أرشيف - غير مصنف

مخاوف خليجية من تقارب أمريكي إيراني محتمل وسط حالة من انعدام الثقة على خلفية الحرب بسورية

بيروت ـ تحليل عدنان كريمة: أثار التقارب المفاجئ بين ايران…

أثار التقارب المفاجئ بين ايران والولايات المتحدة سلسلة مخاوف وهواجس لدى دول الخليج، وهي الحليفة التقليدية لواشنطن في المنطقة، وتخشى هذه الدول من سرية المحادثات ونوعية التنازلات التي قد تقدمها واشنطن، والتي قد تكون على حساب مصالحها الاقتصادية والسياسية، لاسيما وان التقارب الامريكي الايراني يأتي وسط “حالة من انعدام الثقة ” بين الطرفين الخليجي والأمريكي على خلفية الحرب في سورية.

بشر سفير إيران في بيروت “غضنفر ركن ابادي” اللبنانيين بخاصة والخليجيين والعرب بعامة، بتطورات ايجابية ينتظر أن تشهدها العلاقات الايرانية – العربية، ستظهر بوادرها بعد زيارة مرتقبة في وقت قريب للرئيس الإيراني حسن روحاني الى السعودية وما قد تحمله من نتائج ايجابية ستتفاعل في المرحلة المقبلة، وتوفر حالة من الاستقرار في المنطقة.

وفي الوقت نفسه، كشفت مصادر مطلعه في بيروت عن اتصالات تجري بين القصر الجمهوري في بعبدا والمسؤولين السعوديين في الرياض، وتتزامن مع اتصالات بين الرياض وطهران،قد تسفر في حال تجاوب المعنيين معها، عن تحديد قمتين: قمة سعودية – ايرانية وأخرى سعودية – لبنانية، حتى إن الولايات المتحدة وفرنسا، تشاركان في هذه الاتصالات حرصا” منهما على استقرار لبنان الذي بدا من اولويات المجتمع الدولي.

وقد اهتم المراقبون بـ “بشرى” السفير الايراني والتي نقلتها احدى اقنية التلفزة الفضائية، في الوقت الذي كانوا فيه يقرأون باهتمام كبير اسباب اعتذار الرئيس الايراني عن عدم تلبية الدعوة السعودية له لتأدية فريضة الحج هذا العام، وابعاد هذه الاسباب والتحليلات التي رافقتها، والتي اشارات الى أن هناك توازنات في ايران، على “روحاني” عدم تجاهلها، مثل المحافظين، اي المتشددين الذين يعتقدون ان الرئيس الايراني قدم “قبلة مجانية” بقبول اتصال اوباما، ومن دون مقابل حقيقي، وهذا ما سماه قائد الحرس الجمهوري الجنرال محمد علي جعفري بـ “الخطأ التكتيكي”.

وبما انه من الصعب عليه تقديم “قبلة مجانية” أخرى، لذا تراجع عن قبول الدعوة السعودية، وكان هذا التراجع لافتا “خصوصا” وان روحاني سبق اعتذاره قبل اسبوعين بوصف المملكة العربية السعودية بانها “دولة صديقة”.  وفي المقابل برز الموقف السعودي الذي عبر عنه وزير الخارجية الامير سعود الفيصل مرحبا” بما وصفه بـ “التصريحات الانفتاحية” لإيران على دول الخليج، ونقلت صحيفة “الرياض” عنه قوله “سمعنا النغمة الايرانية الجديدة في الحديث، وابداء طهران رغبتها في تحسين علاقاتها مع دول الجوار وفي الاطار العالمي، ونرحب بهذا التوجه كل الترحيب، ولكن العبرة في التنفيذ والأثر العملي بهذا التوجه، فاذا ترجم القول الى عمل، فسوف تتطور الامور الى الافضل”.

مخاوف .. وهواجس خليجية

لقد أثار التقارب المفاجئ بين ايران والولايات المتحدة سلسلة مخاوف وهواجس لدى دول مجلس التعاون الخليجي، وهي الحليفة التقليدية لواشنطن في المنطقة، اذ تخشى هذه الدول مما تعتبره طموحات توسعية لطهران، وترى ان اي تحسن في العلاقات بين واشنطن وطهران يمكن ان يساهم في استقرار وامن المنطقة، الا انها تتخوف من سرية المحادثات ونوعية التنازلات التي قد تقدمها واشنطن، والتي قد تكون على حساب مصالحها، اي مصالح دول الخليج، لا سيما وان التقارب الامريكي الايراني يأتي وسط “حالة من انعدام الثقة” بين الطرفين الخليجي والامريكي على خلفية الحرب في سورية، اذ ان دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية، تدعم المعارضة السورية، وكانت تفضل تدخلا عسكريا “حاسما” ضد نظام بشار الاسد، وبدلا من ان ينفذ الرئيس الامريكي باراك اوباما تهديده بالضربة التأديبية لهذا النظام عقوبة له على قتل نحو 1500 سوري خنقا” بغاز “السارين” فقد ضرب حلفاءه من الدول العربية وخصوصا دول الخليج.

