زمزم وانعكاساتها على الداخلي الاخواني الأردني

زمزم 
ألقى قائد العمل السياسي السابق لدى الحركة الإسلامية الدكتور رحيل غرايبة ومن خارج الأسوار التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين مبادرة زمزم ،مبادرة شغلت الأفق السياسي المحلي وأثارت الجدلية داخل صفوف الحركة الإسلامية،زمزم  مبادرة اكتسبت اسمها الحركي من الفندق الذي عقدت فيه اجتماعها التحضيري الأول،مبادرة قد يرى مهندسها أنها قد تكون مرحلة جديدة في  العمل السياسي من عمر الأردن الحديث وفارق في  طريق العمل  الوطني إذا ما كتب لها النجاح .
(1) زمزم  الفكرة والباعث 
يقدم مهندس المبادرة الدكتور رحيل غرايبة بان المبادرة جاءت كحالة من استدراك الواقع السياسي الذي يعيشه الأردن بعد أن وصل إلى مرحلة من انعدام الأفق  نتيجة  ثنائية  الصراع  التي  استحكمت  بين  الحركة  الإسلامية  والنظام  الأردني إذ  يقف كلا  الطرفان على نقطة النقيض .
يسوق الدكتور رحيل غريبة  مبررات مبادرته بأنها  جاءت  لإشراك  جميع  قوى  المجتمع  الحية في  صناعة   المستقبل  الأردني، مبادرة مدفوعة برغبة تكوين جبهة عريضة في مواجهة انهيار الدولة الذي يعيشه الأردن حاليا على جميع الصعد سياسية واقتصادية واجتماعية  وأمنية إضافة إلى غول الفساد الذي يبتلع البلد .
يعتبر الغرايبة مبادرته طوق النجاة الأخير الذي يمكن أن يُلقى لإخراج الأردن من أزمته العالقة، أزمة استعصت على الحل وعجز كل اللاعبون عن الخروج من الخنادق التي يتمترسون فيها ، إضافة إلى استفراد النظام  واسترخائه في صراعه مع الحركة الإسلامية التي استطاع أن يحد نفوذها ويقلم أظافرها بالتخويف أحيانا وإثارة النزعات العنصرية المجتمعية أحيانا أخرى . 
الغرايبة يرى الحل للخروج من الحالة الراهنة وإجبار النظام على سلوك طريق الإصلاح هو  تعريض  جبهة ممانعة  الفساد   والانهيار في  الأردن  وتحويل المعارضة  من  حالة فردية  لحزب  إلى حالة مجتمعية  يعيشها كل  أبناء  الأردن  الذين  لم تتح  لهم  الظروف  في  أن  يكونوا جزء  من  الجسم  السياسي  المعارض  في  المراحل  السابقة ، جبهة  تضم  كل  من لديه الرغبة  والقدرة على التغيير  ليقف  الجميع في  وجه  النظام  وأدواته التقليدية المحاربة للإصلاح ويشكلوا حالة  جديدة في  مواجهة  الاستبداد والفساد .
 
 
 
