تغادر سماء دارها كل صباح متوجهة للمناطق الساخنة بوجه حزين…
تغادر "سماء" دارها كل صباح متوجهة إلى المناطق الساخنة في سورية بوجه حزين وقلب يحمل كثيرا من الإصرار لمواصلة عملها في المنظمة التي تطوعت فيها قبل نحو سنتين لإغاثة المتضررين من الحرب الدائرة في بلدها.
تقول سماء (22 سنة) وهو اسم مستعار اختارته لنفسها لدواع أمنية، إنها كانت طالبة هندسة مدنية في جامعة البعث بحمص وعضواً في فرقة مسرحية قبل أن تتطوع للعمل كمسعفة في منظمة إنسانية دولية تنشط في كافة المناطق السورية بما فيها المحاصرة والساخنة سواء التابعة لقوات النظام أو المعارضة. وهي تؤكد أنه برغم كل شيء، ما زال هناك حراك سلمي في سورية، وهي قضية شائكة ينقسم حولها السورين بين موافق على أن الحراك لاسلمي قائم، وبين قائل بأن تسلح المعارضة قضى على السلمية. "معارضة الخارج هي المسؤولة"
ترى سماء إن السلاح كان الفخ الذي وقعت به انتفاضة شعبها. تقول إنه "قتل الكثير من أحلام الجميع وجعل الثورة تخسر تأييد كثيرين من كل الأطراف"، وتعتبر أنه هو الذي أوصل البلد إلى ما وصل إليه، وإنه "كان خيارا خاطئا حمّل الناس والشعب فوق طاقاته واحتمالاته". وتُصف سماء عملها التطوعي بأنه شكل من أشكال الحراك السلمي الشديد الصعوبة، والذي يموت الناس فيه بين يديك أحياناً، وأصعب اللحظات هي تلك التي نسعف فيها المدنيين الذين يقعون ضحايا الطرفين، والأولاد الذين يموتون بينما يلعبون في الحدائق".
وتعتبر سماء أن المعارضة في الخارج كانت المسؤولية عن التسلح، وتصفها ب "الفاشلة العميلة" التي تبنت السلاح واعترفت به في وقت مبكر، مما أدى إلى تعميمه. وبرغم أنها تجد أن الحل في سورية الآن "مجهول وصعب لأنه خرج من أيدي السوريين"، تشدد سماء على أن كل ما تتمناه هو أن "تتوقف الحرب ويتصافح الجميع".
السلاح خطر على المجتمع
ويشارك سماء في الرأي الناشط السياسي عدنان كزو، الذي يعتبر أن توجه المعارضين السوريين للعمل المسلح شكل خطرا على المجتمع. ويؤكد عدنان أن النشاطات السلمية التي تحاول التخفيف من وطأة الحرب، قد انحسرت في الإعانات الإنسانية، وأن المتظاهرين باتوا الآن يحتجون ضد الخروقات التي تطال المدنيين من قبل الجماعات المسلحة بدلا من الاحتجاج على النظام:
وفي حين يعتبر كزو أن النشاطات السلمية قد انخفضت كثيرا مع تحول "النضال السلمي إلى صراع مسلح"، يؤكد أن النشطاء أنفسهم أصبحوا يواجهون خطرا من القوات الحكومية ومن قبل المسلحين المعارضين بالتزامن.
"التسلح كان ضرورة"
وجهة النظر هذه يختلف معها جزئيا الناشط السياسي في مدينة دير الزور زياد عواد، الذي يدافع بحدة عن تحول النشطات السلمية إلى العمل المسلح، ويعتبر أنها كانت ضرورة فرضها "بطش النظام السوري بالمحتجين السلميين". لكن عواد الذي ينشط في المجال السلمي وأسس جريدة "عين المدينة" التي تنتشر في المناطق الشرقية من سورية، يؤكد أن دعاة السلمية لا زالوا موجودين وإن كان قد "تراجع عددهم واختلفت طرق تعبيرهم وسعيهم نحو التغيير والديمقراطية":
ويوضح عواد الذي أقر بالأخطاء التي نتجت عن العمل المسلح، أن الناشطين السلميين الذين كانوا يعبرون عن أنفسهم في المظاهرات في بداية الاحتجاجات، توجه قسم كبير منهم إلى العمل في المجال الإغاثي والطبي، بعد أن أفرزت طبيعة الصراع أزمات جديدة كان على هؤلاء العمل على معالجتها. ويرى أنهم يحاولون ان يبرهنوا بذلك أن خروج سيطرة النظام عن بعض المناطق يعني أن هناك "سلطة بديلة ديمقراطية تحافظ على مصالح الشعب، وتسعى لتأمين مصالحه".
