من المحتمل أن يصل الكونغرس إلى طريق مسدود في مواجهة الأزمة…
"وكأن المشهد يتكرر.. الرئيس ديموقراطي ورئيس مجلس النواب جمهوري". قالت ديبي الموظفة الحكومية عن مأزق الموازنة الذي يشهده الكونغرس الأميركي، في سيناريو يشبه ما حصل عام 1995 في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون ورئيس مجلس النواب الأسبق نوت غينغريتش. "إنها نفس الأحداث". أضافت ديبي وهي تعود بالذاكرة إلى تاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1995. وتابعت قائلة ".. في ذلك اليوم من نوفمبر/تشرين الثاني، استفاق الأميركيون ووجدوا أن كل شيء كان مقفلا.. الحدائق العامة، مكاتب وثائق السفر، المتاحف، الضمان الاجتماعي.. لقد أدركوا أن الدولة مهمة." وحصل الإغلاق مرتين في تاريخ الولايات المتحدة، الأولى بين 14 و19 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1995، والثانية من 16 ديسمبر/كانون الأول 1995 إلى 6 يناير/كانون الثاني 1996 (21 يوما). وكان نتيجة للصراعات بين الرئيس الديموقراطي آنذاك بيل كلينتون والكونغرس حول تمويل الرعاية الصحية والتعليم والبيئة والصحة العامة في موازنة عام 1996. وكانت ديبي من بين الموظفين غير الأساسيين الذين منحوا إجازة من دون راتب خلال الإقفال الأول، وفي الثاني قالت ديبي إنها كانت من ضمن مجموعة الموظفين الأساسيين، وأوضحت قائلة: "عملنا عن ثلاث أو أربع أشخاص.. كان الأمر متعبا للغاية.. قيل لنا إنه لن يتم دفع مرتبات الموظفين غير الأساسيين.. لكنهم عاودوا دفع رواتب الجميع"، وتردف "هذا أمر ضروري.. لا يمكن لأحد أن يتصور أن حكومته لا تريده.." لكن كيف تبدو الصورة اليوم؟ مع تصاعد الصراع السياسي بين الحزبين الديموقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس باراك أوباما، والجمهوري الذي يمتلك الغالبية في مجلس النواب، بات سيناريو الإغلاق قابلا للتكرار. وبحسب الدستور الأميركي، ينبغي إقرار الموازنة من جانب الكونغرس بمجلسيه قبل بدء السنة المالية. ويقر مجلس الشيوخ نسخته الخاصة به ويقوم مجلس النواب بإقرار نسخته أيضا، ثم يتفق قادة المجلسين على نسخة موحدة يتم إقرارها من المجلسين معا قبل إرسالها إلى الرئيس لاعتمادها.
غير أن الرئيس الأميركي يمتلك بدوره حق استخدام الفيتو لتعطيلها وإرسالها مرة أخرى إلى الكونغرس بمجلسيه لتعديلها والتصويت عليها مجددا. في هذه الأزمة، يحاول الجمهوريون تعطيل إقرار الموازنة الجديدة لإجبار إدارة الرئيس أوباما على تأجيل تنفيذ مشروع الرعاية الصحية "أوباما كير" الذي تدخل أجزاء مهمة منه حيز التنفيذ مع بداية العام المالي الجديد.
في المقابل، يرفض الرئيس أوباما هذا التعطيل لاسيما وأنه فاز في الانتخابات الرئاسية بعد أن وعد الناخبين بالمضي قدما في هذا المشروع الذي أقره الكونغرس حينما كان يسيطر عليه الديموقراطيون. ومن المحتمل أن يصل الكونغرس إلى طريق مسدود في مواجهة الأزمة المالية التي تلوح في الأفق، رغم المباحثات الشاقة التي يجريها الديموقراطيون والجمهوريون سعيا للوصول إلى حل يؤمن تمرير الموازنة.
