العاهل الأردني يحمل (قلقه) إلى واشنطن

 

في 26 نيسان/أبريل، استضاف الرئيس أوباما العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، في اجتماع عقد في البيت الأبيض. وتأتي هذه القمة بعد خمسة أسابيع من اجتماعهما الأخير في عمان، وبعد أيام فقط من إعلان وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل عن نشر «القوات الخاصة» الأمريكية في الأردن من أجل "تحسين الجاهزية والاستعداد لعدد من السيناريوهات"، وهو إعلان أدى إلى اندلاع مظاهرات في المملكة. وفي ظل الظروف الحالية — حيث يستضيف الأردن نحو نصف مليون لاجئ سوري، وتتزايد المخاوف بشأن الاستقرار الداخلي للمملكة، واتهام دمشق لعمان بأنها سبب اجتياح المتطرفين لسوريا — فإن هناك الكثير مما قد تحدث عنه الرئيس الأمريكي مع العاهل الأردني.
 
قضايا اللاجئين
 
يشير "مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين" أن نحو 460,000 سورياً عبروا الحدود إلى الأردن على مدى العامين الماضيين. ولكي نضع هذا الرقم في سياقه، فإن التدفق قد زاد عدد سكان المملكة بنحو 7 بالمائة. وفاقم هؤلاء اللاجئون من المشاكل المالية القائمة في الأردن (بما في ذلك عجز الميزانية الذي بلغ 30 بالمائة في عام 2012)، مما أثقل كاهل بنيتها التحتية الصحية والتعليمية، وأرغمها على تكبد نفقات أمنية باهظة. ورغم أن التكاليف الفعلية لا تزال محل تساؤلات، إلا أن المسؤولين الأردنيين طلبوا مليار دولار من المجتمع الدولي لتعويض النفقات التي تم تكبدها بالفعل والبالغة 500 مليون دولار والنفقات المتوقعة حتى نهاية العام. ووفقاً لما أورده "مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين"، تلقت المملكة أقل من 133 مليون دولار في شكل تبرعات حتى الآن. وفي غضون ذلك، تعين على عمان اتخاذ بعض التدابير التقشفية — بما في ذلك تخفيض دعم الغذاء والطاقة — من أجل تأمين قرض بقيمة 2.1 مليار دولار من "صندوق النقد الدولي".
 
ورغم أن معظم اللاجئين يقيمون في مدن الأردن، إلا أنه تم إرسال ما يقرب من 150,000 لاجئ إلى مخيمين، أحدهما (مخيم الزعتري) قد وصل إلى طاقته القصوى. وتمثل الأحوال المعيشية والأمنية في هذين المعسكرين مشكلة كبيرة لدرجة أن اللاجئين أشعلوا النيران في عشرات الخيام العام الماضي احتجاجاً على أوضاعهم. كما أن تأثير اللاجئين تجاوز حدود المخيمات أيضاً. فزيادة الطلب على الشقق أدى إلى ارتفاع أسعار الإسكان عبر أنحاء المملكة، بينما زادت شدة المنافسة على الوظائف النادرة من معدلات البطالة وأدت إلى خفض الأجور. ووفقاً لتنبؤات "صندوق النقد الدولي"، سوف يزيد معدل التضخم في الأردن إلى 5.9 بالمائة هذا العام، مقارنة بنسبة 4.8 بالمائة في 2012.
 
وفي محافظة المفرق، التي يوجد فيها مخيم الزعتري، تمثل التداعيات المحتملة لهذه المشاكل خطورة بالغة. ففي الأسبوع الماضي، انتقد عضو مجلس النواب عن المحافظة حمزة الغزالة "غياب التخطيط الاستراتيجي" من جانب الحكومة وحذر من أن قرار بناء مخيم الزعتري بجوار مخزون الماء الجوفي المحلي قد تكون له تبعات بيئية. وكتب يقول "إن غياب شبكة المجاري في المعسكر سوف يؤدي إلى تلوث خزان المياه الجوفي خلال فترة وجيزة". والأمر الأكثر إزعاجاً هو التأثير طويل الأجل على التركيبة الديموغرافية الحساسة للأردن فضلاً عن احتمالات ظهور موجة تطرف إسلامي بين السكان اللاجئين.
 
