عن الشيخ معاذ الخطيب وجدل مواقفه واستقالته

 

لا نشكك أبداً في إخلاص ولا وطنية معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف السوري (المستقيل حتى كتابة هذه السطور مساء الاثنين)، لكننا نشك في نجاحه في دخول عالم السياسة المركب في قضية بلغت ذروة تعقيداتها السياسية؛ ليس لأنها نتاج مؤامرة كما يذهب بعض الموتورين الذين يحلو لهم إدانة شعب من أجل تبرئة رئيس مجرم، بل لأنها سوريا التي تؤثر في مصالح إسرائيل (حبيبة الغرب)، ولأن مصيرها (أي سوريا) ينطوي على إهالة التراب على مشروع الهيمنة الإيراني، كما ينطوي على تغييرات في مشهد المنطقة برمتها، وإلا فأي معدوم ضمير ذلك الذي يمكنه إدانة شعب خرج يطلب الحرية ومكث 6 شهور في الشوارع والساحات يتلقى الرصاص بصدوره العارية قبل أن يضطر لحمل السلاح دفاعا عن نفسه، وقبل أن تدخل على الخط تبعا لذلك شياطين الأرض، ومعها قلة من الأطراف التي انحازت للشعب، سواءً فعلت ذلك إيمانا بقضيته، أم تبعا لحساباتها الخاصة (غالبية الأمة مع الثورة دون تردد)؟!
منذ ترؤسه للائتلاف الوطني، والشيخ الخطيب يسجل الكثير من الفشل في إدراك تناقضات السياسة في قضية بلغت ذروة تعقيداتها قبل تشكل الائتلاف؛ تجلى ذلك ابتداءً في مبادرته التي أطلقها منفردا، وتتمثل في الحوار مع ممثلين عن النظام مقابل إطلاق سراح المعتقلين، وليس انتهاء بإدانته لجزء لافت من المجاهدين على أرض سوريا، بل واتهام جهات بإرسالهم للتخلص منهم (قال هذا بشار، ونصر الله أيضا)، ولا تسأل عن اعتبار ما فعله الشيخ البوطي طوال عامين من الثورة مجرد «اجتهاد غير صائب»، مع اتفاقنا معه في الموقف من عملية اغتياله، فضلا عن أن تتم في مسجد يُقتل معه فيها عشرات من الناس الآخرين.
أما الخطأ الأكبر فتمثل في خطوته الأخيرة بالاستقالة من الائتلاف الوطني عشية القمة العربية في الدوحة التي كانت تتهيأ لمنح مقعد سوريا في الجامعة للمعارضة السورية، كخطوة بالغة الأهمية على طريق حسم الموقف العربي لصالح الثورة ونزع شرعية النظام.
والحال أن أي تبرير لخطوة الاستقالة بعيدا عن المسألة الشخصية لا يبدو مقنعا، أكان ذلك بسبب مخالفة رأيه الرافض للحكومة المؤقتة (هو نفسه موقف أميركا!!)، أم بسبب منح مقعد الجامعة لرئيس تلك الحكومة (غسان هيتو)، وليس له شخصيا كما كان يريد، أو يتوقع في أقل تقدير. نكتب هذه السطور، قبل انعقاد القمة (قمة الزعماء)، وبعد انعقاد المجلس الوزاري الذي أقر منح مقعد سوريا في الجامعة للمعارضة، وإثر محاولات لثني الخطيب عن استقالته بعد رفضها من الائتلاف، ومن ثم قرار منحه كلمة سوريا في القمة، وموافقته على الحضور تبعا لذلك على رأس وفد من ثمانية أشخاص (عكس ذلك سبب الاستقالة إلى حد كبير). وهنا، ورغم ترجيح عدوله عن الاستقالة، بحسب ما يُقرأ من كلامه تعليقا على حضوره بعد التطور الجديد، فإننا نحب تذكير الشيخ بأن عليه أن يراقب عن كثب مواقف الأطراف المعنية بما يجري في سوريا من استقالته؛ فقط للذكرى ومن أجل قراءة الموقف.
من المؤكد أنه سمع ترحيب جون كيري، وزير خارجية أميركا، الذي وصف الاستقالة بأنها «لم تكن مفاجئة»، مضيفا «أنا معجب به، وأقدّر قيادته»، فهل يعتقد الشيخ بأن كيري حريص بالفعل على مصلحة الثورة، هو الذي دعا قبل أقل من أسبوعين إلى جلوس المعارضة السورية مع بشار الأسد، وهل يمكن لأية تسوية تبقي بشار في السلطة أن تعني انتصارا للثورة مهما كانت تفاصيلها؟!
هل سمع أو قرأ تصريحات هيثم مناع تعليقا على الاستقالة، وقوله «سعينا مع أكثر من طرف لأن يبقى الخطيب في منصبه نظرا لأهمية المكان الذي يُشغله (كان مناع ضد تشكيل الائتلاف أصلا)، والمواقف الجريئة الأخيرة التي أظهرها، سواء حيال المتطرفين أم الحل التفاوضي، والتي لم يجرؤ عليها أشخاص معارضون يعتبرون أنفسهم ليبراليين»؟! ومن ثم شماتته (أعني مناع) عبر القول إن الاستقالة «ستجعل الائتلاف يذهب كسيحا إلى الدوحة للمشاركة في القمة العربية»؟!
من المؤكد أنه سيسمع بعد ذلك سيلا من التصريحات المرحبة (قد يحدث ذلك رغم عودته عن الاستقالة) من قبل إيران وروسيا، وقد توجّه له الدعوات للزيارة والحوار أيضا، مع أنه يدرك أنه لو فعل ذلك، فسينهي ما تبقى له من مصداقية، فيما لن يقدم ذلك شيئا، ولن يؤخر في صيرورة المعركة.
نتفهم حقيقة أن الشيخ مستجد في العمل السياسي، لكن التوافق مع الجهة التي يرأسها المرء، لا يحتاج كثيرا من الخبرة، بل هو الأمر الطبيعي، لاسيَّما أنه لم يكن زعيما تاريخيا كي ينفرد ببعض القرارات، بل جزءا من ائتلاف موسع عليه أن يعود إليه في تحديد مواقفه.
ما جرى مؤسف، رغم أننا معه في أن أحدا لن يفرض على الشعب السوري ما يريد، لكن الأهم أن السوريين لن يرضوا بصيغة حلٍّ تبقي بشار في السلطة، وواهم من يعتقد بأنه سيفرض عليهم صيغة كهذه.
بقي أن نتمنى عليه، كما كثيرون، أن يعود عن استقالته، وأن يواصل جهاده مع إخوانه مستفيدا من دروس المرحلة الماضية، وحين يفعل ذلك سيؤكد حضوره ودوره أكثر بكثير من العمل منفردا، هذا إذا كان مثل العمل ممكنا أصلا في قضية من هذا النوع. 
ياسر الزعاترة
 
Exit mobile version