كثيرًا ما يتداول في إعلامِنا العربيّ المنحرف ملف «الشّعوب غير الفارسيّة في إيران »، حتّى طالَ الحديثُ عن هذه الشّعوب الّتي تقطن تلكَ الجغرافيّة الّتي تسمّى «إيران»، وطالت النّقاشات والحوارات، وكثرتْ المقالات والتّغريدات والبرامج الفضائيّة في هذا الجانب؛ كلّ ذلكَ من أجل الحدّ من الخطر الإيرانيّ – حسب زعمهم – عن طريق ضرب مكوّنات إيران الشّعوبيّة، وجعل بأسها فيما بينها، وأصبحوا اليوم «نشطاء حقوقيّين» في شأن قضيّة «الشّعوب غير الفارسيّة في إيران»، لذا يحاولون تصيّد كلّ ما تقوم بها الحكومة الإيرانيّة من انتهاكات بحق هذه الشّعوب المطالبة بحريّتها من الإجرام الفارسيّ المصبوغ بصبغة صفويّة، ولكنّ أين موقعنا من الإعراب؟ وما مصلحتنا في الدّافع عن حقوق هذه الشّعوب؟ هل لأنّنا فعلًا نريد الحريّة لهذه الشّعوب؟ أم أنّنا نريد تحقق مآربنا، ونبعد الخطر الفارسيّ عن طريق استغلال هذه الشّعوب المضطهدة؟ لماذا أصبحنا في هذه السّنوات الأخيرة نتبادل الشّعور الوحدويّ مع أبناء جلدّتنا العرب هناك؟ هل الإعلام هو السّلاح الّذي نواجه فيه الخطر الفارسيّ القادم؟ لماذا نطالب بالمزيد من الحريّات، والحقوق الإنسانيّة لهذه الشّعوب فقط في المقابل حكام مشيخات الخليج ليسوا أفضل من السّلطة الإيرانيّة في معاملتها؟!
إطلاق العنان لحريّة الشّعوب غير الفارسيّة في إيران باتت تشغل مخيلة الإعلام العربيّ، والأوساط الاجتماعيّة والسّياسيّة العربيّة، وأصبحوا مطالبين بحقوق هذه الشّعوب أكثر من أنفسهم، ومن مطالبهم: الاعتراف بهم في الدّستور الإيرانيّ، وإعطاؤهم الحقوق الإنسانيّة بما فيها الحريّة العقائديّة، والسّماح لهم بالتّعليم بلغاتهم القوميّة، وحريّة ارتداء الزّيّ الشّعبيّ لهذه الشّعوب… إلخ، حيثُ تشهد هذه الشّعوب صراع ثقافيّ يهدد وجودها من قبل الحكومة الفارسيّة الّتي تحاربها ثقافيًّا؛ وذلك من أجل إقحامها في بوتقة القوميّة الفارسيّة، رغم أرُومة هذه القوميّات الّتي تتخلف عن الفرس إلّا أنّ إيران تجدّ في الثّقافة الفارسيّة أكثر تقدمًا ونضجًا من ثقافات هذه الشّعوب؛ لتكون ثقافة موحدة تشمل كل الشّعوب القاطنة في جغرافيّة إيران، وعلى الرّغم بأنّ الشّعوب غير الفارسيّة ما زالتّ تُمارس حياتها الطّبيعيّة وفق ثقافاتها الّتي تختلف في كل بقعة تقطنها عن غيرها من الشّعوب الأخرى إلّا أنّ إعلامنا العربيّ، وخصوصًا القنوات الفضائيّة الّتي تلعب دورًا بارزًا ومهمًا بل هي متخصصة في إظهار إرهاصاتها النّفسيّة والفكريّة في تحديد مصير هذه الشّعوب الّتي في حقيقة الأمر لا تعلم بأنّ الإعلام العربيّ ليس إلّا أداة بيد أناس لا يريدون الخير إلّا لأنفسهم، وإنّها مجرد سلعة يتمّ ترويجها من قبل هذا الإعلام المصطنع من قبل حكومات المشيخات الخليجيّة.
