واشنطن بوست: انتهاكات حقوق الإنسان تزيد الانقسام بين الحكام والمحكومين في السعودية

 

تعليقًا على الحكم الصادر من المحكمة الجزئية السعودية على ناشطين من ناشطي حقوق الإنسان في السعودية، أوضحت الكاتبة الأمريكية « كارين إليوت هاوس» المختصة بالشأن السعودي، في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، أن هذه الخطوة تشير إلى تنامي الفجوة بين الشعب السعودي والنظام الحاكم، كما أشارت إلى أن الدعم الأمريكي للنظام السعودي يهدد بتراجع مكانة الولايات المتحدة بين السعوديين.
 
وقالت إن الحكم الذي أصدرته محكمة سعودية نهاية الأسبوع الماضي على ناشطين حقوقيين بالسجن عشر سنوات يعد أكثر أهمية من المصير الحزين الذي ينتظر الناشطين السياسيين المعتدلين اللذين داوما على الدعوة إلى إقامة ملكية دستورية واحترام حقوق الإنسان. وهذه القضية صورة مصغرة من المعضلة السياسية التي تواجه آل سعود، وبالتالي فهي تمثل تحديا لسياسة الولايات المتحدة، والتي تدعم – من إدارة لأخرى – النظام من خلال السكوت عن التجاوزات السعودية في مجال حقوق الإنسان.
 
 حيث اتهم المعارضين محمد فهد القحطاني وعبد الله الحامد، بكثير من التهم ، من بينها إثارة الفتنة، وتقديم معلومات غير دقيقة لوسائل الإعلام الأجنبية وتأسيس منظمة حقوق الإنسان غير مرخصة، وهي جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية المعروفة باسم ( حسم). ولا تسمح المملكة العربية السعودية بتأسيس حركات المجتمع المدني أو أية منظمات سياسية. غير أن القحطاني قرر منذ فترة طويلة أنه سيسعى لإحداث تغيير في المملكة، وفي عام 2009 أخبرني أنه “سيتحدى النظام ويحاول تغييره من الناحية القانونية،” بحيث يعيش أطفاله الصغار في مجتمع حر.
 
إن القحطاني ليس قاذف القنابل. ومن خلال حوارنا، أشار إلى حصوله على الماجستير في الاقتصاد في عام 1993 من جامعة تمبل في فيلادلفيا، ,اوضح أنه حين ذهب إلى أمريكا كان حريصًا على تجنب لحم الخنزير، وخلال إقامته في الولايات المتحدة تمكن من تجنب لحم الخنزير غير أنه كان متشوقًا للحرية.
 
ولعب القحطاني والسلطات السعودية لعبة القط والفأر تقريبا منذ عودته إلى الرياض في عام 2003 لتعليم الاقتصاد في وزارة الخارجية السعودية. وكالعادة يفضل النظام رشوة أو شراء المواطنين المشاكسين عن ضربهم أو سجنهم، إلا أنه عندما تفشل الأساليب المفضلة لديه، فإن نظام آل سعود، مثل معظم الحكام المستبدين العرب، يمكن أن يصبح عنيفًا. وفي عام 2008، استضاف التلفزيون الحكومي القحطاني ليقدم برنامجًا عن الشئون الحالية. ولكن بعد أن ساعد في تأسيس جمعية (حسم )عام 2009، تم إلغاء برنامجه. بهدف تغيير السلوك أو على الأقل التأكد من أن المعارضة لا تتجاوز الكلام إلى الإجراءات.
 
ورغم ذلك استمر القحطاني وزملاؤه في نشاطهم الحقوقي، ففي عام 2010 كتبوا رسالة مفتوحة إلى الملك عبد الله يطالبون فيها بالإصلاح القضائي ويدعون الأمة إلى “الانخراط في النضال السلمي لمقاومة الطغيان.”
 
ولأن معظم السعوديين يعتمدون على الوظائف الحكومية، أو العطايا السخية، فإن التحدي الصريح أمر نادر الحدوث. حيث يلاعب النظام المواطنين أو يضايقهم، مثل القط مع فأر خجول، لكنه يحاول تجنب إثارة غضب الشعب. وبعد تنامي ثورات الربيع العربي، فحتى في المملكة العربية السعودية أصبح المواطن سهل الانقياد أكثر حزمًا.
 
