صناعة الأمم

الأمة مصطلح يدل على مجموعة من الناس ايا كان تعدادها ربط بينها رابط اتفق الجميع على احترامه والتمسك به , هذا الرابط قد يكون جغرافيا او لغويا او دينيا او عرقيا او كل ما سبق , وتسمو الأمم بسمو روابطها وحفاظها على هذا الرابط واحترامه بغض النظر عن حسابات الربح والخسارة وغيرها .

ومن هنا يتضح ان تماسك الأمة الواحدة وربما تقدمها وازدهارها يرتبط ارتباطا جذريا تصاعديا مع تقدير هذه الأمة للرابط او الروابط التي تجمعها .

قرأنا في كتب التاريخ عن امة سادت شرقا وغربا ووصل اشعاعها حدا بلغ الافاق وساهمت في مسيرة التقدم الانساني بصورة لا يمكن لأحد نكرانها , انها الأمة التي كانت خير امة اخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر , وهذا بيت القصيد , فهذه الأمة كان رابطها الوحيد هو الرابط الديني ولم تعترف بالجغرافيا ولا اللغة ولا حتى السمات الخلقية للجنس البشري فاستوعبت يومئذ الاسود والابيض والاصفر حتى انها استوعبت اصحاب الديانات الاخرى لانها بنت على تعاليم دينها نظاما عادلا لا يفرق بين احد الا على اساس القانون الذي استمدته من الشريعة السمحاء .

وضوح الرابط وعدل التطبيق جعل هذه الامة عابرة للجغرافيا بامتياز لم تعهده الحضارات التي سبقت ولا حتى تلك التي لحقت , يكفينا قائمة بعلماء تلك الحقبة المجيدة لندرك ابعاد التطبيق العادل للنظرية التي ربطت هذه الأمة , فمنذ ان ضرب القبطي المصري ابن الأكرمين العربي القرشي المسلم بحضور والده الأمير عمر بن العاص وعلى راس القوم أمير المؤمنين وخليفة خليفة رسول الله " صلى الله عليه وسلم " الفاروق مرورا باعظم علماء اللغة العربية الذي لم يكن عربيا بالمعنى القبلي اقصد سيباويه الى علماء الدين والفلك والعلوم البحته وصولا الى قادة الجيوش وامراء المناطق حتى حطت الدولة الاسلامية رحالها في الباب العالي بعيدا عن العرب العاربة والمستعربة على حد سواء , كل هذا يشي بالسبب الحقيقي لنجاح هذه الأمة ورفعة شأنها .

في الباب العالي بدء المرض يدب في اوصال الأمة وضعف تأثير الرابط الأصلي لصالح روابط اخرى ذات نكهة اقليمية انتهت بصدع اخذ شكل الزلزال الذي اصاب الأمة لتتشظى بعده الى كيانات متناثرة لم يعد الدين رابطها الحقيقي ليكتشف العربي عروبته والكردي كرديته وكذا لكل عرق كان على وشك الذوبان في تلك الحضارة المجيدة .

عربيا تمسك قومنا بعروبتهم دون ان يدركوا انهم لا ينتمون الى قبائل عابرة للتاريخ بحكم حجمها او لظروف تاريخية خدمت تقوقعها في مناطق نائية لم يطمع بها احد حيث بقيت قبائل الجزيرة العربية المنزوية في عمق الصحراء متمسكة الى حد ما بقبليتها وخسر باقي العرب ممن توزعوا على مساحة الدولة الأسلامية رابطهم القبلي وتمسكوا بالرابط العقدي دون غيره وهذا الأمر حدث لقوميات كثيرة انضوت تحت لواء الدولة الأسلامية كالاكراد مثلا .

