيد الخاص يمكن ان تكون اكثر فاعلية الآن من الازدراء العلني.
وتوصل الكاتب إلى أنّ المشكلة الكبرى هي المال. ويشير فالي نصر في كتابه الجديد "امة يمكن الاستغناء عنها" الى ان الولايات المتحدة عرضت مساعدات واسعة النطاق عندما غسلت امواج الديموقراطية أميركا اللاتينية واوروبا الشرقية، لكنها لم تقدم سوى مساعدات تافهة في العالم العربي، وفي المقدمة مصر. وهذا صحيح، اذ ان حتى مبلغ المليار دولار الذي وعد به أوباما يتكون معظمه من ضمانات قروض. وبينما لن تحتاج ليبيا وحتى تونس الى مساعدة مالية ضخمة، فان مصر ستحتاج اليها. وبدأت الإدارة في العمل على خطة تشارك فيها دول عدة لدعم الاستثمار الخاص في دمقرطة الدول العربية – وهو حافز آخر لمرسي ليوقع اتفاقا مع صندوق النقد الدولي. ولكن ليست هناك خطط مارشال اخرى على وشك ان تعلن. والخزانة خالية.
وفي الختام قال: وخلاصة الأمر أنّي اؤيد زميلي مارك لينتش الذي يقول ان أوباما فعل الى حد كبير ما يمكنه عمله في مصر. ولكن هذه الحقيقة ذاتها تبرزحدود ما هو ممكن. وتحتاج الديموقراطيات العربية الهشة والالتي يمكن ان تنشأ الى مساعدات بصورة ماسة اكثر مما احتاجت اليه بولندا او المجر. ولكن من الاصعب مساعدتها ايضاً. ذلك انه ليس هناك الكثير مما يمكن للإدارة عمله لحمل المعارضة السياسية المصرية على الانخراط في العمل السياسي الديموقراطي، كما ليس هناك الكثير مما يمكنها عمله لجعل مرسي يدرك ان فوزك بغالبية برلمانية لا يخولك ان تعامل معارضيك بقسوة. وهذه نظرات ثاقبة لا يمكن اكتسابها الا بالتجربة القاسية. والحقيقة ان الولايات المتحدة لم تعد لديها القدرة. فالتمويل ليس شيئاً تسلفه واشنطن، وانما توفره. وفي ذلك الخصوص فان من يقولون بان الولايات المتحدة اضعف مما كانت عليه مصيبون.
وختم بالنقل عن نصر الذي يجادل بأنّ واشنطن يئست من العالم العربي – والواقع انها يئست الى حد كبير من العالم برمته. واعتقد ان من الاكثر انصافاً القول ان أوباما لا يستطيع عقد صفقة جيدة قد يحب عقدها، وانه مستعد لاستخدام الاطروحة القائلة بانه يجب السماح للعالم العربي ان يقرر مصيره بنفسه. هل هذه سخرية؟ ربما الى حد ما. ولكنها، في رأيي، تمثل الحقيقة لدرجة كبيرة".




