أرشيف - غير مصنف

كونفوشيوس يعود لوطنه عبر باب المطبخ

كان موضع احترام ووقار في الصين لعقود، إلا أنه انتقد بشدة…

كان موضع احترام ووقار في الصين لعقود، إلا أنه انتقد بشدة خلال حقبة ماو، بيد أن الفيلسوف كونفوشيوس الذي كان ذواقة في حينه، يعود بشكل غير متوقع إلى البلاد، من خلال فن الطبخ، بفضل طهاة يطمحون إلى اعتماد التقليد وتطويره. ووقع الاختيار بطبيعة الحال على كوفو، مسقط رأس الفيلسوف الذي ولد فيها في العام 551 قبل الميلاد، وتوفي في العام 479، وهي تقع في إقليم شاندونغ الشرقي، بجهد من أصحاب المطاعم الواقعة في أزقة المدينة القديمة.

وعلى قائمة الطعام كتابا “الأناشيد” و”طقوس الجنكبة” وهما من كلاسيكيات كونفوشيوس،و حولا إلى تحلية كثيفة حلوة بعض الشيء، مصنوعة من دقيق البازلاء الصفراء وتقدم على شكل كتاب، برشات العسل والجوز المنتج من شجرة الجنكبة التي تعتبر أقدم شجرة في العالم.

إجاصة خريفية و “حساء الكنوز الثمانية”وثمة أيضاً طبق بالفجل الأبيض الآسيوي العملاق المشرح بشكل دقيق، مقلداً الاشجار المنمنمة في إشارة ربما إلى كلام الحكيم الصيني الذي قال “يمكن دائماً تحسين نوعية الطعام والأطباق”.

وفي فندق شانغريلا الفخم حيث يمكن أن تصل كلفة الطبق الواحد إلى 680 يوان (110 دولارات)، تُقدم نسخة أخرى عن “كتاب الاناشيد وكتاب طقوس الجنكبة” على شكل “إجاصة خريفية”، مزينة بحروف صينية.

وتعلو هذه التحلية تمور تخترقها بذور لوتوس وجوزة الجنكبة مغطاة بصلصة الكراميل، وعسل الأوسمانت وهي زهرة بعطر الياسمين.

ومن الأطباق الأخرى كذلك، حساء “الكنوز الثمانية” لقصر كونفوشيوس فهي خليط دقيق من صغير الدردار وخيار البحر والسمك.

أما سمك القريدس المغطى بالشعيرية المشوية والمشغولة كمنحوتة، فهي المجموعة المخفية لجدار الامبراطور “لو” الذي عثر في العام 154 قبل المسيح على كتب كونفوشويس الشهيرة، التي اختفت بعد عملية إحراق هائلة من قبل الإمبراطور.

فن الطبخ الجديدوالمطبخ “الكونفوشيوسي” يؤكد أنه يستوحي من أطباق أعدت خلال قرون في كوفو من قبل عشرات الأجيال من ذرية الفيلسوف المعروفين باسم كونغ، المأخوذ من كونغ زي الاسم الصيني للفيلسوف، والذين كانوا يعيشون في الأجنحة السكنية للقصر الضخم الذي شيد له، وكانوا على علاقة وثيقة بالأباطرة.

وطور أولئك على موائدهم طبخاً أنيقاً ومرهفاً من أجل تكريم الوجهاء الذين يحلون ضيوفا كباراً عليهم على ما يؤكد مروجو “فن الطبخ الجديد” هؤلاء.

لكن بالنسبة لذرية الحكيم، انهار كل شيء في القرن العشرين مع الاجتياح الياباني والحرب الأهلية وانتصار الشيوعية العام 1949، وفرت عائلات الكونغ، التي كانت عندها في الجيل السابع والسبعين، من كوفو بأعداد كبيرة وانتقلت إلى تايوان.

أربعة أجيالوفي ظل حكم ماو تسي تونغ أصبح مذهب كونفوشيوس رمزاً للماضي الذين ينبغي القضاء عليه، وخلال الثورة الثقافية بين عامي 1966 و1976 هدم الحرس الأحمر المعابد التابعة لهذا المذهب، معتبرين أنها “رموز بالية”، وقاموا بمطاردة لا ترحم للطهاة الكبار المؤتمنين على مهارات “رجعية”.

وتقول وانغ كسينغلان التي كلفتها وزارة التجارة العام 1980 اعادة اكتشاف فن الطبخ بحسب كونفوشويس، والتي تدير اليوم جمعية البحث المطبخي في شاندونغ “الثورة الثقافية عزلت حوالى أربعة اجيال”، وتؤكد أن إعادة تشكيل “المطبخ الكونفوشيوسي” يبقى تحدياً يترك مجالاً كبيراً للتفسيرات.

وتحذر كسينغلان من أن “البعض يحاول تبنى هذا المطبخ لكنهم لا يعرفون شيئاً في أطباقه وثقافته وتاريخه”.

وكان لتعاليم الفيلسوف التي تعتمد على احترام التراتبية والنظام والقدامى، تأثير كبير في المجتمعات الآسيوية وحتى القرن العشرين في الصين.

زر الذهاب إلى الأعلى