لم أكن أعلم أن مصر يوجد فيها جهاز لحماية المشاهد، وعندما علمت، لم اعرف أي جهة يتبع هذا الجهاز، فمصر في مرحلة الفوضى تحتاج إلى جهاز لحماية المشاهد، وآخر لحماية القارئ، تماماً كما أن فيها جهازاً لحماية المستهلك.
بحسب معلوماتي أن المجلس الأعلى للصحافة به متخصصون مهمتهم الإمساك بخروج الإعلام المقروء عن قيم مهنة الصحافة، لكن تقاريره في النهاية لا يهتم بها أحد، والاهتمام أحياناً يتمثل في نشر بعض مقتطفات من هذه التقارير عندما تتم الإشادة بالجريدة المحتفية، وهي تقارير كانت تصدر لتوفير فرص عمل للقائمين عليها ومجاملتهم للتوسعة علي عيالهم، فهم من أهل الحظوة، ومبلغ علمي أن الأمر توقف بعد الثورة، لان المجلس كان مجاوراً للحزب الوطني الحاكم في مقره (العامر) بالظلم، وقد جري إحراق المبني بالكامل، ليقضي المجلس الأعلى ما تبقي له من عمر لاجئاً، في بناية وكالة أنباء الشرق الأوسط، وهو في طريقه للحل، بعد أن نص الدستور الجديد علي أن جهاز جديد سيقوم علي الإعلام، قالوا انه سيكون مستقلاً عن السلطة، وأشك في هذا كثيراً.
وعندما أخبرني الزميل محمد نجم الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة أن المجلس بصدد العودة إلى إعداد تقارير مراقبة الأداء، قبل أن يأتيه هازم اللذات ومفرق الجماعات، أشفقت علي من سيتولون هذه المهمة، لأن الخروج الصحافي علي قيم المهنة بات هو ما يميز صحافتنا علي نحو صار يعتبر علامة تجارية مميزة لصحافة مصر في مرحلة ما بعد الثورة، إذ صارت صحافة محكومة بأجندات خاصة في مجملها، وهي تستبيح كل شئ في سبيل التخديم علي الأهداف التي تعمل من أجلها، والتي كانت مسيطرة علي أصحابها في مرحلة التأسيس.
ومن الملاحظ أنه في كل فضائية يوجد برنامج عن الصحافة المكتوبة، وهو وان كان يعتمد علي المنشور في هذه الصحف في أدائه لمهمته، فإنه يمثل ترويجاً لها، ولم أعثر حتى كتابة هذه السطور علي برنامج يقوم بنقد ما هو منشور، والنظر في مدي اتساقه مع قواعد وقيم العمل الصحافي، لأنه إن وجد هذا البرنامج فسوف يكون في عداء مع كثير من الصحف التي تحركها أجندات خاصة من أصحاب رأس المال، حتى وان كان المالك هو الدولة، كما في الصحف القومية.
هذا فضلاً عن أن كثيرين من الذين يقدمون هذه البرامج هم نتاج مرحلة الخروج علي هذه القيم، فنشاهد أحدهم وقد تقلد دور السيد ناظر المدرسة، فيضرب بيده علي المنضدة التي أمامه، ويتحدث بطريقة، لا علاقة لها بطبيعة عمله، وذات مرة شاهدته يصرخ فخشيت أن ' يطق له عرق'، لكن الله سلم، وأصبحت علي يقين، من أنه حتماً سيموت وهو يقدم البرنامج، ليصبح شهيد الحب العذري، ونجيب ساويرس يفخر بأنه من اكتشفه، باعتباره مكتشف النجوم وباعثها من وسط الركام.
كثير من مقدمي البرامج في الفضائيات المصرية، ما ظهر منها وما بطن، صاروا يقومون بدور الموجهين السياسيين، وأفسدوا الذوق المصري، علي نحو أشفقت فيه علي مني سلمان عندما علمت أنها تعاقدت مع قناة ' دريم'، فهل يمكن للمشاهد المصري أن يتقبل الإعلامي المهني بعد حالة الفوضى الإعلامية التي تعيشها مصر؟!.
التلبك العقلي
قديماً قال لي صحافي كبير أنه توقف عن قراءة احدي الصحف، التي تخلط الخبر بالرأي بالموقف السياسي، حتي لا ينسى الصحافة، فهل يوجد بين ظهرانينا من لا يزال يتذكر طبيعة عمل المذيع؟.. وسط حالة الانفلات الإعلامي، التي هي كفيلة بأن تصيب المشاهد بالتلبك العقلي، علي وزن التلبك المعوي، ويصبح مطلوباً من المشاهد أن يعرض نفسه للكشف الدوري للتأكد من سلامة قواه العقلية، فعندما أشاهد لميس الحديدي ليومين متتاليين أشعر أن شيئاً ما في أعلي الرأس قد توقف!.
