أرشيف - غير مصنف
بدأت بـ(ارحل يا بشار) وانتهت ببلد يمزقه الصراع
البلدة السورية هي درعا حيث تجمع محمد البالغ من العمر 16 عاما وخمسة من أصدقائه لكتابة عبارات بالرذاذ طالبوا فيها بالإطاحة بالرئيس بشار الأسد الذي تحكم عائلته سوريا منذ 40 عاما. آثر التلاميذ أن يعبروا عن غضبهم الناتج عن انتشار الخوف والقمع في البلاد في مدرستهم بحي الأربعين.
وقال التلميذ الذي فر إلى الأردن المجاور لسوريا الشهر الماضي «لم نخبر آباءنا وأمهاتنا قط لأننا كنا نعلم أن ذلك سيسبب لهم المتاعب». وفي ليلة 22 فبراير شباط من عام 2011 كتب تلميذ على جدار المدرسة «لا دراسة لا تدريس قبل ما يسقط الرئيس» بينما اكتفى آخر بكتابة «ارحل يا بشار.»
وقال محمد «بدأت في كتابة، جاك الدور يا دكتور» واستخدم محمد كلمة دكتور للإشارة إلى الأسد الذي درس جراحة العيون قبل وفاة والده الرئيس الراحل حافظ الأسد في عام 2000 تاركا له سلطات واسعة في البلاد التي تعد 23 مليون نسمة.
لكن قوات الأمن المنتشرة في كل مكان رصدت محمد.
وفر الصبية من منازلهم لكن في غضون أيام قلائل ألقي القبض على أصدقاء محمد الخمسة وتتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاما إلى جانب ما يصل إلى 12 صبيا محتجا.
أثار اعتقال التلاميذ والتعدي عليهم غضبا ظل دفينا لفترة طويلة وطفا على السطح في درعا. وانتفضت المدينة احتجاجا يوم 18 مارس اذار أي قبل عامين بالضبط.
وفتحت قوات الأمن النار وقتل أربعة أشخاص مما فجر سلسلة من الاحتجاجات والملاحقات الأمنية. وأحرق تمثال لحافظ الأسد وانتشر هتاف «الله… سوريا والحرية» في المدينة الحضرية شرقي دمشق وفي مدن سورية أخرى. ومع قمع المزيد من المظاهرات حمل المحتجون السلاح.
وفي خضم المجازر التي تلت ذلك فر مليون شخص من سوريا وتشرد ونزح ملايين آخرون وأصبحوا جوعى. ودمرت أحياء بأكملها في مدن تاريخية وأصبح الاقتصاد السوري في حاجة إلى سنوات وإلى عشرات المليارات من الدولارات لإصلاحه.
وأصبح الصراع ذا بعد طائفي، حيث يحارب مقاتلون معظمهم من السنة رئيسا من الأقلية العلوية المرتبطة بإيران يعمق شروخا في قلب منطقة الشرق الأوسط.
وانتظر الأسد – الذي كان ينظر إليه على أنه ربما يكون إصلاحيا رغم عشر سنوات من وعود لم يف بها – أسبوعين ليرد على العنف في درعا. وعندما فعل لم يطرح خارطة طريق للتغيير.
وسخر الأسد من «صرعة جديدة يسمونها ثورات» وقال إن سوريا تواجه مؤامرة وإنها ستخرج منها منتصرة.
وأضاف الأسد في خطاب أمام البرلمان في نهاية مارس آذار من عام 2011 «اليوم هناك صرعة جديدة هي ثورات بالنسبة لهم… لا ينجح هذا النوع من المؤامرات ونقول لهم لا يوجد خيار أمامكم إلا أن تستمروا في التعلم من فشلكم.»
وبحلول نهاية أبريل نيسان أرسلت دبابات إلى درعا في محاولة لقمع المعارضين واعتقل الالاف. وأفاد نشطاء حقوقيون فيما بعد بانتشار التعذيب والإعدام دون محاكمة.
ومع انتشار الاحتجاجات إلى ساحل البحر المتوسط والمناطق الشمالية الريفية التي تحد تركيا ومحافظة دير الزور الشرقية المنتجة للنفط ارتفع سقف المطالب إلى «إعدام الرئيس.»
وقالت سوريا إنها تواجه مؤامرة دولية واتهمت متشددين مدعومين من الخارج بتأجيج العنف.
وتبلور التحول إلى انتفاضة مسلحة بإعلان انشقاق المقدم حسين حرموش وانضمامه إلى «الجيش السوري الحر» الذي سيصبح فيما بعد القوة الرئيسية التي تجمع فصائل مقاتلي المعارضة.