نعم، من حقّ الشّعوب غير الفارسيّة في إيران أن تطالب بحقوقها، ومن حقها أن تعيش بحريّة تامة على أرض أجدادها، وأنا على تواصل مع الكثير من الإخوة الأحوازيّة، والبلوش، والأكراد في السّويد الّذين يعلمون بأنّ الدّور الإعلاميّ العربيّ لقضيّتهم لا خير فيه؛ إنّما تحمل استراتيجيات تصب في صالح من يدعم نشاط هذا الإعلام الّذي يريد أن يلافت نظر الأوساط الاجتماعيّة إلى قضيّة الشّعوب غير الفارسيّة في إيران، على أنّها شعوب محرومة من كلّ الحقوق الإنسانيّة، وتقيم حملات واسعة النّطاق لإيلاج هذه الشّعوب في بوتقة القوميّة الفارسيّة، ومحاربة ثقافتها، ومنعها من التّحدث بلغتها، ومن هذه التّراهات الّتي يروجها هذا الإعلام، يجب ألّا ننسَ بأن السّلطة الحاكمة في إيران الآن، أتخذوا من الثّقافة الفارسيّة حلقة وصل بين جميع مكوّنات المجتمع الإيرانيّ؛ حتّى تتوحد الصّلات بينهم، ويكون التّواصل سهلًا ويسيرًا بين أفراد هذه المكوّنات بعضها من بعض، وتكون هناك لغة رسميّة حالها حال أي دولة أخرى، والوضع قد لا يختلف في دول الخليج بل قد يكون أسوأ بكثير، وهنا أنا لا أقف موقف المدافع عن السّلطة الفارسيّة المحتلة لأراضي ومماليك شعوب أخرى لا ذنب لها، ولكنّ في نفس الوقت الإنسان المنصف حقًا يجب ألّا يقيس هذه الموازيين من زاويّة واحدة؛ حتّى لا تكون الرّؤيّة ضيقة، وبالتّالي يسوء فهم الوقائع، وتبث سموم الأكاذيب والخزعبلات، وتأخذ حيزًا من الفراغ والنّقص الموجود لدى العرب اليوم، إيران لا تشغل نفسها بهرطقات الإعلام العربيّ؛ فهي منشغلة في حمايّة أمنها القوميّ من الأخطار الخارجيّة عن طريق اختراعاتها وابتكاراتها المستمرة، وهي ليست غافلة عن التّحركات الطّفوليّة الّتي تقوم بها هذه الأنظمة الأبويّة النّازيّة في دول الخليج، بل أنّ دول الخليج وأنظمتها تقع تحت أعين إيران، وعاقبة هذه الأنظمة إذا وقعت بين يد إيران في حرب مع أي قوى ستكون وخيمة جدًا.
وفي حقيقة الأمر، الوضع في دول مشيخات الخليج تحت سلطة الأنظمة الوراثيّة، من النّاحيّة الثّقافيّة كون هذه النّاحيّة الّتي يتمّ ترويجها بكثافة في الوسائل الإعلاميّة المتفسخة والمفلسة، وضع مخزي حقًا وجالب للعار، وهنا أتوقف لسرد حقائق يحاولون إخفاؤها بطرق غبيّة وجنونيّة، ولكنّ المنصف حقًا عليه ألّا يغفل أو يمر مرور الكرام أمام هذه الحقائق، ومنها: المكوّن الخليجيّ، أو بمعنى أدقّ من هو «الخليجيّ»؟ أفضل تعريف للمواطن «الخليجيّ»: هو كلّ من يحمل الجنسيّة الخليجيّة، ويقطن على ضفاف الخليج، بغض النّظر عن أصله، وفصله، وجنسه، ولونه؛ فهو خليجيّ طالما يحمل هذه الجنسيّة، ولكنّ الأدهى والأمر أن يحاولوا زجّ كلّ من يحمل هذه الجنسيّة في بوتقة العروبة، وتأصيل جذورهم وهم في الحقيقة لا ينتمون إلى الجنس العربيّ السّاميّ، وأجدادهم ليسوا من جزيرة العرب، ولا عهد لهم في المنطقة مجرد أنّهم حملوا هذه الجنسيّة الرّخيصة، وحصلوا عليها بطرق غير شرعيّة عن طريق التّزوير، والكذب، والاحتيال، والانتساب إلى قبائل المنطقة، كيف لا وهذه الأنظمة أساسها قائم على الكذب والخداع والنّفاق.
