ما الذي اوجع ويوجع الإمارات؟!
لا عاقل إلى الآن يعرف الإجابة. وحدهم مستشارو السوء الذين جلبهم ولي عهد الإمارات من استخبارات الأنظمة الساقطة كمصر وتونس قد يعرفون إلى اين يقودون هذه البلاد التي كانت الوحيدة التي تتمتع بانسجام بين الحاكم والمحكوم.
هذا قبل أن تهب رياح الربيع العربي!
أما بعد هبوبها فقد تبددت الثقة واصبح الإماراتي غير آمن بسربه فقد يداهمه الأمن في وضح النهار أو منتصف الليل، ويقوده معصوب العينين، ويرميه في زنزانة ضيقة، ويهينه ويضربه ثم يجلسه على كرسي الصاعق الكهربائي.
وقد يمضي وقت طويل قبل أن يكتشف هذا المسكين ان (تغريدة) على (تويتر) عجلت بأجله وقذفت به في غياهب المجهول بلا اتصال مع عائلته وبلا حق مقابلة محام يدافع عنه.
ألم نقل أن مستشاري السوء يعرفون وحدهم إلى أين يقودون البلاد. انهم – يا سادة – يمضون حيث مضت أنظمتهم الهالكة. ولزيادة اليقين استوردوا كل اساليب الاعتقال والتعذيب والتنكيل وحتى فساد القضاء.
ولم يختر مستشارو محمد بن زايد الإسلاميين كتهديد محتمل لحكام الإمارات بمحض الصدفة، وان كان باعهم الطويل في محاربتهم والتنكيل بهم هو سر اختيارهم لوظائفهم الجديدة، إنما كانت فرائص محمد بن زايد ترتعد أصلا من الإسلاميين الذين يعتلون عروش مصر وتونس وينتشرون كالسرطان، والسرطان وصف من اوصاف لا تعد ولا تحصى اطلقها قائد شرطة دبي وأمنه وحتى رجال النيابة على المتهمين قبل ادانتهم.
والحقيقة هي ان الإسلام السياسي سواء كان إخوان أو سلفيين أو قاعدة هو ليس اكثر أعداء محمد بن زايد وحده فحسب بل انه يهدد كافة حكام الخليج الهادر ما عدا حاكم قطر الذي يلعب بكل ثقله على ملايين الحبال وطائرته الوحيدة التي كانت تقلع من مطار بغداد إلى مطار طهران قبل غزو العراق.
واخطأ الإسلاميون في الإمارات ليس لانهم فرحوا وعبروا عن ذلك حين اعتلى اخوهم (الإخواني) مرسي عرش مصر بل اخطأوا منذ اربعين سنة حين تأسست الإمارات وتأسست دعوتهم للإصلاح بمشاركة ودعم حكامهم حين كان يحكم الإمارات شيخ وزعيم حكيم. حتى أن أول رئيس للجمعية كان حاكم دبي الراحل أي والد حاكمها الآن.
نقول اخطأ هؤلاء حين صدقوا أن الحاكم لن يضيق بهم يوما. فهل يقيم العدل أي حاكم من الحكام فيطمئن باله من الله ومن عباده الذين يريدون الإصلاح؟!
ولأن الإماراتيين مختلفون اذ يتمتعون برغد العيش ويحبون حكامهم بعكس باقي العرب فإن حق التفكير والاعتقاد يعتبر من المحرمات عند طويل العمر. فلا حاجة للإماراتي أن يعتقد مثلا أن رسالة جماعة الإخوان نبيلة وسيرتكب جرما لو صرح بتأييده للإخوان أو جاهر بدعائه للرئيس مرسي أن يسدد الله خطاه.
ولأن الإمارتيين مختلفون ويحكمهم الغرباء في بلادهم الذين يحملون صفة (مستشاريين)، فإن الحملة الأمنية كادت أن تفرغ الإمارات من خيرة رجالها المتعلمين والذين تم تقديرهم بالمحافل الدولية ومن الذين اعتلوا المنابر يدافعون عن عروبة الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران في وقت كان حكامهم يدعمون اقتصاد الأخيرة ويعززون علاقتهم مع ملالي طهران.