وصعد الأسد من رده العسكري بحملة أمنية في مدن دير الزور وحمص وحماة المضطربة. ومع زيادة عدد القتلى أصبح مجلس الأمن الدولي المنقسم في وضع حرج فالصين وروسيا أعاقتا مشروعات قرارات تدين الأسد مما جعل الدول الغربية تلجأ إلى الخطب الرنانة والعقوبات.
وتردد الغرب الذي سارع بمساعدة الانتفاضة الليبية ضد العقيد الراحل معمر القذافي قبل التدخل في سوريا خوفا من صراع إقليمي بسبب الطائفية المعقدة في سوريا والمزيج العرقي وصلات الأسد الوثيقة بإيران وحزب الله في لبنان وفلسطينيين يعتبرهم الغرب متشددين.
وتحدثت تقارير من حمص الواقعة في وسط سوريا والتي تعيش فيها أغلبية سنية وأقلية علوية كبيرة عن تصاعد عمليات القتل والانتقام.
وصعد الأسد من رده العسكري في حمص في مطلع عام 2012 وأمطر معاقل المقاتلين بقذائف المورتر ونيران المدفعية. وانسحب المقاتلون من حي بابا عمرو آخر معاقلهم الكبيرة بعد حصار دام 26 يوما وأصبح رمزا لضراوة الصراع.
وبعد ستة أشهر من القتال في حمص نشأت جبهة قتال جديدة في حلب عندما تدفق المقاتلون من المناطق الريفية النائية لخوض المعارك في أكبر مدينة سورية وفي المركز التجاري الشمالي.
وفي غضون أيام فقدت قوات الأسد نصف حلب وللمرة الأولى لجأت إلى استخدام طائرات هليكوبتر حربية وطائرات مقاتلة ضد المعارضين المسلحين تسليحا خفيفا.
وبعد أن وصل القتال على الجبهات إلى حالة جمود حصل المقاتلون على أسلحة أكثر فعالية بعضها صادروه من قواعد عسكرية كما تم تهريب أسلحة أخرى من تركيا والأردن ولبنان. وردا على ذلك صعدت قوات الأسد من ردها مجددا وبحلول مطلع عام 2013 أصبحت تطلق الصواريخ – وربما كان من بينها صواريخ سكود – على المناطق السكنية.
ومع زيادة تسليح مقاتلي المعارضة تراجعت قوة الأسد كثيرا. ويقول المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن إن قوة الجيش السوري انخفضت إلى النصف ووصلت إلى حوالي 110 ألف فرد بسبب الانشقاقات والخسائر في المعارك.
وأضاف «يمكن للنظام ضمان ولاء القوات الخاصة وأغلبيتها من العلويين والحرس الجمهوري والفرقتين الثالثة والرابعة فحسب – أي ربما 50 ألف جندي في المجمل.»
وتقول إسرائيل إن إيران وحزب الله شكلتا جيشا قوامه 50 ألف جندي من رجال الميليشيا السوريين لدعم الجيش.
وتواجه قوات الأسد انتفاضة أصبح مقاتلوها أكثر تدريبا وتسليحا. وقال قيادي بارز للمقاتلين السوريين إن ضباطا أميركيين شارفوا على الانتهاء من تدريب أول وحدة من مقاتلي المعارضة السورية في الأردن على استعمال الأسلحة المضادة للدبابات والطائرات. ويملك مقاتلو المعارضة الذين يسيطرون حاليا على قطاع من الأرض يمتد من الضواحي الشرقية لدمشق إلى الجنوب الغربي من العاصمة ذخيرة خارقة للدروع ودبابات استولوا عليها خلال الصراع مع قوات الأسد.
لكن الرئيس السوري الذي يبدو أنه لا يشعر بأي وخز للضمير بسبب استخدام القوة، قارن الدماء التي أسالتها قواته ولطخت يديه بالدماء التي على يدي جراح يحاول «إنقاذ مريضه». ونجح الأسد حتى الان في الحيلولة دون سيطرة مقاتلي المعارضة على وسط دمشق.
وربما تقل الخيارات أمام الأسد لكنه توعد مرارا بسحق المقاتلين ورفض أي حديث عن اللجوء للخارج في إطار صفقة لإنهاء الصراع.
وقال الأسد في مقابلة مع التلفزيون الروسي في نوفمبر تشرين الثاني «أنا لست دمية ولم يصنعني الغرب كي أذهب إلى الغرب أو إلى أي بلد آخر. أنا سوري أنا من صنع سوريا وعلي أن أعيش وأموت في سوريا.»