إذا كانت مكوّنات الشّعوب غير الفارسيّة في إيران، هي: الأذريّة، والأكراد، والأترك: التّركمان؛ بالإضافة إلى الغجر والعبيد الأفارقة؛ فالوضع لا يختلف عن مكوّنات الشّعوب غير العربيّة في الخليج؛ فهم امتداد إلى هذه الشّعوب، وهاجروا إلى المنطقة، وقطنوها، وحملوا الجنسيّة الخليجيّة، وتداخلوا في المجتمع الخليجيّ، وأصبحوا من مكوّنات مجتمعنا، وهنا استثني «العرب» في الأحواز، والسّاحل الشّرقيّ والجزر، وعرب خراسان، وعرب البلوش؛ لأنّهم جزء منّا ونحن منهم، ولكي نأخذ الأمر بسلاسة أكثر بعد أن اتضحت لنا الصّورة بأنّ هناك بالفعل شعوب غير عربيّة في دول الخليج، وهم امتداد إلى الشّعوب غير الفارسيّة في إيران، ومنهم مواطنيّين يحملون الجنسيّة الخليجيّة، ولهم كافة الحقوق وعليهم واجبات؛ فإذا إيران لا تعترف في دستورها بهذه القوميّات، ولا تحمي ثقافتهم من خطر الانصهار، وتحولهم ثقافيًّا إلى فرس؛ فالوضع لا يختلف عمّا يحدث في دول الخليج، وحتّى الفرس في إيران أنفسهم يجدون بأن القوميّات الأخرى خطر على ثقافتهم، ونحن العرب أيضًا نجد القوميّات الأخرى في الخليج خطر على ثقافتنا.
وبما أن هناك من يشغل مهنة «ناشط حقوقيّ» في شأن الشّعوب غير الفارسيّة في إيران، ويطالب بالمزيد من الحقوق لهذه الشّعوب، يجب أن يكون منصفًا، ويطالب بحقوق الشّعوب غير العربيّة في الخليج، اللّاتي هن أيضًا تعانن من ذوبان كافة ثقافاتها في وعاء الثّقافة العربيّة الخليجيّة، ودستور دول الخليج لا يعترف بوجودها، أو حتّى بلغتها، أو مذهبها، أو ملتها، ولا تسمح لها بالتّعلم في المدارس النّظاميّة بلغتها القوميّة بإشراف وزارات التّعليم التّابعة للحكومات الخليجيّة أو ممولة منها، وهذا حق من حقوقها كونها مستوطنة لهذه الدّول، وتحمل جنسيتها؛ بل حتّى لا تسمح لها بارتداء زيّها الشّعبي في المرافق الحكوميّة النّظاميّة، فاستعربت تمامًا، ولم تبقَ من ثقافتها شيئًا، ولكنّ ما ذنب الأجيال القادمة من أبناء مكوّنات الشّعوب غير العربيّة في الخليج بأنّ يفقدوا ثقافة أباؤهم وأجدادهم، ويستعربون دون أي ذنب اقترفوه سواء أنهم يحملون الجنسيّة الخليجيّة؟ لماذا لا يتم الاعتراف بوجودهم في المجتمع الخليجيّ؟ لماذا يعتبر التّطرق إلى هذه المكوّنات في المجتمع الخليجي ضربًا للوحدة الوطنيّة المزعومة؟ كيف الأجيال القادمة من هذه المكوّنات غير العربيّة تتقبل فكرة أنّهم ليسوا من أصول عربيّة؟ لماذا الحكومات الخليجيّة لا تعترف بوجود هذه المكوّنات – الّتي لا تشكل إقليّة – في دساتيرها؟ من يطبل ويزمر ليلًا ونهارا مطالبًا بحقوق الشّعوب غير الفارسيّة في إيران عليه أن يكون منصفًا قليلًا، ويطالب بحقوق هذه الشّعوب غير العربيّة في الخليج، علمًا بأنّ في إيران يتمّ بث برامج فضائيّة باللّغة القوميّة لهذه الشّعوب على قنوات إيرانيّة رسميّة، أما في دول الخليج لا يسمح للشعوب غير العربيّة من مواطني دول الخليج أن يقوموا بذلك أو حتّى يتمّ توفير برنامج واحد بشكل يومي يبين ثقافتهم، وترسل رسالة إلى العالم بأن شعوب الخليج ليست عربيّة؛ وذلك حتّى لا نخدع الأجيال القادمة في مسألة عروبة الخليج، والدّستور الخليجيّ يجب أن يعترف بوجود هذه الشّعوب بشكل رسميّ.