وإذا فشل المشرعون في تمرير تشريع لتمويل الدولة الفيدرالية قبل 30 سبتمبر/أيلول، فإن الحكومة الأميركية سوف تغلق جزئيا أبوابها مع بدء السنة المالية الجديدة في الأول من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. وهذا يعني أن العديد من الوكالات الحكومية والبرامج التي تعتمد على اعتمادات التمويل السنوي من الكونغرس ستتوقف. ويقول مراقبون إن النزاع الحاد بين الجمهوريين والديموقراطيين وأوباما جعل من الولايات المتحدة تبدو غير محصنة فيما يتعلق بالمسائل المالية، مما قد يضعف "قدرتها على جذب الاستثمارات الجديدة"، بحسب أستاذ العلاقات الدولية والخبير بالسياسة الأميركية إدمون غريب. مشروع مجلس النواب وكان مجلس النواب قد صوّت على مشروع قانون موازنة موقتة لتفادي "إغلاق" للدولة الفدرالية.. لكن هذا مشروع لم يتضمن تمويلا لخطة "أوباما كير". ومن شأن مشروع قانون الموازنة هذا أن يبقي على عمل الحكومة جزئيا حتى 15 ديسمبر/كانون الأول المقبل وتجنب إغلاقها مع بداية السنة المالية الجديدة في الأول من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ومن المتوقع أن يصوت مجلس الشيوخ على هذا المشروع بعد تعديله على الأرجح وإضافة التمويل لخطة "أوباما كير". "لذا فإنه لا يتمتع بأي فرصة للمرور في مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه حلفاء الرئيس الأميركي"، بحسب ما قال غريب. يشار إلى أن البيت الأبيض اعترض على مشروع قانون مجلس النواب مؤكدا في بيان أن أوباما سيستعمل حق الفيتو في حال وصول المشروع إليه غير متضمن خطة تمويل "أوباما كير"، مشيرا إلى أن المشروع يعكس "أجندة أيديولوجية ضيقة تهدد اقتصادنا ومصالح الطبقة الوسطى الأميركية". غريب: التسوية تبدو صعبة
وأوضح غريب من جهته، أن "هذه المواقف تجعل التسوية تبدو صعبة"، وأشار إلى أن أوباما لن يقبل بتقديم تنازلات قد "تؤدي إلى ركود اقتصادي". ولفت غريب إلى أن الربط بين إلغاء تمويل "أوباما كير" والموازنة كان بمثابة شرط فرضه الجناح المحافظ داخل مجلس النواب (حزب الشاي) الذي يدعو إلى معالجة عجز الموازنة، ما أجبر رئيس المجلس جون بينر على إضافته إلى مشروع الموازنة الموقتة، "إنها مسألة شد حبال سياسية". ووصف زياد عبد النور من ناحيته، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة بلاك هوك بارتنرز، المواجهة بين الجمهوريين والديموقراطيين بأنها "مثيرة للقلق". تجدر الإشارة إلى أن أعضاء مجلسي الكونغرس سيبقون بصورة استثنائية في حالة انعقاد في نهاية هذا الأسبوع، سعيا للتوصل إلى حل. لكن ماذا سيحدث إذا لم يصل المعنيون إلى حل؟
أجاب عبد النور "دعينا لا نذهب إلى هناك"، واستطرد قائلا "شيئ مماثل حصل قبل عامين وخسرنا تصنيفنا الائتماني"، وذلك في إشارة إلى إجراء أغسطس/آب عام 2011، الذي كان الأول من نوعه في تاريخ الولايات المتحدة، إذ قررت وكالة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني تخفيض علامة الدين العام الأميركي بمقدار درجة واحدة، مرجحة فشل واشنطن في مواجهة عجز الموازنة الفدرالية. ما هي الوكالات التي ستقفل؟ في غضون ذلك، تستعد الوكالات الفيدرالية لـ"الأسوأ". فقد قالت سيلفيا بورويل مديرة مكتب الإدارة والموازنة يوم الثلاثاء إنه "لا يزال هناك ما يكفي من الوقت أمام الكونغرس لاستدراك مأزق الموازنة ومنع التخلف عن السداد". لكنها أضافت أن "الإدارة مجبرة على الاستعداد لإمكانية حصول مأزق". يذكر أن المتاحف والحدائق العامة وبعض الخدمات الإدارية ومراكز الأبحاث هي من الوكالات الفيدرالية غير الأساسية التي قد تقفل أبوابها، وقالت وكالة رويترز للأنباء إن حوالي 800 ألف موظف فيدرالي سيجدون أنفسهم في بطالة تقنية ويحظر عليهم العمل. وقال ستان كوليندر، كبير الباحثين في مركز كورفيس البحثي ومدير الاتصالات المالية إنه مع بدء السنة المالية بدون اتفاق "سيشمل الإقفال جميع الوكالات الحكومية ما عدا الوكالات التي تتعاطى السلامة العامة أي حماية الأشخاص والممتلكات"، مؤكدا "أن الإغلاق سيحدث لأيام معدودة وسيليه محادثات لحل الأزمة". انعكاس الأزمة على أسواق المال لكن ما هي النتائج المرتبة من هذا الإغلاق على الاقتصاد الأميركي؟
أجاب وزير الخزانة جاكوب لو في رسالة إلى البرلمانيين قال فيها "إن النتائج ستكون كارثية" إذا عجزت الحكومة عن تسديد كل فواتيرها. وقد انعكس المأزق المالي على سوق الأسهم الأميركية التي واصلت هبوطها في الأيام الأخيرة مع تزايد حذر المستثمرين. وقال عبد النور إن النتائج قد تكون على شكل "تصنيف ائتماني منخفض، إغلاق الحكومة وأكثر من 16 تريليون دين عام"، واضاف "إنها وصفة لكارثة". وبلغ سقف الديون 16700 مليار دولار في مايو/أيار، ومنذ ذلك الوقت اتخذت وزارة الخزانة "إجراءات استثنائية" لتفادي التخلف عن السداد، فأوقفت على سبيل المثال الاستثمار في صناديق تقاعد حكومية. وتوقع كوليندر أن يطال تأثير هذه الأزمة ثقة المستثمرين في السوق الأميركية، فيما أكد غريب أن الأزمة ستترك تداعيات سلبية على المكانة الائتمانية للولايات الأميركية، مشيرا إلى أن "هذا يرسل رسالة خطيرة لكثير من دول العالم".