يتساءل البعض عن سبب وقوف صحيفة (وطن) ضد الانقلاب العسكري الذي اطاح بشرعية رئيس منتخب، ويصنف ذلك بأنها تحولت إلى (بوق) للإخوان.
وهذه تهمة واحدة من تهم كثيرة طالت (وطن)، فقد صنفت على مدار عشرة أعوام أنها (بعثية) لأنها فضحت حجم التآمر مسبقا على العراق وكانت الصوت الوحيد الذي دافع عن عروبة العراق ضد الهجمة الإمبريالية التي كانت تستهدف هذا البلد وجيشه حتى تقدمه لقمة سائغة للإيرانيين.
واتهمت أيضا إنها ليبرالية وعلمانية بسبب دفاعها عن الأقليات المسيحية وعن الشيعة. باختصار لم تترك تهمة إلا والصقت بالصحيفة وناشرها.
ولو أردنا أن نعدد أسباب وقوفنا ضد الانقلاب لما اكتفينا بعشرات المقالات ولكنها (وطن) الذي يشهد قارئها منذ صدورها عام 1992 ان بوصلتها نادرا لا تخطيء وانها تتحسس المؤامرات قبل وفور وبعد وقوعها.
ونطمئن الجميع أن (وطن) لم ولن تتحول إلى بوق لأي نظام أو حزب سياسي. ونسجل هنا أن (وطن) اعربت عن رأيها بالاداء السيء لإدارة الرئيس مرسي وكنا وما زلنا نرى أن جماعة الإخوان لو بقت في السلطة حتى نهاية عهد (مرسي) لفقدت البيقة الباقية من رصيدها في الشارع الذي انتخبها لكي لا يعود الفلول إلى حكم مصر.
وطالما تمنت (وطن) لو أن مرسي عمل ما عمله الرئيس الفنزويلي الراحل تشافيز حين ناصر الفقراء فكانوا الجدار القوي الذي اسقط مؤامرات أمريكا والطبقة الغنية لاسقاطه. لكن الاخوان انصرفوا لطمأنة أمريكا بمحافظتهم على كامب ديفيد وامن (اسرائيل) ولم يستطيعوا ايجاد الحلول للأزمات التي تعاني منها مصر.
هل هذا يعني أن الفلول والعسكر لم يتآمروا على مرسي منذ اليوم الأول؟ لا.. بل تأمروا واربكوه بمجموعة أزمات اقتصادية وسياسية بالتنسيق والتدبير مع بعض حكام الخليج.
وطالما رأينا ان من حق مرسي ومن حق أي رئيس وطني يعتلي عرش مصر أن يحارب المؤسسات الثلاث التي كانت تشكل دعائم دولة مبارك وهي المؤسسة الإعلامية والعسكرية والقضاء. وتصدي مرسي لهؤلاء لا يعد خطأ يضاف إلى سجل اخطائه بل على العكس من ذلك.
من الطبيعي أن نؤيد الرئيس المنتخب الذي (طبخت) عملية الاطاحة به بعواصم خليجية وبمجرد رؤيتنا لحكام الخليج بعد نصف ساعة من الانقلاب يؤيدونه ويرسلون ملياراتهم لدعمه يجعلنا نطرح ألف علامة استفهام.
والمشكلة أن الصحافة الغربية فضحت مؤامرات هذا الانقلاب فيما معظم الاعلام العربي كالقرود الثلاثة لا ترى ولا تسمع ولا تتحدث. فهذه صحيفة هأرتس تتحدث عن زيارة رئيس الموساد للإمارات قبل ثلاثة أيام من الاطاحة بمرسي والتقائه بمحمد دحلان وأحمد شفيق ومسؤولين إماراتيين.
من الطبيعي أن نؤيد مرسي وقد استخدم الانقلابيون كل وسائل الكذب لكي يقنعوا الناس ان انقلابهم ليس انقلابا إنما ثورة.
هذه الثورة التي اثمرت عن مجموعة قرارات لم يتخذها مرسي نفسه الذي ثارت الجماهير ضده. ولم يقتل بعهده مدنيون يتظاهرون كما فعل العسكر.
ان محاولة شيطنة الاخوان لن يزيد مجتماعتنا إلا انقساما، فهؤلاء جزء من المجتمعات العربية بغض النظر ان اتفقت معهم أو اختلفت وهم ليسوا بضع مئات أو آلاف بل ملايين. وحين تطلق عليهم السلطات المصرية مع الخليج صفة ارهابيين، فانها تستبيح دماءهم وتقسم المجتمعات وتزيد الاحتقان وتفسد الثورات وكأنها انطلقت فقط لتؤول إلى سؤال واحد: هل أنت مع الإخوان أو ضدهم؟
لقد قلنا سابقا ونكرر ما نقول أن مشكلة هؤلاء ليست مع الإسلاميين، إنما مشكلتهم مع أي فصيل أو حزب سياسي أو أي رئيس وطني يحكم مصر أو واحدة من دول الربيع العربي ويخضع للمحاسبة والشفافية. فأصنام الخليج لا يريدون أن تتسبب عدوى الثورات بانتفاضة جماهيرهم التي تساق كالأغنام بدول استبدادية فاسدة تتحكم أقلية حاكمة بثورات البلاد التي تنفقها على دعم اقتصاديات الغرب والتآمر على الشرفاء والأحرار.
من الطبيعي أن نؤيد مرسي ليس لأنه (إخوان) بل لأن صناديق الاقتراع هي التي جلبته للحكم ولم يأت على ظهر دبابة كما فعل السيسي وان حاول أن يجمل انقلابه بتعيينات لحكومة مؤقتة لا تملك من أمرها شيئا.
من الطبيعي أن نؤيد أي رئيس تأتي به صناديق الاقتراع حتى لو كان المغني الشعبي (شعبولا) لأننا ندرك ان المؤامرة ليست ضد الإخوان أنما ضد الثورات العربية ومحاولة اعادة الساعة إلى الوراء وفرض دولة فاسدة يحركها شيوخ الخليج بملياراتهم ويتولاها من هو على شاكلة السيسي في حملات اعلامية فرعونية تضاهيه بالزعيم الخالد جمال عبد الناصر، ونسي هؤلاء ان اول من أطلق صفة الأنظمة الرجعية على أنظمة الخليج هو عبد الناصر نفسه.
ولكم أن تتخيلوا لو أن زعيما مثل عبد الناصر تولى عرش مصر، فهل كان سيتركه المتآمرون أم سيشيطوننه كما يفعلون الآن مع الإسلاميين.
وأخيرا نختم قائلين لعنة الله على جورج بوش الذي رسخ عقيدة (ان لم تكن معي فانت ضدي) فسار حكام العرب على سنته وسار الكثيرون من يسمون أنفسهم بالثوار والنشطاء على نفس النهج. فان كنا ضد الانقلاب اصبحنا (إخوان).
لن نكون (إخوان) ولسنا ضدهم ولا معهم ولكننا نعلم عن المؤامرات والانقلابات ما لم يعلم الكثيرون. وسنبقى نحارب أي سياسة اقصاء في عالمنا الذي لن تقوم له قائمة إلا حين يعترف ان الله خلقنا مختلفين وان من يختلف معك لا يستحق القتل والقمع والاقصاء.
أسرة (وطن)