والمحاكمات فضحت الإمارات فضيحة كبرى ولا قول غير ذلك.
ومن يقرأ تفاصيل جلسات المحكمة سيصدمه صفة المتهمين ومستواهم العلمي والثقافي والديني. ولا نعرف كيف شعر القاضي (فلاح) حين وقف أمامه استاذ القانون يعرف على نفسه قائلاً: تخرج على يدي الاف الطلاب. وكنت ذاهبا لألقي محاضرتي عن الدستور الإماراتي.. فكيف أخونه واحاول الاستيلاء على الحكم وانا أعلمه؟
ولا نعرف ايضا كيف شعر القاضي (فلاح) وهو يقاضي قاضيا مثله؟! وواحد تلو الآخر يقف امامه ويعلن ان ولاءه لحكامه حتى كان خاتمها المسك كله:
الشيخ المتهم بمحاولة الانقلاب على نفسه وعائلته!!
انه الشيخ سلطان بن كايد القاسمي احد افراد العائلة الحاكمة وابن عم حاكم رأس الخيمة. الذي اختصر أمام القاضي مسرحية مستشاري الأمن ببضع كلمات حين رفض المحاكمة على أساس تهمة محاولة الاستيلاء على الحكم. لماذا؟ لأنه يرى أن هذه التهمة تسيء إلى الدولة وتظهرها ضعيفة وهي ليست كذلك.
وهذه العبارة هي أكبر صفعة يتلقاها الأمن والقاضي وكبيرهم محمد بن زايد الذي سحره مستشاروه الأمنيون، صفعة وصفت انهيار سمعة دولة الإمارات. اختصرها الرجل وعبر بها عن حبه وولائه لدولته بكل صدق. ولم يسيء بكلمة واحدة تمس رجال الأمن رغم تعذيبهم لزملائه بل وصفهم بالإخوة وليس الأعداء.
وكشف الشيخ سلطان من حيث يدري على الاغلب أن الأمن الإماراتي صور للعالم ان دولة الإمارات دولة هشة ضعيفة يهدد نظام حكمها المدعم بحب وولاء الشعب بضع دعاة وحفظة قرآن وعلماء واصحاب الشهادات العليا ومنهم من خدم بديوان حاكم إمارته سنوات طويلة وكان محل تقديره.
لا أحد من الإماراتيين يريد أن ينقلب على حاكمه.
كل العالم يعرف هذا إلا حكام الإمارات لا يعرفون هذه الحقيقة أو لا يصدقونها، ويسمحون لهذه الفضيحة ان تهد ما بناه ابناؤها وحكامها الأوفياء منهم.
أن كل ما في الأمر هو ان الأقلية الإماراتية في بلادها تشعر بكثير من التغريب. انهم قبليون متدينون يكادون لا يجدون موطئا ببلادهم أو متنفسا على شواطئهم ومن حقهم أن يدافعوا عن هويتهم خشية من التذويب ومن حقهم ايضا ان يدافعوا عن دينهم.
اما انضوائهم تحت لواء الإخوان فهو بحد ذاته لا يعد جريمة فإن ما حدث بمصر لن يحدث بالإمارات واي عاقل يدرك هذه الحقيقة.
لكن هل صحيح أن مشكلة بن زايد مع الإسلاميين دون غيرهم؟!
دعنا نفكر ثانية
تخيلوا لو ان قوميين يدعون للوحدة العربية فازوا بانتخابات مصر وتونس هل سيهدأ بال بن زايد؟
وان كان الإسلاميون هم المشكلة فلماذا اعتقل الأمن الناشط الليبرالي الإماراتي أحمد منصور من قبل؟
لا إسلاميين ولا قوميين ولا ليبراليين.
بل لا يأس يعتري طويل العمر من أن يبعث حسني مبارك من جديد والاستعداد لدفع الفدية بالمليارات كي تعود عقارب الساعة إلى الوراء!
ثمة من يهمس بإذن محمد بن زايد: بامكاننا أن نوقف عقارب الساعة أو حتى نعيدها وأن نكذب والناس يصدقون.!