"كفرنبل" رمز السلمية
وتوضح مي، الناشطة في لجان التنسيق المحلية، أن اللجان تُظهر لافتات أسبوعية كرسائل للعالم، وأن هناك في الوقت ذاته حراكاً سلمياً ضد التطرف، كذلك فإن هناك أنشطة سلمية أخرى مثل دعم الأطفال، متواجدة بقوة على الأرض في سورية.
وحين يتحدث السوريون عن استمرار الأنشطة السلمية في غمرة الصراع المسلح وتأثيراته على كل أرجاء البلاد، تتجه أنظارهم إلى بلدة في ريف إدلب يطلقون عليها لقب "كفرنبل المحررة" التي سميت كذلك بعدما "تحررت من قبضة النظام السوري منذ نحو سنة". وبرغم القصف الذي تعرضت له القرية، ومقتل العديد من أبنائها، إلا أنها أصبحت قبلة السوريين المغرمين بالخطاب المعتدل والتعبير عن رأيهم بطريقة سلمية وساخرة في معظم الأحيان عبر لافتات ورسومات كاريكاتور تنتشر على صفحات التواصل الاجتماعي، وأسسوا لها صفحة خاصة على فيسبوك. "سلمية ضد المتطرفين" في مقابل المعارضين للنظام، يرى طرف مقرب من الحكومة السورية وهو المحلل السياسي بسام أبو عبد الله أن المعارضة السلمية جزء أساسي من المنظومة الأساسية للدولة السليمة "وهو ما تعمل على إصلاحه الحكومة السورية في الوقت الحالي" حسب تأكيده. ويقول إن الحراك السلمي هو ضد الجماعات المتطرفة والقاعدة الذين استولوا على بعض المناطق". ويضيف، ردا على سؤال حول وجود ناشطين سوريين يؤمنون بالحراك السلمي ضد الحكومة السورية، إن "كثيرين استفاقوا على ما حدث في البلاد ووجدوا أنهم استخدموا أدوات تم كشفها مع مرور الوقت ورفع الغطاء عنها، مشددا على أن "التطرف الذي يقتل كل السوريين، لم يبق مجالا للحركة السلمية". "ثورة سلمية مسلحة" في الجهة المقابلة، يعبر القائد العسكري ضمن صفوف المعارضة المسلحة المناهضة للحكومة السورية في ريف دمشق "أبو يزن"، عن فكرة تجمع بين العمل المدني والمسلح. فلا يجد أبو يزن فارقا من حيث الجوهر بين العمل المسلح والحركة السلمية، وكلاهما يهدف إلى الدفاع عن الوطن والمواطن" حسب تعبيره. ويقول أبو يزن أنه لم يؤمن بجدوى العمل العسكري إلا بعد اعتقاله مرتين في المظاهرات السلمية وتعرضه للتعذيب وهو ما دفعه لحمل السلاح دفاعا عن نفسه، حسب تأكيده.
وأبو يزن الذي تشهد منطقته هدوءا نسبيا على صعيد العمل المسلح، عاد مع مرور الوقت لتكثيف نشاطاته السلمية عبر تأسيس مشروع زراعي وإنشاء مجلة أسبوعية أطلق عليها "صدى الحرية". وإلى جانب المجلة أسس المسؤول العسكري في منطقته قدسيا مشروعا زراعيا للتقليل من وطأة الفقر، حيث يقول إنه يوزع الخضار على المحتاجين من أهالي منطقته ومن النازحين إليها، إضافة إلى إيجاد فرص عمل للشبان المنشقين عن الجيش، معتبرا أن "العمل المسلح الذي لا يهدف إلى إنقاذ الناس من حياة البؤس التي كانوا فيها، هو عمل غير أخلاقي".