ولهذا فإنني اهرب إلى فضائيات أخري من باب العلاج النفسي، وحتى لو كانت لمقدم برنامج فيها وجهة نظر يريد فرضها، فان هذا يتم بمهنية عالية، وقبل أيام كنت أشاهد علي قناة ' الميادين'، مذيعة 'من زمن السمن البلدي'، وتمتع بجمال هادئ وقور، وبعض المذيعات يبالغن في استخدام مكسبات اللون، فلا يخالطنا شك أننا أمام 'عروسة المولد'.
مذيعة ' الميادين' لم أتمكن من معرفة اسمها، وموقع المحطة علي الانترنت، لا يقدم بيانات عن العاملين فيها، علي العكس من الجزيرة التي تفعل هذا، لكن راعنا انه لم توجد مذيعات في الجزيرة مع اختلاف البيئات والثقافات كتبت تاريخ ميلادها، فالمرأة تقف بسنها عند الثلاثين حتى وان بلغت أرذل العمر وكانت في سن سوزان مبارك.
لقد كانت مذيعة ' الميادين' تستضيف شخصية لبنانية منحازة لأهل الحكم في سورية، ولم يكن يساورني شك أن من تحاوره معه في نفس الخط، لكن لا يستطيع المشاهد أن يمسكها متلبسة بذلك.
عندما ناقشت مع أحد الزملاء الحاجة إلى برنامج تلفزيوني دوره أن يقوم بعملية نقد لما ينشر في الصحف، وليس الترويج له، ذكرني بما نسيت، فالفكرة علي وجاهتها لن تجد شاشة تحتفي بها، لأن الشاشات ليست محايدة، وكثير منها تعتمد في رسالتها الإعلامية علي المنشور في هذه الصحف من أكاذيب لتوافق الأجندات، وقد تلاشت الحدود الفاصلة بين ما ينشر في الصحف ويكتبه مهنيون، وما يروج عبر شبكة التواصل الاجتماعي ويقوم عليه هواة ومغرضون، وكثير مما يبث علي مواقع التواصل علي انه أخبار، يعاد نشره في الصحف في اليوم التالي دون تحري الدقة حوله.
وبحكم الاحتكاك تنتج علاقات الصداقة، التي تحول دون النقد، وبرنامج باسم يوسف، فقد كثيراً من بريقه، عندما جعل تركيزه كله ينصب علي أداء الرئيس محمد مرسي، لدرجة أنني أتوقع له فشلاً ذريعاً إن لم يعد إلى سيرته الأولي عندما كان ينقل للمشاهد حجم التناقض في كلام مقدمي البرامج، وبعضهم سعي لركوب قطار الثورة، حتى يظن المشاهد أنه من فجرها، لكن أرشيف باسم يوسف كان لهم بالمرصاد وكشف هذا التناقض!.
وبعد الحلقات الأولى في ' سي بي سي'، التي كانت كالرصاص الحي ضد هؤلاء العابثين في المشهد الإعلامي، بدا واضحاً أنهم تحولوا إلى أصدقاء، وشاهدناهم يحرصون علي حضور تسجيل حلقاته، ويجلسون في مقدمة الصفوف، حيث يرحب بهم صاحبنا، ويسعد لوجودهم، وربما يعتقد أن حضورهم يعطي برنامجه قيمة للتأكيد علي أهميته، وقد كان برنامجه مهماً بدون حضورهم، وكان بمثابة طلقة في عالم التقديم التلفزيوني، ولم يعد لباسم سوي الرئيس محمد مرسي، وهذا الذي أطلق عليه ' خميس' ويعمل في قناة الإخوان ' مصر 25'، وهو اكتشاف بديع، فالمنقول علي لسانه جعلني اسعي لمعرفة موعد تقديمه لبرنامجه لكي أشاهده..
الفبركة والافتعال
والمعني، أنه لو جرت صفقة بين أهل الحكم وصاحب ' سي بي سي'، فلن يجد باسم يوسف ما يفعله، وقد يترك مجال التقديم التلفزيوني بدون طلب من أحد ليعود إلى عيادته فهو طبيب متخصص في أمراض القلب.. بالمناسبة من صاحب ' سي بي سي'؟!
ما علينا، فلم أعلم أن لدينا جهاز لحماية المشاهد، إلا عندما قرأت تقريراً صدر له، وربما كان هذا الجهاز هو جمعية من الجمعيات الأهلية، وليس هذا هو ' مربط الفرس'.