 
(2) زمزم الجدلية داخل  الحركة 
لا يوجد شيء  يختلف  عليه  الصف  الاخواني  إلى جانب  جدلية أسماء بعض القيادات السابقة والحالية  بقدر  اختلافهم  على مبادرة  زمزم  .
مبادرة  ظلت  بعيدة عن  القواعد  الاخوانية  نتيجة للتعميم  الذي  أصدره المكتب  التنفيذي والذي يحضر بموجبه على أفراد  التنظيم  التعامل مع المبادرة . 
قيادة ترى في  المبادرة  انشقاق  تنظيمي  ناعم  وخروج  على  الشرعية  الانتخابية  للمكتب  التنفيذي  والمراقب  العام  ، فيما يراها   أنصار المبادرة  واجهة  عمل  جديدة لا تتعارض  مع  ثوابت  الحركة  الإسلامية  والوطنية.
القيادة الحالية ترى بان المبادرة جاءت محاولة من أصحابها لتخطف منها المرحلة الحالية  وتديرها بطريقة مختلفة ، قيادة ترى أنها فرغت من تحديد معالم المرحلة القادمة للوصول إلى الدولة الحديثة بالنقاط السبع  الشهيرة المتفق عليها داخل الجسم الاخواني وبقرار من أعلى هيئة قيادية مجلس شورى الجماعة وأنها في مرحلة التنفيذ التي جاءت مبادرة زمزم لتشويش عليها.
كما يرون أن المبادرة لا تعدو أكثر من اجترار لما جربته الحركة  الإسلامية  في تعاملها مع النظام على طول العقدين السابقين وان مستقبلها محكوما عليه بالفشل والتناقض  ، كمان أن تجارب الحركة مع القوى الأخرى لا  تبعث على  التفاؤل إذ سرعان ما كانت تلك القوى تتخلى عن  الحركة في المواقف المصيرية لينكشف ظهرها في الميدان وما مسيرة الزحف المقدس قبل عقد من الزمان منهم ببعيد إضافة إلى معركة مقاطعة الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي هرول لها اليسار بدون مقابل .
 كما يؤكدون على أن  المبادرة  لم  تأتي  بجديد فيما  يخص  المشروع  الإصلاحي  الذي  تتبناه الحركة  إلا  ما تعلق  باستثمار الطاقات  المستقلة  والغير  حزبية  في   العمل  للمشروع  الإصلاحي  الوطني .
المراقبين  يؤكدون بان المبادرة تمثل مرحلة  تمهيدية لانشقاق تنظيمي خاصة فيما  لو قررت  زمزم المشاركة في  العملية السياسية والتي  تقاطعها الحركة الإسلامية ، سيكون هناك انفصام بين الو لاءات التنظيمية لأبناء  الحركة الإسلامية  الذين  يعيشون ازدواجية العضوية بين الإخوان وزمزم.
يسوق مؤسس المبادرة  المبررات لمجيئها من خارج  أسوار  المركز العام للحركة  الإسلامية  لتأكيد   استقلالية  المبادرة  وأنها  غير  تابعة  لأجندة  الجماعة  ومشروعها و وسائلها وأدواتها ، وأنها جاءت  لتجميع كل الطاقات المجتمعية على نقاط  الاتفاق  في  المشروع  الإصلاحي الذي يريد .
 كما يؤكد بان زمزم لم تعد ملكا له ولا للحركة الإسلامية وإنما ملكا للوطن ولجميع الأطراف  الفاعلة  بها  وملكا لمجتمع نخبوي يعلق أمال على  نجاحها في تغيير الواقع .
بعض المتابعين يرون بان المبادرة جاءت  من خارج  الجسم  التنظيمي  الاخواني   ودون علم قيادته ومباركته  كردة فعل  من  التيار  الأكثر اعتدالا  في الحركة  للتخبط الذي يراه من  قيادة الحركة في  ادارة  المرحلة  الأهم من عمر  الأردن، تيار يرى  أن هناك لحظات تاريخية  يعجز  المكتب التنفيذي والقيادة الحالية  عن  الاستفادة منها واستثمارها.
 
 
 
 
(3) النظام  والمبادرة 
يجزم الكثير  بان  النظام  الأردني  أكثر فرحا  اليوم  في  حجم الاختلاف  الذي  أحدثته  المبادرة داخل  الحركة  الإسلامية  ، إذ  أنها  استطاعت أن  تشق  الصف   القيادي   إلى فسطاطين متساويين في  الحجم  تقريبا متنافرين في  الرأي.
في ذات الوقت النظام يتخوف  من مشروع زمزم لأنه  يمثل حالة اصطفاف  نخبوية لقوى متنافرة في الايدولوجيا متحالفة ومنصهرة ضده في مشروع إصلاحي  واحد ،  لكنه مرتاح  للموقف السلبي الذي اتخذه المكتب  التنفيذي من المبادرة  والذي بدوره  اضعف  المبادرة واضعف  الحركة  الإسلامية  معا ، موقف  احدث انشقاق في  الصف القيادي فاضعف الحركة وحرم  زمزم من سواعد إخوانية متمرسة في  العمل  العام فاضعف المبادرة .
بعض المراقبين يشير إلى شيء مقلق حدث أثناء السجال الداخلي بين القيادات الإسلامية حول زمزم إذ استخدم  التيار  المتشدد  سلاح غير تقليد في معركته مع التيار المعتدل وأنصار زمزم عندما ألقى عليهم تهمة  أردنة التنظيم وإثارة النفس الإقليمي  ليضمن التخلص من  المبادرة وعزلها عن لقواعد الاخوانية . 
سلاح في غاية  الخطورة ذاك الذي تم  استخدامه، اذا تمثل الحركة الإسلامية  الجسر الذي  يربط التناقض الديمغرافي  في  الأردن وان تسرب  مثل  هذا  المرض إلى الجسم الاخواني  يعني قطع الشعرة التي تربط  شطري الوطن ديمغرافيا  وان من شان ذلك أن يقسم الحركة والمجتمع على أسس إقليمية وديمغرافية بغيضة سوف تترك نتائج كارثية على الجميع .
 
