أرشيف - غير مصنف

الثقوب السوداء ونزيف الطاقات

  • الثقوب السوداء ونزيف الطاقات في البداية يجب أن أوضح أن مصطلح الثقوب السوداء المستخدم في علم الفضاء للدلالة علي ظاهرة كونية جارى البحث ورائها ودراستها خارج القصد من حوارنا هذا شكلاً ومضموناً . وما أود أن أركز عليه بوصف " الثقوب السوداء " هي تلك الأخطاء أو الذنوب أو الجرائم أو المثالب القابعة في المناطق المظلمة المجهول ما ورائها في أى نظام إجتماعي أو سياسي أو إداري ،

  • والأول هو بيت القصيد ما دمنا نحيا كأفراد في نظم إجتماعية الهدف من ورائها واحد وإن تنوعت المسميات وتباينت الأليات . فبعقد مقارنة بين مجتمعين – دول أو ممالك أو أمم – أحدهما نراه ناجحاً والأخرمتخبط سنلاحظ أنه رغم الإختلاف في الأليات الضابطة/الحاكمة إلا أن أهم ما يميز أى مجتمع ناجح ويساعده علي الإستمرارية والتطور والمنافسة هي قدرته علي إكتشاف ثقوبه السوداء ودراستها وتحليلها بعقلانية وحيادية للوصول إلي الأسباب الجذرية التى أدت إلي حدوثها وحرصه الدائم علي شفافية تلك العملية ونزاهتها وتجردها قدر المستطاع والممكن واضعاً النتائج التى يتوصل إليها أمام كل عناصره بصورة مباشرة وسلسة تمكن الأفراد من تكوين التصور النسبي المتزن الذى يساعدهم علي إلتماس سبل التغيير نحو الأفضل بتلقائية ربما تكون موجهة بصورة غير مباشرة ولكنها تتناسب مع الطبيعة المعقدة التى أصبحت عليها المنظومات الإجتماعية الحديثة وربما يستغل البعض هذا التوجيه لإحكام السيطرة علي الأفراد منطلقاً من نظرته الأحادية – المادية فقط – نحو المجتمع .

  • ولكنها علي الأقل تحقق النجاح المرجو في الجوانب المادية للمنظومة وتلبى الإحتياجات الفردية علي أمل أن تستكمل المعالجة المادية بإشباع للمعارف والمبادئ اللازمة لثقل وتزكية الشخصية الفردية والمجتمع بالتبعية . وإذا تأملنا أخطر ما أصاب مجتمعاتنا العربية بصفة خاصة والشرقية بوجه عام من ثقوب سوداء ، سيفزعنا هذا الخلط المشوه بين مفهوم الغيبيات وفلسفة الغيب التى تخاطب الروح فينا لتحسها علي السعى المستمر في البحث عن الأفضل والأقوم والأحسن لتتجاوز مادية العقول التي قد تصيبنا بجمود أشبه بالوثنية من جانب وبين الخوف من المجهول المسيطر علي عقول الكثيرين والذى يروجه كهنة وحراس القصور الحاكمة تحت ستار " ليس بالإمكان أبدع مما كان " من جانب أخر .

  • هذا الخلط جعلنا كمن فقد بوصلة التوجيه وأصبحنا لا نعرف من أين إنطلقنا وبناءا عليه مهما كان هدفنا سامياً ونبيلاً لن نستطيع الوصول إليه لأننا وببساطه نتبع المسار الذى رسمته لنا السلطات الحاكمة ويمسك بمشاعلة كهنة يخدمون قصور الحكم وهم يتلحفون عباءات الدين، ومن يتجرأ منا ويتوقف ليتحسس بوصلته علي أمل أن ترشده مسار الحرية بعيداً عن القطيع ستلهبة سياط الحراس أو ستدوسة أقدام القطيع المندفع نحو السراب أو نحو مغارة علي بابا المليئة بالكنوز المتلئلئة.