اذن ألهذه الدرجة الدولة ضعيفة هشة تذريها أي رياح وأين جيشها المجهز بأحدث الأسلحة وبثلاثة آلاف جندي كولمبي؟! وأين حب الإماراتيين لشيوخهم وهذا الحب هو أكبر جدار منيع لأي محاولة للاستيلاء على الحكم.
ولأن الإماراتيين (غير) والدولة خائفة ترتعد فقد حجبت عنهم صحيفة (وطن) للمرة التاسعة!!
واضحت صحيفتنا بالمحاكم أداة جريمة يعاقب عليها المتهمون بأنهم تلقوا دعمها بصفتها صحيفة التنظيم العالمي السري للإخوان المسلمين وفق شاهد من جهاز الأمن (مشافش حاجة). ولو كان الضحك مسموحا بالمحاكم كما دور المسرح لضحك الجمهور حتى الصباح.
وربما ضحك أكثر حين واجه محامي المتهمين الشاهد وقد ضاق ذرعاً من شهادته يسأله: ما رايك أن صاحب صحيفة وطن يغرد خارج السرب ملحد؟
رد الشاهد: لا أعرف.
ولن يعرف. جاء يحفظ كلمات يرددها والسؤال فاجأه.
على كل الإحوال وصف المحامي – جادا أو مستهزئا – للصحيفة أو صاحبها بالإلحاد ليس الأول.
وصفت (وطن) على مدار اثنين وعشرين عاما بأنها بعثية وحمساوية وليبرالية وثورجية وناصرية وصدامية وإخوانية وصهيونية ومثيرة للفتن واتهمها معهد صهيوني في واشنطن انها تؤيد الارهاب.
هذا ليس بجديد وتعودنا عليه.!
كما أن اصرار الأمن الإماراتي على شن حرب ضروس على صحيفتنا لم يفاجئنا فلكل فعل ردة فعل ومن يطرق باب الأنظمة القمعية يسمع الجواب.
وطرقت (وطن) الباب عن سابق إصرار وترصد وبالتالي جمع مستشارو الأمن الغرباء أعوادهم فلم يجدوا افضل من اتهام الصحيفة بأنها تصدر عن تنظيم الإخوان المسلمين حتى تكتمل مسرحيتهم السخيفة التي يهمهم أن تلقي السرور في قلب محمد بن زايد ذلك بأنهم أجهضوا مخططا للاستيلاء على الحكم وبالتالي يبررون بقاءهم كمستشارين يغدق عليهم الشيخ الذي استوردهم بالمال والعطايا.
نقول ما فاجأنا هو اصرارهم على وصف (وطن) بالإخوانية والجهر بهذا في دار القضاء. وتأكدنا حينها أننا فعلاً أمام مسرحية هزيلة بإخراج غبي وسيء وأن الإمارات اذا تركت أمرها بيد جهاز الأمن على حاله بمستشاريه وكبير الغوغائيين ضاحي خلفان لباتت فعلا دولة هشة تستعين بعضلات الأخرين ليس ضد الإيرانيين الذين يحتلون أراضيها بل ضد خيرة ابنائها.
لكن ما الذي أوجع الإمارات من (وطن)؟
صحيفتنا لم تختر التغريد خارج سرب الإمارات فحسب وليأت أي متابع لها بدليل واحد إنها وفرت دولة أو حكومة عربية أو أجنبية. وبالتالي لا يمكن أن يمر خبر سحب دولة لجنسيات مواطنيها – حيث بدات حكايتنا مع الإمارات – مرور الكرام أمام اي صحفي. فالمواطنة ليست هبة أو عطاء من الحاكم والمواطن ليس بموظف في شركة يفصله رئيسها ويقول له بعد ذلك: إرحل أو أعثر على كفيل.
طرقنا الباب مترصدين لما يحدث وسيحدث. انها طريقتنا مع الإمارات وغيرها. وحينها دخلنا يا قوم في عش الدبابير!
بدأت معركة الأمن مع (وطن) وحققت الإنتصارات التالية:
قطع تعاقد الصحيفة مع شركة اعلان مقرها دبي كانت تحتكر المساحة الاعلانية في الموقع الإلكتروني.
