انتفض الشعب العماني يوم 25/ فبراير 2011 م رافعا عقريته بمطالب الاصلاح والتغير ومحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين دون خوف او وجل ، بعد صمت طويل اوحى للحكومة اللا رشيدة بانه ما لجرح بميت ايلام ، حتى غدا اللعب على المكشوف ، والبطالة بلغت اوجّها ، والفساد اصبح شعار المرحلة ، وعلى عينك ياتاجر ، فيما اوغل فرسان تلفزيون عمان الملون ومنافقي السخافة العمانية من مخرجات المدرسة الرواسية في عزف سمفونية الكذب والنفاق ، تدجينا وتجهيلا واستخفافا بالرأى العام وتسطيحا للعقل والفكر والرؤى. ليكتشفوا فجأة بعد اربعين عاما ان جرعات التخدير وحفلات الزار والبخور التى يتولى كبرها كهنة المعبد وحراس الدير قد ذهبت ادراج الرياح ، وان الشعب العماني بتاريخيه وعظمته وثوراته التى توالت في وجه الظالمين لاتزال يجري عنفوانها في دمه ، وقد اثبت ان للصبر حدود. وان الشعب اذا اراد الحياة آزرته ارادة القدر وتذللت تحت قدمية الارض وبسطت اديمها لا عوج فيه ولا امتا.
ولاول مرة وجدت الحكومة نفسها بعد اربعين عاما في حيص بيص وبين المطرقة والسندان وقد فاجئها الشباب بارادتهم الصلبة ، وقدرتهم على الانتفاضة في تلاحم منقطع النظير امتد من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب ،. وتعددت المطالب وتوحددت واجمعت على ضرورة الاصلاح واقصاء ومحاكمة الفاسدين ، كانت تلك نقلة نوعية في فكر الشباب العماني وتطلعاته الى المستقبل والى دولة المؤسسات الحقيقيه ، نقلة عجزت الاجهزة الامنية عن رصدها وتوقعها زمانا ومكانا، الامر الذي عكس فشلها الذريع في قراءة الواقع وتشخيصه والتنبأ بالحراك الشعبي مما يعني ان الميزانية الضخمة الىتي كانت تنفق على هذه الاجهزه لم تكن تنفق في وجهها الصحيح.
وهكذا وجد النظام نفسه امام استحقاق شعبي ضاغط لافكاك منه الا بتقديم قرابين الفداء من اصحاب المعالي والسعادة لأمتصاص الغضب الشعب الهادر ، فتهاوت قلاع اصحاب المعالي وتساقطت المقصات والنجوم من على اكتافهم ، فلا عاصم اليوم من غصب الشعب ولا حصانة او استثناء لاحد فكلهم في ساحة الفداء سواء ، ولم يفلت منهم الا ذو حظ عظيم ،. ورويدا رويدا خفتت وهجة الغضب عند الشباب وتراخت المطالب بعد جرعات التوظيف العاجلة واستعادة الحكومة توازنها وتمكنت اخيرا من اقتلاع بقايا خيم الاعتصامات بجنود تسلحوا بالعصى والهروات ، في مشهد لم تشهد له الجيوش مثليا.
وبذلك ظن بعض من رجال السلطة ان الحراك الشعبي قد انتهى وتم اخماده بعملية (مخلب القط ) التى لا تغيب دلالتها على احد ، وازدادوا ثقة باخمادهم بعض التحركات المحدودة والارتدادبة لمعلمين وعاطلين ومتحجين في مناطق متفرقة من السلطنة سرعان ما تم السيطرة عليها بالعصى والهروات وقوات مكافحة الشغب ، حتى كاد البعض منهم ان يقيم على الشعب مأتما وعويلا
، وهكذا عادت مكنة النفاق الاعلامي تدور من جديد وفرسان التطبيل تقرع طبولها وتعيد نفس المعزوفات المشروخة ، وكأن اعتصامات ومظاهرات ٢٥ فبراير حدثت في جزر الواق واق وليس في عمان
ان سياسة حجب الحقائق عن السلطان التى كان يمارسها المكتب السلطاني والدوائر المقربة من السلطان قبل المظاهرات والاعتصامات التى اجتاحت البلاد عام 2011م واثنائها ، وهو الامر الذي قيل ان السلطان كشفه اثناء لقاءه مع اعضاء مجلس الشورى ابان الازمة ، بعد ان انطق الله بعض اعضاء مجلس الشورى وقدموا للسلطان الصورة لحقيقية لما يجري على ارض الوطن وما يعانية الشعب من الفساد الذي استشرى في كل مفاصل الدولة ( قال السلطان حينها انه لم يكن يعلم ) كادت ان تودى بالبلاد الى الهاوية. لولا مسارعة السلطان الى اتخاذ تلك القرارات الحاسمة التى اطاحت بوزراء ومسؤولين لم يخطر ببال احد يقظة او مناما انهم يمكن يخرجوا من السلطة يوما على غير يد عزرائل.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل عادت سياسة حجب الحقائق عن السلطان مجددا ؟ وهل عاد المكتب السلطاني والدوائر المقربة من السلطان الى لعب نفس الدور في تغييب الحقائق كما كان يحدث من قبل ؟ وهل يمكن ان يقبل الشعب مجداد في انتفاضة قادمة لا محالة بمجرد اقالة بعض المسؤولين حتى لو. كانوا من الوزن الثقيل ؟ كما تمت اقالة من كان قبلهم لاسترضاء الشعب واخماد انتفاضته؟ وهل هذه المرة ستسلم الجرة
تساؤلات كثيرة تطرح نفسها في ظل تراجع حرية التعبير وتراجع دولة المؤسسات وتولى الاجهزة الامنية مطاردة الكتاب والاصلاحين والتضييق عليهم وجرهم الى المحاكم وتكميم الافواه وتفاقم مشكلة البطالة واعتماد سياسة العصا في مواجهة الاستحقاقات الوطنية والمطالب الشعبية.
بكل تأكيد ان الايام كفيلة بالاجابة على هذه التساؤلات مالم يبادر النظام الى تصحيح المسار واعادة القاطرة على سكة الاصلاح من جديد.