أرشيف - غير مصنف
قراءة في الواقع السوري

لما كانت سوريا على مر العصور والأزمان تتمتع بموقع استراتيجي وجغرافي مميز ولها مكانتها الدينية والحضارية في لب الحضارات الانسانية على مر الزمن فكانت محط أنظار أية دولة في طور تصدر القوة والتربع على عرش العالم وكانت لما لها من هذه المكانة أرض صراع تتنازع عليها قوى الحق والباطل وتلتقي بها تيارات القوة المغربة والمشرقة والتي تسير باتجاهات مختلفة بحكم القوانين البشرية التي قامت البشرية عليها وفي نهاية القرن التاسع عشر وكان العالم قد خرج من الحرب العالمية الثانية وقد أفرز مجموعة من التيارات السياسية والعسكرية التي تسود العالم ونظرا لمكانة العالم العربي ومكانة سوريا على وجه الخصوص كان لا بد من أن يُتفق على صيغة معينة تضمن القوى العالمية فيها إحكام سيطرتها على هذه المنطقة وإخضاعها إلى أمد من الزمن بعيد، فبدأت التكتلات الحزبية وبدأت عملية بناء الانظمة القمعية التي تقوم على سياسة عزل النظام عن الشعب وإعطاء الحكومة القائمة دورا في إخضاع الشعوب وتطييعها، وفي الوقت نفسه كان أن أُوجدت اسرائيل وهي الكفيل الوحيد والمراقب الدائم على استمرار تنفيذ هذه المخططات على الوجه الأكمل في هذه المنطقة، وكان لا بد لهذه الحكومات أن تحمل راية المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني وتخضع الشعوب باسم التصدي لهذا العدو المفترض الذي بايعته الأنظمة وبصمت له بكل امكانياتها، ولعل من أكثر الانظمة التي خدمت هذا الكيان الذي نخر في جسد العرب والعروبة هو النظام السوري متمثلا بآل الأسد حيث عمدوا لإفراغ الشعب في سوريا من كل مقوماته الفكرية والدينية والثقافية والاقتصادية، وتركوه هائما على وجهه تتقاذفه الأمواج يمنة ويسرة تسبك قناعاته بأن نظام آل الأسد هو النظام الممانع الوحيد الذي يقف في وجه كل خطر يهدد أمن سوريا وأمن الوطن العربي بوجه عام، وتقويه سياط الأمن التي ألهبت جسد هذا الشعب وفكره وكل تركيبة جسده وبعد مرور خمسين عام والحال على ما هي عليه من ظلم وقمع واستبداد كان لا بد أن يصحوا هذا الضمير الذي اخمدته عنجهية هؤلاء الطغات ويعلوا الصوت الذي أصموه طوال هذه السنوات وينتفض الشعب عن بكرة أبيه مطالب بحقوقه التي سلبت، وكان لغباء النظام السوري كل الدور في اتساع رقعة المطالب الأمر الذي جعل الحقائق تظهر بوضوح وبدأت تتكشف الأمور التي سعى النظام جاهدا على تغطيتها وتخبيئها وبدأت تسقط الممانعة والمقاومة وبدأ النظام يظهر على حقيقته كلما اتسعت رقعة الاحتجاجات وطال أمدها، حتى وصلت الثورة المنادية بالحرية والإصلاحات إلى أزمة عالمية انخرط فيها العالم بأثره غربه وشرقه وكل أطيافه وبدأ كل يستغل هذا الواقع لينفذ مآربه واصبحت الثورة في سوريا قلبا نابضا وضوء مسلطا على كل عتمة حرصت كل الأنظمة في العالم على سترها عن العيون والعقول.