  •  وأهم الأسباب التى جعلتنا أسرى هذا المسار الجبري من وجهة نظري هو قيد التواكل الذى طوقنا نحن به رقابنا ونحن في إنتظار من يصنع لنا واقع أفضل دون أدني جهد يذكر منا ، ويضاف عليه تشوه المفاهيم الدينية المتعمد من قبل رجال الكهنوت لتضليل الشعوب عن حقيقة حريتهم وجوهر رسالتهم التى هم فيها مستخلفون دون وسيط بينهم وبين خالقهم، ليس هذا فقط ولكن مايزيد الأمر تعقيداً وسوءاً جهل الرافضين للمسارات الجبرية بأبسط متطلبات العلوم الإجتماعية والإدارية ورفضهم الصبياني للخبرات التي توصلت إليها المجتمعات المادية وساعدتهم علي جعل الرحلة في المسار الجبري أحسن نسبياً ظناً منهم بأن التحرر الإجتماعي في الشرق يجب أن يمر بمرحلة تسامي يتجاوز بها الرحلة المادية وهو ظن إفتراضي حالم وغير واقعي حتى ولو نتج من نوايا طيبة. وكثيراً ما نُستَهلك نتيجة ما سبق في سعي مبتور تستخدم فيه السلطات الحاكمة أسلوب الوصاية – سواء متعمدة أو بدون قصد – لتحدد مسار تدعي أنه مختلف وفي حقيقة الأمر هو فقط أرحب من المسار القديم ليستوعب طاقات الرافضين وفي نفس الوقت يحدد ويقيد طموحات العارفين المخلصين بإبقائها علي مستوى الوعى العام أحادى النظرة ذاته داخل الإطار المصنوع مسبقاً بأليات جديدة ولكنها من ذات الفلسفة المادية.

  •  وهنا يضيع كل جهد مبذول في البحث وراء الأسباب الجذرية التى أدت إلي سيطرة الثقوب السوداء علي فكرنا وواقعنا لأن الألية التى تتيحها لنا السلطات الحاكمة ألية ماكرة تشغلنا بصراع ثأرى سطحي نابع من تطبيق مشوه لمعنى نبيل وهو القصاص العادل ، ويزكى هذا التشوه الفكري سلوك تطبيقي مندفع يستتر خلف ستار من الحرص العليل الذى ندعيه فقط لنتهرب من تحمل أعباء المسئولية الفردية تجاه واقع جمعي صنعناه جميعاً بأداء تمثيلي ركيك لم نجيد فيه القيام بالدور المرسوم لنا طبقاً للسيناريو المادي الذى رفضه غالبيتنا فقط بدافع تطلعنا لدور أكبر وعائد أضخم لا لعواره .

  • هذا الرفض الإندفاعي الأعمي لا يساعدنا علي تصحيح عوار الفلسفة المادية أحادية النظرة التى انتهجتها حكومات الغرب لإستعباد مجتمعاتها بصورة مادية سلسة بالنسبة لها وما ترتب عليها من تبعية مقلدة لحكومات الشرق، لأننا نعادي الوسائل التى إستغلوها ولا نعيد تطبيقها بما يخدم المبادئ والقيم التى تحتاجها كافة المجتمعات المعاصرة بصورة ملحة في ظل مرحلة التحول التى تمر بها الإنسانية الأن، مهدرين بذلك خبرات تكبدت فيها الإنسانية عصور من الجهد. وأرى أن أهم خطوة يجب أن نخطوها هي أن نتحمل نحن الرافضون في البلاد العربية بصفة خاصة والشرق بوجه عام لمسئوليتنا تجاه الإنسانية وأن نواجهة الثقب الأسود الأساسي الخاص بالخلط المشوه بين الغيبيات والخوف من المجهول، لنستطيع أن نصحح مفاهيمنا أولاً عن الغيبيات ثم نصحح طبقاً لها نظرتنا للماديات لنتحرر من الألية الماكرة التى توجهنا من خلالها الحكومات المسيطرة علينا في الشرق،

  •  وبعدها نستكمل الدور الواجب علينا في الأخذ بيد أخواننا في الإنسانية لنبحث سوياً عن مسارات أفضل وأحسن وأقوم تساعدنا علي تجاوز تركة من صراع مقيت تصنعة الحكومات المتأمرة لتستعبد الإنسان وقد خلقه الله حراً، وتفقد البشرية من خلاله كل الطاقات التى لو وظفت لتعظيم الإستفادة من الخبرات المتنوعة لتجاوزنا جميعاً كافة المعضلات التى تعيق مسارنا المادي أثناء حياتنا الأرضية .

زر الذهاب إلى الأعلى