.
وفي نفس الوقت يجب ألّا ننسَ حق الشّعوب الأصليّة من القبائل العربيّة القاطنة في المنطقة من قبل الميلاد بآلاف السّنين، الّتي يمارس ضدها أبشع أشكال العنصريّة من قبل هذه النظم الحاكمة، ومن صور العبوديّة الّتي تمارسها هذه الأنظمة الخليجيّة النّازيّة، والّتي لا تمت إلى العروبة بصلة، حيثُ إنها لا تريد إلّا أن تثبت سلطتها حتّى لو تزيح كل العرب من المنطقة، وتحوّل سكان الخليج إلى عبيد أفارقة أو هنود من الغجر، أو بقيّة الأقوام الدّخيلة على منطقة، وللأسف الشّديد! في السّنوات الأخيرة هؤلاء العرب الجدد في الخليج النّازحين من إفريقيّة، وبلاد الهند والسّند، وبلاد فارس، صاروا يشككون في عروبة القبائل، بل أصبحوا علماء أنساب، ويتحدثون عن السّكان الأصليّين للمنطقة بلغة الاستعلاء والتّكابر؛ وكأننا نحن أبناء القبائل العربيّة «طراثيث» لا نعرف أنفسنا، أو أنّ أجدادنا أتوا قبل خمسون عامًا إلى المنطقة يسترزقون منها، أو أننا سكان جدد لا نعرف تاريخ المنطقة، وهنا لا أستحي أن أعرض حقائق تاريخيّة يحاول الكثير عدم كشفها، مثل: وجود العبيد الّذين سرقوا من إفريقيّة، وتمّ بيعهم في أسواق مسقط، ومناطق البلوش، والبصرة على أمراء وحكام الخليج، والأسر المرموقة، والقبائل العريقة؛ ليعملوا في خدمة هذه القبائل والأسر، وبعد أن تكللت الجهود الدّوليّة لتحرير هؤلاء العبيد، والمطالبة بحقوقهم الإنسانيّة، ومنع تجارة الرّق، استمرت فطرة الخضوع والعبوديّة تسير في شرايين مشيخات الخليج الّذين حملوا جينات إفريقيّة ناتجة عن تزاوج أجدادهم مع الجواري، ولكنّ هذه المرة لم تكن في استعباد الأفارقة بل استعبدوا الأحرار من أبناء القبائل العربيّة انتقامًا من هذه القبائل الّتي استعبدت خؤولتهم، وذلك عن طريق نظام يسمّى «الكفالة» هذا النّظام العنصريّ الّذي سمح للإفريقيّ الّذي كان مستخدمًا بوصفه عبدًا عند القبائل والأسر العربيّة، واليوم يحمل جنسيّة خليجيّة أن يستعبد أحد أفراد القبيلة الّتي كان عبدًا عندها أو حتّى يستعبد أحد الأشراف أو السّادة الهواشم القرشيّة العدنانيّة لو كان لا يحمل الجنسيّة الخليجيّة بكل سهولة ويسر، وبدعم من هذه الأنظمة العنصريّة الكافرة؛ فمَ الفرق بين نظام الكفالة والعبوديّة؟ كلاهما عملتان لوجه واحد – العبوديّة – ولكنّ العبد في هذا النّظام من طراز رفيع جدًا، عبد من أحفاد حمير وكهلان، ومضر وربيعة، فكم عربي لا يحمل الجنسيّة الخليجيّة سمع عبارات تهين كرامته مفادها: «اسكت ولا اسفرك»، وقبل سنتان تقريبًا كان لدي طالب في الجامعة «عراقيّ» الجنسيّة ولد في إحدى الدّول الخليجيّة، وترعرعَ ودرسَ فيها، يقول: «عندما كنت طالبًا في المرحلة الثّانويّة، كنت