وأخيرًا عبر القحطاني وجمعية (حسم) الخط الأحمر في يناير 2012 حين طالبوا الملك بتنحية ولي عهده الأمير نايف، الذي كان حينها يتولى وزارة الداخلية ويشرف على الأمن الداخلي وكان مسئولا عن سجن عدد من المواطنين السعوديين دون توجيه اتهامات أو محاكمات. وقد تحدى هذا الطلب حظرًا صريحًا (والذي صدر بعد بدء الربيع العربي) على انتقاد العائلة المالكة، أو هيئتها الدينية التي تسايرها، ورغم أن الأمير نايف توفي بعد فترة وجيزة، وورث ابنه منصبه، وتضاعفت الاحتجاجات السعودية ولكنها ما زالت على نطاق صغير.
 
ولم تنتشر حملة القحطاني ضد القضاء الذي يحتجز السعوديين دون توجيه اتهام على مواقع وسائل الإعلام الاجتماعية مثل تويتر والفيسبوك فقط، ولكن قامت النساء السعوديات المنتقبات – أمهات وزوجات وبنات المسجونين – بتنظيم احتجاجاتأمام وزارة الداخلية في الرياض. والأسوأ من ذلك بالنسبة للنظام، أن بعض رجال الدين أيدوا مطالب النساء من خلال مطالبة الملك بحل القضية بسرعة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد امتدت الاحتجاجات إلى بريدة، معقل الإسلام الوهابي، حيث قمت النساء في فبراير الماضي وبلا خوف بإحراق صورة وزير الداخلية الجديد (محمد بن نايف) أمام كاميرات الأمن.
 
وعلقت الدكتورة والسياسية السعودية المعارضة مضاوي الرشيد على موقع مونيتور يوم 28 فبراير “إذا تجاهلت الوزارة هذا النشاط الجديد، فسيكون كارثة على سطوتها” مضيفة أن وزارة الداخلية “إذا قمعت ذلك النشاط، فسيصبح الأمر كارثة، ولن يطول تسامح السعوديين مع الأجهزة الأمنية التي تتطاول على نسائهم”.
 
وعلى الرغم من أن محاكمة القحطاني وحامد قد استمرت تسعة أشهر تقريبا، إلا أنها انتهت سريعًا فجأة. حيث أمر القاضي بالسجن لمدة عشر سنوات، وحكم بحل جمعية حسم، ومصادرة أصولها. فقد توسع التحدي الذي بدأه القحطاني وزملاؤه ليتخطى أزمة منظمة حقوق إنسان غير مجازة إلى التحقيق قي سلطة النظام، وهو الأمر الذي يجب أن يتوقف.
 
ورغم الجهود الرامية إلى أطفأ الخطر الذي تشكله المعارضة خاصة في مجتمع يضج بالاستياء غير المعلن في الغالب. وقد علق الشيخ سلمان العودة، على موقع تويتر، بعد صدور الحكم، قائلاً : ” السجون والتضحيات ترسخ الأفكار وتجمع الناس حولها”.
 
 ويمارس الحكام السعوديين المعمرين إستراتيجية معاوية، خليفة المسلمين، حيث رد معاوية بن أبي سفيان عندما سئل كيف حكمت أربعين سنة في حين قتل ثلاثة من أسلافه الأربعة، فقال “إن بيني وبين الناس شعرة إذا أرخوا شددت, وإذا شددت أرخوا “. ولا تزال تلك الفلسفة تصف الهامش الدقيق للتغيير في المملكة العربية السعودية. إلا أن الانقسامات المتزايدة بين الحكام والمحكومين في المملكة تشير إلى حرب جذب شديدة تهدد بقطه هذه الشعرة.
 
وحتى الآن ما زالت إدارة أوباما، مثل الإدارات الأمريكية السابقة، صامتة حول انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية ومضايقة الناشطين الحقوقيين الذين كانت خطيئتهم هي طلب التغيير السلمي فقط. إلا أن هذا الدعم الأمريكي ضعيف ولا يقلل من خطر التحدي السياسي للعائلة المالكة، بل لا يؤدي إلا إلى تفاقم المخاطر التي تهدد بتآكل المكانة الأمريكية بين السعوديين.
 
ترجمة بسام الحومي ـ رؤية
Exit mobile version