وتشير التقارير الحالية إلى أن نحو 500 سلفي أردني يقاتلون في سوريا إلى جانب جماعة "جبهة النُصرة" الجهادية. وتتحدث التقارير الإخبارية في الأردن باستمرار عن عودة السلفيين الذين استشهدوا إلى ديارهم للدفن، وهو ما يؤكد ذلك الرقم على ما يبدو. بيد أن الأمر الأكثر إزعاجاً بالنسبة لعمان هو النمو السريع الواضح للحركة المتطرفة داخل المملكة. فقد صرح شيخ سلفي، يوسف الجغبير، مؤخراً لصحيفة "الغد" اليومية الأردنية بأن حركته لديها نحو 500 عضو في محافظة البلقاء وحدها. وفي حزيران/يونيو الماضي، ذكرت التقارير أن السلفيين في عين الباشا — على بعد اثني عشر ميلاً فقط شمال عمان — قاموا بإعدام ساكن متهم بالتجديف والردة من قبل فرقة للإعدام بالرصاص.
 
وفي الماضي، لم تكن الحركة السلفية تمثل اتجاهاً شعبياً في المملكة (رغم بعض الاستثناءات البارزة، مثل أبو مصعب الزرقاوي، المواطن الأردني الذي قاد تنظيم «القاعدة في العراق» في الفترة ما بين 2004 و2006). وبدلاً من ذلك، يميل الإسلاميون في الأردن — سواء كانت أصولهم من قبائل الضفة الشرقية أو الفلسطينيين — إلى الانجذاب نحو جماعة «الإخوان المسلمين» وحزبها السياسي المحلي، "جبهة العمل الإسلامي". غير أن قيادة جماعة «الإخوان» الأردنية أصبحت مؤخراً أكثر تقارباً مع «حماس»، مما دفع بعض سكان الضفة الشرقية الرواد إلى النظر إلى المنظمة على أنها ذات طابع فلسطيني أكبر. ويبدو أن هذا وغيره من العوامل قد زاد من قبول الحركة السلفية.
 
هل ستساعد واشنطن في إنقاذ البلاد؟
 
في ظل صراع عمان هذا الأسبوع لاحتواء التبعات الاقتصادية والسياسية والأمنية للحرب التي تدور رحاها في البلد المجاور، أكد المسؤولون الأمريكيون أنه سيتم نشر 200 فرد من القوات الخاصة الأمريكية في الأردن لمساعدتها على الاستعداد لتبعات انهيار سوريا. كما أكدوا أن الرئيس أوباما توسط في إبرام اتفاق أثناء رحلته الأخيرة إلى المنطقة سمح للطائرات الإسرائيلية بدون طيار بالتحليق في المجال الجوي الأردني لمراقبة التطورات في سوريا. وفي 19 نيسان/أبريل، استشهدت صحيفة "الشرق الأوسط" اليومية بتقرير أردني يذكر أن بطاريات صواريخ باتريوت الأمريكية المتمركزة في قطر والكويت سيتم نشرها على حدود المملكة مع سوريا.
 
وليس هناك شك بأن هذه التطورات تتعلق بقلق الملك عبد الله المتزايد بشأن التهديد الذي يمثله نظام بشار الأسد. لقد كان الأردن منذ فترة طويلة هدفاً للإهاربيين القادمين من سوريا، وفي تشرين الثاني/نوفمبر، أصبح عبد الله أول زعيم عربي يدعم تنحي الأسد. وخلال مقابلة تلفزيونية أجراها الزعيم السوري الأسبوع الماضي، وجه الأسد الذي يخوض حرباً حالية اتهاماً لعمان بتيسير حركة المتمردين إلى سوريا، وهدد من جانبه بتقويض استقرار المملكة. وحذر قائلاً "إن النيران لن تتوقف عند حدودنا، فالجميع يعرفون أن الأردن معرض لما تتعرض له سوريا".
 