ارتدي الزّي العربي المتمثل في «الدّشداشة» والشّماغ والعقال، وكان هناك أحد العبيد يقول لي أمام أصدقاؤه: «اشفيه ذا العراقي يبغي جواز» وكان دائمًا ينظر إليَّ بنظرة دونيّة وانتقاص؛ لأني عراقيّ»، قلت له: «يا ابن العم – كان من قبائل بني لام الطّائيّة – هذا العبد ما تجرأ أن يقول هذا إلّا لأنّه يحمل الجنسيّة فقط، وهذا أجداده كانوا متفسخين في إفريقيّة، وكان عليه أن يحمد ربه بأنّ تمّ استعباد أجداده من قبل العرب حتّى يستروا عوراتهم المكشوفة في غابات إفريقيّة، والشّماغ من عهد سومر أصولها معروفة من أين كانت، والعقال أجدادك ارتدوها في زمن كان أجداد هذا العبد تائهين في إفريقيّة؛ حتّى أن تمّ سرقتهم، وهذا الزّي زيّ أجدادك ليس زيّ أجداد هذا الإفريقيّ المسروق والمبيوع»، بل الطّامة الكبرى بأن العربيّ القبليّ، لا يسمح لها بأن يصور بالزّي العربيّ في بطاقته الهويّة في دول الخليج، وصلنا إلى هذه المرحلة قسمًا بالله، أحفاد حمير وكهلان، ومضر وربيعة، أصل العروبة إذا ما كانوا يحملون الجنسيّة الخليجيّة أو بمعنى آخر «وافد» لا يسمح له أن يرتدي الزّي العربيّ؛ لتكون صورة شخصيّة له في بطاقة هُويته، في المقابل هؤلاء الأعجام، والزّط، والعبيد حاملي الجنسيّة الخليجيّة يرتدون زيّ أجداد هذه القبائل العربيّة الأصيلة الّتي جذورها النّقيّة الصّافيّة ضاربة في عمق التّاريخ العربيّ، ويصوروا فيها؛ لتكون صورة شخصيّة في بطاقة الهويّة.
إلى متى هذا الاستهزاء في أبناء القبائل العربيّة، وتأصيل الثّقافة العربيّة لدى هؤلاء الغرباء على المنطقة؟ نحن اليوم نشعر بخطر يداهم ثقافتنا العربيّة الّتي ورثناها من أجدادنا، وليس هناك من يحفظ حقوقنا، وذلك بدلًا من الانشغال في الآخرين، اليوم نحن نواجه خطر حقيقيّ، وليست المشكلة في الزّي، أو الثّقافة، أو اللّغة، المشكلة في الوجود العربيّ في دول الخليج، وتلقين هؤلاء الغرباء دورس في نبذ أبناء القبائل، ووصفهم بالدّخلاء وصلنا إلى مرحلة أنّ هؤلاء الدّخلاء يتجرؤون، وبكل قلة أدب أن يقولوا عن قبائل الشّمال بأنّها «عراقيّة» أو «شاميّة»، وعن قبائل الجنوب «يمنيّة» من باب الانتقاص، إلى متى هذا الاستهزاء والانتقاص بحق القبائل العربيّة؟ إلى متى هؤلاء الدّخلاء علينا يحاربوننا ولا يوجد من يحفظ وجودنا؟ أليست هناك قوانين دوليّة تحمي حقوق الشّعوب الأصليّة؟ بتنا نخاف على مستقبل وجودنا، وهنا لا ننسَ ما كان يعانيه أجدادنا نحن «البدو» خصوصًا عندما كان يتم وصفنا بقطاعيين الطّرق، أو الأعراب، أو الجهلة، حتّى الاستعمار قسم مناطقنا وفق اتفاقيات لا ندري عنها، ومن ثمّ جلبوا لنا هؤلاء الحكام الّذين كانوا خاضعين للاستعمار الأجنبيّ.
