أرشيف - غير مصنف
السبب الجوهرى لضعف مرسى
في خطاب استقالته الذي اعتبر على نطاق واسع "إدانة" صريحة لتجربة الإخوان والدكتور محمد مرسي في الحكم على مدار العشرة أشهر الماضية، في خطابه صدره فؤاد جاد الله مستشار الرئيس بقوله إن الرئيس: (يفتقر إلى رؤية واضحة لإدارة الدولة، وبناء مستقبل مصر وتحقيق أهداف الثورة)، هذه العبارة يمكن أن تفسر لنا بصورة أو أخرى أسباب تلك الصورة التي نرى عليها مصر الآن، تلك الفوضى العارمة، في السياسة والأمن والقانون والاقتصاد، لم يحدث أن كانت مؤسسات مصر تضرب في بعضها البعض بمثل هذا العنف من قبل، لم يحدث منذ ميلاد الثورة المصرية أن وصلت مستويات الكراهية والأحقاد إلى هذا الحد الذي يجعل كل طرف يستبيح أي شيء من أجل إزاحة الطرف الآخر ولو بالدم، لم يحدث أن وصلت مصر إلى حافة الانفجار مثلما هي الآن، فقط خلال عشرة أشهر من تجربة الإخوان في الحكم، يفتقر الرؤية لإدارة دولة وبناء مستقبل مصر وتحقيق أهداف الثورة، هذا تلخيص كامل لأزمة محمد مرسي وربما تفسير منطقي لسبب ضعفه الذي يراه كثيرون ولا يعرفون له سببًا، إنه يدرك في قرارة نفسه أنه يعمل لصالح الجماعة وليس لصالح مصر، إنه يتحرك بإحساس من يدرك أن "على رأسه بطحة" يتحسسها كل حين، إنه شخص ممزق بين أشواق الجماعة وضغوطها من أجل السيطرة والتحكم وسرعة إخضاع جميع مؤسسات الدولة وأجهزتها لقرار مكتب الإرشاد، وبين رجل يرى حجم الأخطار وأن هناك ملايين ينتظرون منه مستقبل مصر وليس مستقبل الإخوان، ومؤسسات راسخة عصية على التطويع أو الاستباحة، وهو يدرك الآن أن إدارة الدولة ليست كإدارة تنظيم وجماعة، وأن الخطأ هنا يمكن أن ينهي اللعبة كلها في ساعة، هذا بالضبط هو جوهر ضعف محمد مرسي، وتردده في القرارات، وهذا بالضبط ما يجعل الرؤية أمامه مشوشة وغير واضحة ولا يعرف ما هي الخطوة التالية التي سيتخذها هو، هذا بالضبط ما يجعل مرسي مرتبكًا ومضطربًا ومتناقضًا، يثني على القضاء ونزاهته وأنه لن يقبل أي مساسٍ أو إهانة للقضاء، بينما هو نفسه بالصوت والصورة يسخر من القضاء ويلمح إلى أنه فاسد وأنه "كان ناقص يعطي بعد البراءات مكافأة"، وهو كلام طائش يستحيل تصور صدوره من شخص يجلس في منصب رئيس الجمهورية، مرسي يكره القضاء، لأنه السد العالي الآن أمام طوفان الأخونة للدولة ومؤسساتها وأجهزتها ومصالحها، ويحاول أن يستغل الجدل حول شخصين أو ثلاثة من القضاة لكي يدمر القضاء كله ويحرك عليهم الغوغاء في الشوارع والميادين ليهتفوا "يا قضاء يا عرة"، وهي وضاعة وبذاءة لم تحدث في تاريخ مصر ضد قضائها، لكنها حدثت في عهد الإخوان، وعندما زاره مجلس القضاء الأعلى قال لهم إن سلطات الدولة مستقلة ومجلس الشورى مستقل وأنه لا يتدخل في عمل سلطات الدولة، أي أنه لا دخل له فيما يجري، أي أنه ليس هو الذي خلع النائب العام ونصَّب نائبًا عامًا بقرار مباشر منه رغم أنف السلطات المستقلة، أي أن مرسي أراد أن يوصل رسالة أن ما يفكر فيه هو شيء وما يفكر فيه أحمد فهمي شيء وما يفكر فيه محمد بديع شيء آخر، وكل منهم جزيرة منعزلة عن الآخر، وكل منهم صاحب قرار مستقل عن الآخر، ولا أحد منهم ينسق أو يرتب مع الآخر، وهذه هي الديمقراطية، ذلك احتقار لعقول الناس وتأكيد ضمني على انعدام الإحساس بالمسؤولية لدى رأس السلطة وأنه يدير الدولة بأسلوب الملاوعة الذي يصلح للمصاطب وليس لذلك المنصب الخطير، وقد جاء الرد الدامغ من داخل مؤسسة الرئاسة، من مستشاره القانوني الذي جاوره وخطط معه على مدار عشرة أشهر لكي يقول له علنًا: عفوًا، أنت تتآمر على القضاء وتخطط لمذبحة قضائية، عفوًا أنت لا تملك أي رؤية واضحة لإدارة الدولة أو بناء مستقبل مصر أو تحقيق أهداف الثورة، عفوًا أنت تعمل لحساب جماعتك وتمكن لهم في الدولة حتى لو كانوا غير أكفاء، عفوًا أنت تصر على هشام قنديل رغم فشله والأسباب مجهولة.
عندما يقول مستشار الرئيس المستقيل بعد عشرة أشهر من العمل بجواره والدفاع عنه، إن الرئيس لا يعمل لمصلحة مصر ولا لمصلحة الثورة، فإن على أصحاب الضمير أن يتوقفوا للتأمل والمراجعة والحساب، بدلًا من أن ينشغلوا بالتفكير في البحث عن الاتهام المناسب الذي يمكن إطلاقه لتشويه الرجل والتسريبات التي يمكن بها أن ندمر سمعته ونلوثها، وقنابل الدخان التي نمنع بها رسالته من الوصول إلى عقل وضمير أبناء الوطن.
جمال سلطان




