أرشيف - غير مصنف
العراق ومخاض الثورة
يبدو أن خيار العراقيين سيكون صعبا،لأن الحالة الفسيفسائية التي صاغ معادلتها الاحتلال الغربي بالتشارك مع الاحتلال الإيراني فرضت منطقا غريبا وشاذا في توصيف وفهم العملية السياسية ، بحيث أصبح من المتعذر على اللبيب أن يجد تقاطعا واحدا لمكونات الحراك السياسي التي اختلفت على كل شيء واتفقت فقط على أمر واحد أن يبقى العراق رهينة للاحتلال الإيراني بعد أن استسلم الاحتلال الغربي لشريكه في طمس وجه العراق الشرعي .
فالمكون الشيعي في أغلب أطرافه يرسم رؤاه من ذات زاوية النظر المذهبية المؤسسة لأحلام وطموحات جمهورية الملالي الإيرانية،وهو بهذه الرؤية لن يكون عراقي الهوى بل سيدخل طرفا رئيسا في السعي المحموم لتأسيس جمهورية الحلم،جمهورية المذهب التي يقاتل بشراسة لقيامها المشروع الإيراني صاحب اليد الطولى في القرار السياسي والاقتصادي العراقي.
أما المكون العربي السني فقد استمرأ الخديعة مرة تلو الأخرى،فأذرع إيران كانت في كثير من الأحيان أكثر ذكاء باقتناص الفرص السانحة التي من خلالها رسمت حضورها على ساحة المشهد السياسي بقوة ، في حين اكتفى الجانب الآخر من اللعبة السياسية باللهاث وراء التطمينات والأمنيات وكثير من المجاملات ، وكل ذلك كان على حساب مصلحة هذا المكون لفرض واقع مؤثر في رسم شكل الحراك السياسي والاقتصادي.
ولعل مـا يـؤخــذ علـى المكـون العربي السني قابليـة تأثـره وانخـداعـه بمـا يطرحـه المكـون الشيعي،ففزاعة القاعدة استثمرت أيما استثمار،فمنها كانت (الصحوات) التي بقصور فهمها للواقع وبحراكها الملتبس رسمت صورة للمكون العربي السني بأنه لا يعدو كونه تابعا ذليلا للاحتلال، وقبل ذلك شكل وجود هذه الصحوات مدخلا ثمينا للتضييق على المقاومة التي كان لها الفضل كل الفضل برحيل الاحتلال الأمريكي.
وحتـى لا تعود الأيـام لسيرتها الأولـى فإن هذا المكون مطالب بصياغة خطابه بكيفية جديدة، وكذلك مطالب بوضع إستراتيجية يدرس فيها فرص نجاحه وفشله ، لتكون بعد ذلك نواة لبرنامج متكامل يعيد للعراق وجهه العربي ، ولأن الأمر لا يحتمل المغامرات ،فإن الضرورة تستوجب إعادة دراسة لأهداف وأحلام الكتل السياسية داخل هذا المكون ليعاد صهرها لتكون في مسرب واحد لا تحرف مساره أو تخدعه إيران مرة ثانية.
وقد يقول أحدهم: الدم في العراق سيد الموقف،والثورة اشتعل أوارها وسيحرق لهيبها زيف الحضور الإيراني ، ولأنني من المتحمسين لثورة العراق سأشعر ببعض التفاؤل من هذا الطرح ،لكنني سأكون شديد الخوف من أن تغتال هذه الثورة الأمل من فئات إما أنها طامحة لوضع أنفسها على مسرب المالكي طمعا بمنصب أو حضور سياسي ما،أو من فئات أجادت فعل الهزيمة بحجة العقلانية وتفهم ظروف الآخر الذي ما فتئ يوسع نفوذه ويعزز من حضوره كصانع أول ورئيس للحدث وليس مجرد صاحب فرصة باهتة.
زكريا النوايسة