احتمالات الصراع الداخلي
ارتفعت وتيرة  التدافع  والتوتر داخل  أروقة المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين في منطقة العبدلي على اثر  تصريحات  مسربة بإمكانية  تقديم  أعضاء  زمزم داخل  الصف لمحاكمات تنظيمية  ، البعض يرى  بان  زمزم قد أينعت وحان وقت إنهاء جدليتها داخل  الصف وأنها سوف  تحسم  خلال  الأشهر القليلة القادمة  وفقا لإحدى الفرضيات التالية :-
الفرضية الأولى :- تقديم  جميع  القيادات والأعضاء  داخل  الحركة  الإسلامية  المنتمين  لمبادرة  "البناء " زمزم  لمحاكمات تنظيمية  ، محاكمات  سوف  تسفر  عن  أحكام  فصل أو  وتجميد في أفضل  الظروف .
الفرضية الثانية: إبقاء الحالة  الراهنة على ما هي  عليه   الآن  والانتظار  لمعرفة مدى تفاعل  المجتمع  مع زمزم  وإعادة تقدير الموقف  منها لاحقا بناءا على ما يستجد من تطورات مع إبقاء  الحظر على أعضاء  التنظيم  من التعامل  مع المبادرة .
الفرضية الثالثة : ذهاب الحركة الإسلامية إلى حزمة من الإصلاحات الشاملة داخليا على أن تكون مبادرة زمزم إحدى مفردات  تلك  الحزمة .
 
ترجيح الفرضيات
يستبعد البعض قدرة المكتب  التنفيذي  بالذهاب  إلى محاكمات  القيادات والأعضاء  الذين شاركوا في زمزم  لما يمثله ذلك من إهدار كفاءات  نخبوية عالية  الإنتاجية في  جسم الحركة ،  كما أن  المكتب يمكن أن يعرض  نفسه  للحل خاصة مع  مجلس شورى متململ من أداء  المكتب الحالي إضافة لما يضمه من شخصيات جدلية  وحيازته لأغلبية  بسيطة ومتحركة أيضا في تشكل التحالفات.
الفرضية الثانية تستنزف الحركة وتترك الباب مفتوح على محاولة كلا الأطراف الضغط بالاتجاه الذي يريدونه وهذا ما لا يرده حكماء الحركة وقيادات الوسط 
تبقى الفرضية الثالثة الأكثر  احتمالية بناءا على تاريخ الحركة  الطويل في استعصاءها على الانشقاق  وقدرتها على ترميم قدراتها وإعادة بناء  ذاتها والخروج من خلافاتها وأزماتها بشكل  سلس وسريع نسبيا.
التوصية
الحركة الإسلامية اليوم بحاجة إلى عقد مؤتمر يضم جميع القيادات السابقة والقيادات الحالية للخروج ببرنامج ينهي حالة التجاذب الداخلي ويصفي جميع مفردات الخلاف ويفسح المجال للعمل الجاد بعيدا عن الصراعات الجانبية والشخصية، مؤتمر يمكن أن يعيد بحث المسائل التالية :
1- حل المكتب التنفيذي الحالي والإبقاء على منصب المراقب الحالي  وإعادة تشكيله بالتوافق من التيارات الثلاث بحيث يكون  لتيار الصقور ثلاثة مقاعد بما فيها منصب المراقب العام ولتيار الحمائم ثلاثة مقاعد ولتيار الوسط ثلاثة مقاعد مترافقا مع استبعاد جميع الوجوه الجدلية عن  ساحة الصف الأول . 
2- اتخاذ قرار بفصل تبعية حزب جبهة العمل الإسلامي عن جماعة الإخوان فصلا تاما وفتح أبواب الحزب ليكون حزب شعبي ينخرط فيه كل من يريد الإصلاح ويؤمن بالعمل الإسلامي الوطني السياسي وتفرغ تنظيم الإخوان إلى الدعوة والتربية .
3- إحالة ملف زمزم إلى حزب جبهة العمل  الإسلامي ليعيد صياغة شكل العلاقة معها بما يحقق بناء تعاون مشترك جاد ومثمر في خدمة  عملية الإصلاح ، ورفع الحظر المفروض على القواعد الاخوانية في التعامل مع زمزم .
4- الدعوة لانتخابات مبكرة خلال منتصف العام القادم في حزب جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين انتخابات تأتي  بعد تعديل النظام الأساسي للحزب والجماعة بما يمكن القواعد الاخوانية والحزبية من انتخاب  المراقب العام والأمين العام انتخابا حرا ومباشرا  لتمكين القائد المنتخب من بعد ذلك  تشكيل فريقه التنفيذي بمفرده  على أن يكون لمجلس الشورى الرقابة على خطة المكتب التنفيذية وميزانيته  المالية .
5- إعادة تشكيل المحاكم التنظيمية والحزبية وتعديل النظام الأساسي بحيث تكون  المحاكم صاحبة صلاحية كاملة في البت في جميع المخالفات التنظيمية على أن تكون قراراتها محصنة من  التجميد أو الإلغاء .
6- صياغة ميثاق شرف إخواني يلتزم به الجميع  يحترم  نتائج الصندوق والعمل كأفراد  تحت إمرة القيادة القادمة المنتخبة  لإعادة  النهوض بالعمل  الدعوي الإسلامي وترميم  واجهة الإخوان السياسية .
 
محمد العودات
Exit mobile version