المنطق التحليلي يقول ان من اهمل رابطه الأقليمي او القبلي كان اكثر ولاءا لرابط الدين الذي قامت عليه الدولة الأسلامية لأنه بكل بساطة ذاب في محلول تلك الدولة , ولما انهار الرابط ومعه الدولة الاسلامية اصبح مطلوبا من هؤلاء ان يبحثوا عن رابط جديد يشكل امة على اي حال , فوجدنا ان معظم هؤلاء عاد بكل بساطة الى رابط اللغة واعتبره حاضنا يشكل امة لكن ذلك بقي في دائرة الشعار والتمني وبدلا منه تغول رابط الجغرافيا واضحى يدعي حضانة لأمة فنجد اليوم امة مصرية وامة سعودية وامة سورية وامة خليجية اسما , هكذا بكل بساطة لأن سايكس جلس مع بيكو بليل ورسموا لنا حدودا جغرافية بعضها يحاذي بعض ولكي تكتمل المهزلة فاننا اصبحنا جاهزين للموت في سبيل بقاء هذه الحدود جهلا منا بأنها هي اساس تخلفنا وانهيارنا .

لم يكتفي الغرب المسيطر بتقسيمتنا الجغرافية بل قام بانتزاع الرابط الأساسي لهذه الأمة وهو الدين ونحن من ساعد على ذلك لدرجة اننا أول من يعيب على الدول تشكلها على اساس ديني وندفع ذلك عن انفسنا وكانه تهمة معيبة بالرغم من ان التاريخ يقول ان الدولة الدينية الوحيدة في التاريخ قامت في اوروبا في العصور الوسطى ولم تقم عندنا ابدا والشاهد ان الدولة الاسلامية بكل مراحلها لم تكن دولة دينية على الاطلاق بل كانت دولة لها دين يحترمه اهله ويطبقونه بكل عدل على كل المواطنين لديهم والتاريخ ايضا يقول ان الجزر البشرية من اهل الديانات الأخرى لم تتشكل ولم تجد حماية واحترام الا في نسيج الدولة الاسلامية اما في الغرب فشكلوا محاكم التفتيش التي عصفت بكل ما هو غير مسيحي في نسيجهم وهذا عار سيبقى شاهدا على وحشيتهم الى يوم يبعثون .

بناءا على ما سبق نستطيع الاشارة الى اسباب الوهن والضعف لدينا نحن المسلمون وربما نجيب على بعض الأسئلة المحيرة فالمسلمون وربما العرب على وجه الخصوص لا يكادون يساهمون في الحضارة الانسانية باي شيء يذكر بل نحن بلا اي فخر اصحاب اسوء ناتج قومي بين الدول الاخرى – دع النفط جانبا فلا فضل لنا فيه – نحن اصحاب المديونية الاكبر ونحن الاكثر تخلفا وجهلا بين جميع الأمم ويكفي للدلالة ان نعلم ان جميع الدول العربية لا تطبع كتبا بالحجم الذي يطبع في المانيا وحدها ولمزيد من الوضوح انقل ما جاء في التقرير الاقتصادي الموحد للدول العربية دون تصرف حيث يقول " وبكل الاحوال، فان ما حققه النفط وباقى الموارد الاستخراجية لكل الدول العربية مجتمعة هو اقل مما حققته اسبانيا لوحدها بل حتى كوريا الجنوبية لوحدها." التقرير الاقتصادى العربى الموحد لعام 2005.

بناءا على ما سبق يتضح لنا اننا انجزنا الدول الأكثر فشلا في التاريخ وربما ضيعنا الميراث الاكثر ثراءا من جميع النواحي ولم يبقى لدينا سوى قصائد الفخر التي لا تعكس واقعا ابدا .

لقد ان لابناء هذه الأمة ان يواجهوا الحقيقة وقد سطرها لنا الفاروق منذ قرون عندما قال نحن امة اعزنا الله بالاسلام فاذا ما ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله , وهل بعد هذا الذي نحن فيه ذل .

افيقوا يرحمكم الله وعودوا الى منبع العزة والسؤدد , عودوا عبادا لله كما اراد لكم وانفضوا عن انفسكم عبودية الحاكم ووهن الأقليم وترهات وحدة اللغة ومعها الدرهم والدينار فكل ذلك لا يصنع امة . 

Exit mobile version