ومما لا يدعو للدهشة، وعلى الرغم من الخطر الواضح والقائم الذي تمثله دمشق، كان رد فعل بعض الأردنيين غاضباً على أخبار نشر القوات الأمريكية ومنح حق المرور للإسرائيليين. ففي 18 نيسان/أبريل ، طالب حزب المعارضة الأكبر في المملكة — "جبهة العمل الإسلامي" التي تدعم الإطاحة بالأسد — أن تتراجع الحكومة عن قرارها السماح "بتواجد قوات أجنبية على أرض الأردن"، وزعم أن نشر تلك القوات لن يخدم سوى "مصالح حليف [الولايات المتحدة] الاستراتيجي — الكيان الصهيوني". كما دفع الإعلان عن نشر القوات الأمريكية إلى قيام "الجبهة الوطنية للإصلاح" (وهي جماعة معارضة علمانية بارزة برئاسة وزير الداخلية الأسبق أحمد عبيدات) بالإعراب عن مخاوفها بشأن تورط الأردن في سوريا.
 
ومع ذلك، ربما جاءت المعارضة الأكثر جهراً من الأردنيين في الضفة الشرقية. ففي الكرك، تظاهر أعضاء قبائل الصفة الشرقية المنتسبين لـ حركة "الحراك" ضد نشر الولايات المتحدة لقواتها منذ اندلاع تلك الأخبار. والأمر الأكثر إزعاجاً أن سبعة وثمانين زعيماً من زعماء القبائل غير الإسلاميين أرسلوا خطاب تحذير مفتوح إلى الملك عبد الله في 22 نيسان/أبريل. فبالإضافة إلى المطالبة بعدم استخدام أي قوات أردنية للتدخل في سوريا، تضمن خطابهم تهديداً بأن "أي جندي أمريكي يوجد على التراب الأردني سيصبح هدفاً مشروعاً لكل أردني محترم معني ببلده وأمته".
 
التداعيات للسياسة الأمريكية
 
كان التعاون العسكري بين الولايات المتحدة والأردن قوياً على مدار سنوات؛ فعلى سبيل المثال، تُحلق طائرات النقل الأمريكية من طراز "سي 17" بصورة دورية فوق عمان في طريقها إلى "مطار ماركا"، ولم تكن هناك سوى شكاوى محدودة من السكان المحليين. إلا أن ما ميز هذا التعاون هو عدم أخذه شكلاً بارزاً إلى حد نسبي. ويُعزى رد الفعل الشعبي السلبي تجاه المبادرات الأخيرة بشكل مباشر إلى طبيعتها العامة التي تدعو للأسف. لقد كان إعلان الوزير هيغل عن نشر القوات وما تبعه من تسريب لصحيفة "لوس أنجلوس تايمز" من قبل مسؤول آخر رفيع المستوى بشأن خطط وزارة الدفاع الأمريكية لإرسال نحو 20,000 جندي إلى الأردن أمراً غير حكيم وأضر بالملك عبد الله. فقد كان العاهل الأردني مشتبكاً بالفعل في السيطرة على الضرر الذي ترتب على مقابلته المثيرة للجدل مع مجلة "ذي أتلانتيك" الشهر الماضي، عندما أساء علانية لأنصاره من الضفة الشرقية.
 
لا شك أن المعارضة المحلية للمساعدات العسكرية الأمريكية قد تتغير لو تدهور الوضع بشكل كبير على طول الحدود، أو إذا تحولت موجات اللاجئين الحالية إلى فيضان، أو إذا قام الأسد برعاية هجمات تخريبية نشطة أو إرهابية أو هجمات كيميائية ضد الأردن. إن التخطيط لهذه الأحداث الطارئة والاستعداد لجميع هذه السيناريوهات — وكذلك المحادثات بشأن زيادة التمويل الأمريكي والدولي للاجئين في الأردن — يجب أن يكون على جدول أعمال الرئيس في قمة الجمعة. ومن بين القضايا الحيوية الأخرى مناقشة خفض مستوى الدعاية المصاحبة للتعاون الأمني الثنائي الأساسي. والأهم من ذلك أنه مع بدء الإدارة الأمريكية مسيرة بطيئة ومتقطعة ومترددة تجاه مزيد من المشاركة في الصراع السوري، ينبغي على كلا الزعيمين التحلي بالوضوح مع بعضهما البعض بشأن الإجراءات التي يمكنهما اتخاذها — بشكل منفصل، وجماعي أيضاً — لتعزيز استقرار الأردن، الذي يبقى أولوية أمريكية قصوى.
 
Exit mobile version