فقد جاء في التقرير ما ادهشنى لهذه القدرة الخارقة علي الفبركة والافتعال، عندما رصد أن لميس الحديدي علي ' سي بي سي' قد أذاعت فيديو لعملية تزوير الاستفتاء علي الدستور في محافظة البحيرة، وذلك في المرحلة الأولى من هذا الاستفتاء، ليتبين أن البحيرة كانت من ضمن محافظات المرحلة الثانية، وأن اللقطة خاصة بانتخابات جرت في عهد المخلوع، عندما كانت المذكورة من ضمن العاملين في البلاط، ومن المعروف أن لها محاولات عدة، لإعادة تقديم نفسها علي أنها ملهمة الثورة، اعتماداً علي ضعف ذاكرة الناس، لكن باسم يوسف قبل مرحلة ' حبايبنا الحلوين' نقل لنا لقطات لها وهي تدافع عن النظام البائد، ولم تصاب باليأس حتى الآن، لكن هذه الفيديوهات صارت في حوزة الجميع، وان باع باسم يوسف القضية، انحيازاً لأصدقائه الجدد الذين يقومون بتشريف برنامجه فيشعر بالحبور، ويتأكد له انه صار من علية مقدمي البرامج في ' سي بي سي'.. مرة أخري من صاحب ' سي بي سي'؟!
بيد أن الإعلام المصري ليس فقط لميس الحديدي، وبعلها، وليس فقط في المنتمين للمدرسة العكاشية ومن إبراهيم عيسي إلى جابر القرموطي، الذين أسسوا لمرحلة غير مسبوقة في التقديم التلفزيوني، وهي مرحلة الإذاعة المدرسية، عندما أصبح التقديم التلفزيوني ليس أكثر من خطبة مفككة، تمثل تدريباً علي الخطابة، والسلام.
في مجال التقديم التلفزيوني لدينا حافظ المرازي، وحسين عبد الغني، ويسري فودة، وقد انضمت إليهم مني سلمان عبر قناة ' دريم'، وهم من يمثلون بأدائهم دور الطبيب النفسي الذي نهرع إليه، حتى لا نصاب بالتلبك العقلي، ونخرج للشوارع لتنظيم المرور، من جراء أداء مقدمي آخر الزمان.
أرض جو
– عين وأصابت ' النيل الثقافية'، هي عيني أنا بالتأكيد، فقد كنت من ضيوفها أحياناً في زمن صفوت الشريف شخصياً، وكان القول لأنها محطة لا يشاهدها المسؤولون فلا يتم التدقيق في ضيوفها أو الموضوعات التي تعالجها، لكن صلاح عبد المقصود وزير الإعلام في عهد الثورة انتبه لها، وقرر بداية من شهر ابريل المقبل حظر تعرضها للقضايا السياسية، فهي قناة ثقافية، عليها أن تناقش الأدب وقضاياه، وتعالج أزمة الشعر العربي الحديث، وتحاول البحث في أسباب ضعف الرواية.
انه زمن الإخوان!
– الحمد لله والشكر لله، فريهام سعيد علمت أننا كنا قلقين للغاية علي المستقبل السياسي لبرنامج ' صبايا الخير' الذي تقدمه بعد أن علمنا أنها ستبدأ في تصوير مسلسل ' بشر مثلكم'، فزفت إلينا بشري عظيمة تتمثل في أن مشاركتها في هذا المسلسل لن تعطلها عن برنامج ' صبايا الخير'. مع أننا أساساً لم نكن نعلم أنها ستشارك في التمثيل بعد فشل تجربتها الأولي فيه، ولم يكن القلق ينتابنا علي توقف برنامجها بالتالي.
لقد قالت المذيعة الكبيرة، إنها سعيدة بالقيام بالتمثيل في ' بشر مثلكم' بعد نجاح 'شارع عبد العزيز' وليس لدي معلومات عن نجاح هذا العمل، لكن المؤكد أنها لم تنجح كممثلة، وكانت تجربتها في التمثيل شبيهة بتجربة طارق علام فيه، وتجربة باسم يوسف في كتابة المقال، وتجربة محمد مرسي في الرئاسة.
– ما يميز ' سكاي نيو عربي' هو قدرة العاملين فيها علي طرح أسئلة غير متوقعة في الحدث فينتج عن ذلك إجابات جديدة، وقد يخرج الضيف من فضائية إلى فضائية للتعليق علي حدث واحد لكن الزاوية التي يعالجها القوم في الحدث تجعلك تشعر انك تستمع للضيف لأول مرة.
– لا يزال البحث جاريا عن ملاك قناة ' الغد العربي'.
– قناة جديدة تحمل اسم ' مصر تي في' قررت التفاوض مع محمود سعد.. إنها خدمة إنسانية جليلة لقناة ' النهار' لن تنساها.
سليم عزوز
صحفي من مصر