الثورة في سوريا اليوم ليست ثورة شعب على نظام لقد تخطت ذلك الأمر وفاقت تلك المساحة وليست حربا طائفية كما يروج لها إنها اليوم معجزة حقيقية ستغير مجرى الحياة السياسية والاقتصادية، وإن تلاقي القوى العالمية على أرض سوريا اليوم جعل الثورة فيها أمر عصي الحل وجعلت من اللبيب حيران فإسرائيل قامت ولا تزال تقوم على التفرقة التي تحصل في البلاد العربية ومن ثم على التفرقة والشتات الذي تتجه إليه سوريا شيء فشيء وهي لا زالت تعمل على نظامها القائل فرق تسد وأمريكا خوفها بعيد المدى وما تخشاه أن تخرج الفوضى عن قبضتها وتتحول إلى بوسنا أخرى وروسيا لها ما لها وإيران تعتبر الحرب في سوريا حرب وجود لها فأما أن تخمد الثورة وتعيد قبضتها على المنطقة وإما أن ترحل عن سوريا وبالتالي فإن في ذلك مؤذن بزوال أيران عن الوجود.
كل هذه الاحتمالات أصبحت واضحة وضوح الشمس ولم تعد تخفى على صغير او كبير والأمر الأهم من هذا وذاك ما يحصل في البلاد العربية ومصالحها التي بدأت تجدها في الثورة السورية حيث بات واضحا للجميع أن انتصار الثورة في سوريا هو بداية لثورات أخرى في عدد من البلاد العربية التي كلنا بات يعرفها فما كان من تلك الانظمة التي امتهنت الاجرام وتمرست به إلا أن تعمد إلى نشر ثقافة الجهاد في نفوس الشباب الذين من الممكن أن يكونوا وقودا للثورات في بلادهم وبدؤوا يسهلوا لهم طريق ذهابهم لسوريا معتمدين على الدين تارة وعلى الحماسة والحمية التي يبثوها في نفوسهم تارة أخرى وعلى أهمية سوريا وواجب العرب في نصرتها فيكسبوا بذلك مكسبين الأول يقوموا بإفراغ بلادهم من الشريحة المغامرة والتي قد تشكل شرارة قوية لثورة منتظرة في عدد من هذه البلاد والثانية تحجيم الغضب الشعبي الذي يطالب بمساعدة السوريين بمحنتهم التي يمرون بها.
وفي ظل هذه الامور مجتمعة فإن انتصارات الثوار أصبحت وشيكة بأن تنهي المعركة وبالتالي فإن كل الحسابات التي حسبت لن تجدي نفعا وإن حساب الحقل لن يطبق على حساب البيدر وإن قرار العالم في إطالة امد الثورة بدأت تظهر سلبياته واضحة للجميع فالخوف من وصول الإسلامين أوصل الإسلامين إلى ذروة الثورة وصدارتها والخوف من تهديد مصالح اوربا وامريكا لن يدع لها في هذا البلد نصيب والخوف من أن لا يبقى لإيران وجودا بالمنطقة قطع كل صلة لإيران بها وإن طال وجودها في المنطقة لفترة أخرى من الزمن وفتوى آية الله احمد حسون اليوم فتحت باب للجحيم أمام أتباع المهدي الذين اشترى كل منهم حصته بالجنة وضمنها له الخميني وجاء ليلجها في سوريا تعتبر اعتراف واضحا من النظام بأن وجوده في سوريا أصبح يقاس بالسنتيمترات وأنه بقائه أيام لا تزيد عن أصابع اليد لمن أراد عدها.
تبقى الثورة اليوم هي الرهان الوحيد الذي يراهن الجميع عليه وبما أنها صمدت إلى هذه المرلحة ولا زالت في طور القوة فلن تثمر إلا عن نصر قريب يقلب وجه العالم رأسا على عقب ويجعل من المخططات التي تحاك لهذه المنطقة أوراق بالية تعبث بها رياح الثورة كيف تشاء وبين هذا وذاك يبقى السؤال الوحيد الذي لم يجد إجابة إلى هذه الحظة ماهو مستقبل سوريا وما حال الذين حملوا الثورة على أكفهم وأطعموها من دمائهم فهل سيبقى شغلهم الشاغل العمل على تقوية الثورة أم أنه آن الأوان لأن يفكروا بالطريقة التي تنتصر فيها الثورة
احمد عاصي
ادلب جبل الزاوية




