أرشيف - غير مصنف

(حرباية ومهيبر وبحبك يا حمار وواطية وكذابة) نماذج عن الكلمات الهابطة في الأغنيات

 

وصف حال الزمن بالتافه لم يعد جديداً. تكررت العبارة في شكل دولاب، حتى اعتادتها الأذن وألفها اللسان. مثل الفطريات التي تتكاثر في الرطوبة، هي الأغنيات حين ترفع الشعار المؤسف: "حسب السوق بنسوق". المغني، أو المغنية، أمام الفن الهابط، أشبه بدمى ناطقة بقوة بطارية لا تستغرق طويلاً، فما إن تنتهي صلاحيتها حتى تُرمى جانباً وتُنسى تدريجاً. ظنّ البعض ان "الزقاقية" تصنع نجوماً وتبني لها عروشاً على أكتاف جمهور يمشي في الشارع وهو يصفّق.
 
الأغنيات، باحتيالها على المُشاهد أو المستمع كي يُعترف بها، تدخل عالم التجارة، شأنها شأن بيع الغسالات. التلميذ المهمل، وكلما اقترب موعد الامتحان، ينهمك في التفكير بآلية أكثر "ذكاء" للغش توفر عليه تعب الدراسة. كذلك يفعل بعض من يروقه النجاح بأيما طريقة. فارس اسكندر ووالده "المودرن" محمد، يحركان السوق من الجانب المثير للثرثرة، ثم يراقبان ردود الأفعال. الاشكالية التي قد تظل عالقة: الجمهور متواطئ أم ضحية؟ الراديو والشاشة حين يستخفان بالعقول، لمَ لا يحاسبان؟ لمَ القبول بما هو غبي من دون عقد الحاجبين؟ الجمهور العربي مستهلك، والاستهلاك يعني تفاعلاً أحادياً مع الآخر، وأحياناً لا تفاعل.
أحد الصبية في مصر يدعى سعد الصغير، أدى "أغنية" للجمهور: "بحبك يا حمار". كلمات كُتبت على هذا الشكل، فغنِّيت بدل ان تُرمى بالمكبّ: "بحبك يا حمار. ولعلمك يا حمار، أنا بزعل أوي لما حد يقلك يا حمار…. لا تقولي بقرة ولا جاموسة. والنعمة بتستاهل بوسة. حمار أصيل. بلدي وأصيل…"! الفكرة التي لن تكفّ عن التكرار في النص الصعيدي: حفل زفاف يجمع رجلاً بعروس غير راضية، أضواء من النوع الذي يُستعمل في تزيين شجرة الميلاد، وحشد بشري ضخم يرقص بفوضى في غرفة ضيقة. الشعبوية السيئة في مصر لها مؤديها بأعلى الأصوات. أمينة في "أركب الحنطور"، واحدة منهم. الكلمات تعبّر عن كمية الصراخ المختزن في حنجرة امرأة: "يا عم يا بتاع الحنطور، يا ما نفسي أركب الحنطور واتحنطر"! حمادة هلال، ورغم اليأس الكامن في أغنياته، حين أراد وصف حال يُحار أكانت كرهاً أو تحدياً، قال: "أنا المسطول وأنا بتطوّح (…) أه ياما أه يابا، دي عيلة واطية وكذابة". الشتائم، مثل مطلقيها، لا تملك شيئاً تخجل منه أو عليه.
في لبنان، ميريام كلينك قدّمت لـ"عنتر" شيئاً يُقال له حين يُلحَّن أغنية، ثم ارتقت بألفاظها: "نياء، تفه"! كلمات بعض الأغنيات تشبه كلينك وهي تنكبّ ورقة بيضاء لتؤلف. مخطئ من يبدد الفوارق ما بين نموذج دون المستوى وآخر. جو أشقر، حين تلاعب بالكلمات عن سابق تصوّر وتصميم بواحدة من أتفه الأغنيات، "مهيبر"، وحين يكرر "ما شتقتيلي يا كذابة"، يقدّم صورة عن مغنين يلطخون سمعة الفن بكلمات تصلح لبرامج نكات من النوعية العفنة على الشاشة. 
مغنّون كثر، واتجاه واحد: النزول. عامر زيان يصدر الأوامر: "ضبي غراضك شو ما كنتِ ما بيطلعلك فرصة ويلا تضبضبي". ربيع الأسمر يسأل امرأة من المفترض انه أحبها يوماً: "وين رايحة يا بس بالاسم إنسان؟ وين رايحة يا تحت التبن ثعبان؟ روحي يا حرباية لعبي ع غيري بالألوان، روحي يا عنكبوت انصبي لغيري هالخيطان"! النمال تتكاثر حول قطعة حلوى مغمّسة بالسكر، وكذا يفعل البعض حين يشتمّ رائحة الشهرة. لناجي الأسطا "ستيل" الخاص بمغازلة المرأة: "كذابة انتِ". مارك عبدالنور يقود أغلى أنواع السيارات ويقول: "بس الشغلة اللي ما عرفتيها إني مقضي لمصدي"! مؤسفة حال بعض الفيديو كليبات حين تفرغ من كل شيء إلا من المجوهرات والهواتف الذكية والسيارات الفخمة. والمؤسف أكثر، حين تخذل كلمات معظم الأغنيات ذوق المتلقي، فتخسر احترامها لنفسها قبل احترامه لها.
 
فاطمة عبد الله

زر الذهاب إلى الأعلى