يجب أن يتم إنشاء وزارة لشؤون القبائل العربيّة، والاهتمام بها مع العلم بأن هناك ديوان لشؤون القبائل في الإمارات، وكان الشّيخ زايد بن سلطان آل نهيان – رحمه اللّه – يشرف ويتابع شؤون القبائل الإماراتيّة، وكذلك في عُمان وبعض دول الخليج؛ ولكنّ لابدّ لها أن تتحول إلى وزارة حكوميّة تمول من الدّول، وتعمل على مصلحة هذه القبائل، وتحفظ حقوقها، والاهتمام بتاريخها؛ لأنّ بقاء هذه القبائل هو بقاء العروبة النّقيّة، وأيضًا أن يتم سنّ قوانين منع تزاوج أبناء القبائل من غير القبليّة، والعكس يمنع تزاوج القبليّة من غير القبلي، وفي ذلك حفاظًا على العرق العربي من الاختلاط مع الأعراق المتلوثة، وتعميق لأواصر العلاقات الاجتماعيّة بين القبائل، والحد من زيادة نسبة العنوسة، وبناء جيل متوارث للصفات العربيّة الأصيلة، وأيضًا تفعيل دور القبليّة أمر مهم جدًا حيثُ إنّ في النّظم القبليّة الفرد محاسب من عدة جهات؛ لذا يحاول ألّا يشوه سمعت قبيلته بأفعال خارجة عن الأعراف القبليّة، ومنها أيضًا، الأمراض اجتماعيّة المنتشرة في المجتمع الخليجيّ هذه الأيام، ما تعرف بـ«الشّذوذ الجنسيّ» أو بالمعنى الفصيح «الانتكاس النّوعيّ» عندما تكون هناك ضوابط قبليّة رادعة لهذه الأمراض الّتي تجلب العار للقبائل ستحد من ظهورها، وكذلك الزّنى والفجور المنتشرة في دول الخليج بكثرة اليوم، القبليّة تلعب دورًا مهمًا في الحد منها، وفي العرف القبلي «الزّانيّة» مصيرها واحد لا ثاني له إلّا وهو «الموت»، الفرد القبليّ يعلم بأنّ يحمل تاريخ أجداده، وعليه أن يحافظ على هذا التّاريخ العريق بسلوكه وعاداته وتقاليده، ومحكاته مع الآخرين، ويكون قدوة لغيره، ويحاول ألّا يفسد ما بناه أجداده.
في إيران هناك اهتمام كبير في العشائريّة؛ لأنّ العشائر من مختلف الشّعوب الإيرانيّة قدموا أنفسهم دفاعًا عن وطنهم في الحرب العراقيّة الإيرانيّة، وإلى يومنا هذا إيران تعتمد على العشائر، وتهتم فيهم كثيرًا؛ للاستفاده منهم عسكريًّا، والأمر قد يعود لكثرة عدد هذه العشائر الّتي تقدّم دعم لوجستيّ إلى النّظام الحاكم، أمّا في دول الخليج أكثر قيادي الجيوش الخليجيّة، ليسوا من أصول عربيّة بل حتّى كبار الضّباط، وناهيكم عن الأفراد؛ فكيف دول الخليج تواجه الهيمنة الفارسيّة، وهناك عناصر متغلغلين في جيوشها من العنصر الفارسيّ أو من الشّيعة الصّفويّة؟ الأمر هنا بحاجة إلى الاعتماد على أبناء القبائل العربيّة، ويتم ذلك عن طريق وزارة شؤون القبائل العربيّة الّتي تقع على عاتقها مسؤوليّة بناء شخصيات قياديّة من أبناء القبائل حتّى يقودوا هذه الجيوش كما كان أجدادهم الأبطال، وفي ذلك أمن للمنطقة من الأخطار الخارجيّة، وسد الثّغرات، وكشف المتربصين من الدّخلاء وأصحاب الأجندات، وكان من العرف العربي بأن العبيد والموالي لا يشاركوا في الحروب إلّا في زمننا الحاضر حيثُ أصبحوا قادة لجيوش دولنا الخليجيّة، واختلط الحابل بالنّابل بل الأدهى بأنهم وصلوا إلى الوزارة، وقد يأتي يومًا ونشاهدهم يحكموننا، وكان اللّه في عون القبائل العربيّة.