عشرات الهجمات على الموقع واغراقه بالفيروسات
قرصنة الحسابات البريدية لكل العاملين بالصحيفة وقرصنة الحساب البريدي الشخصي لناشر الصحيفة.
الاستيلاء على اسم نطاق (دومين الموقع)
حملة شتائم مستمرة على مدار الساعة من حسابات وهمية تتبع الأمن الإماراتي.
حجب موقع (وطن) في الإمارات
الاستيلاء على حساب فيسبوك وتويتر واطلاق رسائل اعتذار لحكام الإمارات وشعبها.
حجب مدونتها
حجب تسعة راوبط مواقع تنشر مواضيع (وطن)
وأولا وأخيرا وصفها بانها تصدر عن التنظيم العالمي السري للإخوان. وفاتها أنها لن تستطيع أن تبرر لشعبها الذي كان يتابعها هذا الاتهام الذي وجهته كدليل أن المعتقلين يريدون الاستيلاء على الحكم .. طيب كيف تكون إخوانية وتنتقد قطر وكيف إخوانية وهي من أشد منتقدي حماس وكيف اخوانية ومديرة تحريرها من اشد منتقدي (مرسي) والإخوان وكيف إخوانية والإخوان أنفسهم يشتمونها.؟؟!
فات مستشارو الأنظمة الهالكة أن صحيفة (وطن) ليست نكرة. وأن ناشرها ليس نكرة وأن قارئها ليس غبي! وان هناك محرك بحث في جوجل ووراء (وطن) تاريخ يمتد إلى 22 عاما.
فقدوا صوابهم. واوجعت (وطن) التي لا يزيد عدد العاملين بها عن ستة اشخاص الأمن الإماراتي فمارس خبراته التي جلبها من مصر وتونس وغزة بمحاولة خنقها. عندئذ بدت الإمارات دولة ورقية هشة رغم انجازاتها (الكبيرة) التي تتباهى بها. تتصرف كالصغار وتحجب موقع إخباري رغم تواصعه إلا انه نافس الصحف الإماراتية التي يصرف عليها الملايين بشعبيته بين الإماراتيين.
كانت جريمة (وطن) الكبرى انها فتحت منبرها للرأي الأخر المعتقل والمقموع في زنازين انفرادية. ونشرت الوجه الآخر لفصول المسرحية. كان عليها أن تلتزم بان تدخل في جوقة الرداحين مثل خلفان. وأن تسير في سرب الإعلام الحكومي أو المواقع الممولة من الأمن الإماراتي والتي مسخت ثورات الشعوب وجعلت محورها: هل تريد حكم المرشد والتشدد والتطرف والفوضى أم تريد شيوخك وأمرائك وسلاطينك وملوكك؟!
وتناسى هذا الحاكم ورفض كل الاصلاحيات الضرورية تماشيا مع سنة التغيير.
انه هروب لا للإمام ولا للخلف. مكانك راوح أمام زمان متغير ومنقلب وجارف وصاعق.
اذن لعل وعسى.. ارتاح محمد بن زايد بعد ان حجب (وطن) وشرخ مجتمعه الذي لم يرض ولي أمر عليهم غيره
لعل وعسى ينجح محمد بن زايد بأن يبقى الوصي على عقول الإماراتيين: ماذا يقرأوا وماذا يعتقدوا وحتى دينهم يفصله لهم وكأنهم ما زالوا يلبسون (الحفاظات) وعقولهم غير ناضجة.
لعل وعسى.. بحجب موقع وطن تكون انتهت مشاكل الإمارات ورضي الناس أن يكونوا مخلوقات مجمدة أمام التغيير الذي هو سنة الحياة لا يشاركون بالقرار والمستقبل يأكلون ويشربون ويتمتعون ولا يتعين عليهم أن: يفكروا يعتقدوا ينتموا يغردوا يكتبوا ما يخالف أو حتى ينصح ولي الأمر. ومن يفعل سينضم فورا إلى خانة الإخوان المسلمين ويتهم بدعم التنظيم السري في الإمارات.
لعن الله (بوش) نبي بعض حكام الخليج حين قال: ان لم تكن معي فأنت ضدي؟ فاقتدى الحكام بقوله.
إدارة تحرير صحيفة وطن