إنَّ ما يوجهه أبناء القبائل العربيّة في الخليج من معاملة سيئة لا تليق بمقام أجدادهم وتاريخهم، ليس إلّا دافعًا لثورة هذه القبائل على أنظمة باعت عروبتها كما باعت إسلامها من قبل، ولن يكون هناك ربيعًا في جزيرة العرب كما يقال، ولكنّ سيكون هناك صيفًا حارقًا يحرق هذه الأنظمة وتجعلها رمادًا؛ لتتخلص من براثن الطّغمة الحاكمة في الخليج، والّتي قطعت أوصال العروبة لصهر الشّعوب غير العربيّة، وتمزيق الوحدة العربيّة من أجل تحقيق أهدافها الدّكتاتوريّة والإمبرياليّة، وذلك عن طريق تفضيل الغرباء على أهل المنطقة، والانتقاص من شأن هذه القبائل العربيّة، وعدم احترام خصوصياتها، وعندما يدق الباب، ويتم فتح ملفات الشّعوب غير العربيّة من مواطني الخليج، وأصولهم وملتهم يجدون في ذلك عنصريّة وخروجًا عن المألوف، مع العلم بأن النّظرة العربيّة لهذه الفئات لن تتغيير أبدًا؛ فالعبد عبدًا، والغجري غجريًّا، والموالي مواليًّا، وذلك على مر الأزمان، فإذا كان ذكر العبيد والغجر الّذين لا قيمة لهم في كل المجتمعات الإنسانيّة يعتبر «عنصريّة»؛ فعدم ذكرهم أكبر عنصريّة؛ فهم يعتبرون شريحة من شرائح المجتمع ولابدّ من بيانهم، وبيان أنّ هؤلاء عبيد أو غجر حتّى الأجيال القادمة من العرب لا يتخالطوا معهم أو يتزاوجوا معهم، وهذا لا يعني بأنّ نحرمهم من حقوقهم الإنسانيّة، ولكنّ يجب ألّا نرفعهم لدرجة السّيادة، ونجعلهم سادةً على أبناء القبائل؛ لأن التّاريخ سبق وأن لعن هذه الأنظمة، والتّاريخ سيعود مرة أخرى، ويلعن لكل من باع عروبته، ولم يصن كرامة بني جلدته، وهكذا هو التّاريخ لا يقف عن التّدوين ولعن المتشرذمين، والمرجفين، والمتغطرسين.
كانت القبائل العربيّة من أجل كرامة قبائلها تدفع الغالي والنّفيس، ولنا في حرب البسوس مثالًا، والعربي الأصيل كان لا يرضى حتّى على أبله، فمَ بالكم على أهله وعشيرته؟ ولكنّ اليوم كرامة العرب ممسوحة في الأرض؛ والسّبب يعود لمن يقودنا، وإذا أردنا أن نعيد كرامتنا علينا أن نكسر حاجز الخوف والخضوع لهذه الأنظمة الشّوفينيّة، فكفاها ما جلبت من عار إلينا! وكفاها ما صنعت من ظلم وجور في حق قبائلنا حتّى أصبحنا نكره أنفسنا ونصنع الفرقة بين أنفسنا! ولا تخافوا؛ فالأنظمة الأبويّة الوراثيّة على مر التّاريخ لم تقدّم نجاحًا في أي مجتمع، وكلنا نعلم بأن الأنظمة الحاليّة سبقتها أنظمة وراثيّة أخرى ليس لها ذكر اليوم؛ وهناك أناس يحملون الجنسيّة الخليجيّة طبعًا من الدّخلاء على المنطقة، إذا سالتّهم عن تاريخ المنطقة لا يعرفون شيئًا، وما يبين مدى تعاسة حالنا اليوم بأن من قبائلنا أفراد «بدون هويّة»، وهم جزء منها ونحن منهم، عرب أنقياء أقحاح، تم ظلمهم من قبل هذه الأنظمة الّتي لا تعرف معنى الاحترام، أو معنى للغيرة العربيّة، كما أنّ ذكر العبيد، أو الغجر، أو الموالي، ليس فيه من العنصريّة شيء، فما كتب عنهم في الكتب التّاريخيّة، وما دوّن في صفحات التّاريخ ليس بشيء بسيط، ولا يستطيع كأن من كان أن يمزق ما كتب؛ ففي مكتبة الكونغرس الأميركيّة، هناك قسم كامل يجمع كل ما كتب عن الغجر، وحتّى نحن العرب في قصائدنا القديمة كنا نهجو العبيد، ولنا في المتنبي مثالًا، وأمّا النّشطاء الحقوقيّين الجدد المهتمين في قضيّة «الشّعوب غير الفارسيّة في إيران» لو علموا ما نعانيه نحن العرب في دول الخليج، واهتموا في ذلك لكان أفضل لهم بكثير.
الناشط الحقوقي أ. د. عبد الله هامل الشمري