ويرى المراقبون الخليجيون ان ما حدث في سورية يشكل أسوأ شهادة على التراجع الأخلاقي والاستراتيجي للولايات المتحدة الامريكية، ففي 20 اب (أغسطس) 2012 تعهد الرئيس أوباما بـ “خطوط حمر”، وبعد سنة، وبالتحديد في 20 اب (أغسطس) 2013، حذف هذه الخطوط عندما تراجع متقهقرا” واعطى ذخيرة اضافية لمجازر اخرى هروبا” منه من مواجهتها.  واذا كانت “الصفقة” التي تم الاتفاق عليها بين الولايات المتحدة وروسيا لا يمكن ان تتم مراحلها من دون ايران، كلاعب اقليمي مباشر في سورية، فإنها كذلك ليست ممكنة من دون دول مجلس التعاون، بقيادة السعودية.

ولوحظ في هذا المجال، ان روسيا تنسق مع حليفها الايراني وتتشاور معه في الازمة السورية وتحفظ له موقعه في كل مراحل المحادثات، في حين ان الولايات المتحدة لا تفعل ذلك بقيادة اوباما مع حلفائها في الشرق الاوسط باستثناء اسرائيل، وهي بالتالي تبدو غير حريصة على موقع دول مجلس التعاون الخليجي في اتمام الصفقة.  ولكن في مقابل ذلك، وفي محاولة للتخفيف من “شكوك الثقة” بالموقف الامريكي، اوضحت مصادر في واشنطن ان الرئيس اوباما اكد في مؤتمر صحفي عقده  بمجرد بدء التقارب، ان بلاده لم تخطو هذه الخطوة، الا بعد التنسيق مع الاصدقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، وان الولايات المتحدة لا تستطيع التخلي عن المملكة، لأنها هي التي تحافظ على التوازن الاقتصادي العالمي.  ومهما يكن الامر، وبانتظار جلاء الغموض وتوضيح المواقف، فانه اذا كان يحق لإدارة اوباما انقاذ امريكا من التورط بحروب الاخرين بعد انسحابها من العراق وافغانستان، وهي تكمل انسحابها من منطقة الشرق الاوسط،انما لا يحق لها ان تترك المنطقة العربية، عمدا”، في حالة انهيار تساهم في صنعها الولايات المتحدة، وقد وصف ذلك المراقبون بانه اسوأ استثمار امريكي في مستقبل العلاقات الامريكية العربية.  هل ذلك يتطلب من المملكة العربية السعودية وهي تقود دول مجلس التعاون الخليجي، وتنسق مع حليفتها العربية الكبرى مصر، ان تحدد موقعها في التطورات والتحالفات عبر محور عربي لتحقيق مصالحها في استقلالية ولو محدودة الافق، ولكن ضمن تقاطع المصالح المشتركة في المنطقة؟..

تقارب ايراني خليجي

 بعد احداث الحادي عشر من ايلول(سبتمبر) 2001، اكدت الولايات المتحدة اولوياتها الاستراتيجية في منطقة الشرق الاوسط، في بعدين حيويين هما: النفط وامن اسرائيل، وبرز في هذا المجال هدف يتعلق بالخلاص من النظام العراقي وخروجه من معادلة الصراع العربي الاسرائيلي، محاولة لإضعاف جبهة المعارضة للسياسات الاسرائيلية ولعملية التسوية في المنطقة، لتطويع الدول العربية الاخرى والدول المجاورة لها، وعلى رأسها ايران لصالح الرؤى الامريكية.

وبالتالي فان البيئة الدولية التي تجسدت في قطب واحد معاد لدولة مهمة مثل ايران، ادى الى تقاربها مع دول الخليج وبخاصة مع اكثرها ثقلا “سياسيا” وماليا، وهي المملكة العربية السعودية.  لقد شهدت العلاقات الخليجية الايرانية في عهد الرئيس محمد خاتمي تقاربا باتجاه التطبيع في اشكال وصور مختلفة غير مسبوقة، وانعكس هذا التطور في مجموعة من التفاعلات الخليجية التي بدأت تأخذ شكل العلاقات الطبيعية بين ضفتي الخليج، وقد توجت بالاتفاقية الامنية عام 2001 بين السعودية وايران لتمثل بداية لمرحلة جديدة ومتميزة في العلاقات العربية الخليجية الايرانية بعامة، والعلاقات السعودية – الايرانية بخاصة .

وكان هدف ايران من هذا التقارب تدعيم مكانتها ونفوذها في المنطقة. لكسر حالة الجمود التي اتسمت بها سياستها الخارجية بعد الثورة، اما السعودية فقد كانت ترى في ايران شريكا اساسيا في المنطقة للمحافظة على امنها، في حالة تسوية الخلافات بين ايران ودول مجلس التعاون الخليجي، ومنذ ذلك الوقت كان للعوامل الخارجية دور كبير في عمليتي التقارب والتنافر بين الفريقين، وكان تأثير الولايات المتحدة اكثر وضوحا” بهذا الصدد، وهو يختلف باختلاف التطورات الاقليمية والدولية التي كانت اما داعمة لعملية التنافر او داعمة لعملية التقارب، وذلك وفقا للمصالح الامريكية المتنافرة مع المصالح الايرانية.

الدفاع عن الاسلام

مرت العلاقات السعودية الامريكية، وكذلك العلاقات الايرانية الامريكية بحالة من عدم الاستقرار بعد احداث 11 ايلول (سبتمبر) نتيجة للحرب الامريكية على الارهاب، مما دفع أكبر دولتين في منطقة الخليج العربي الى التقارب فيما بينهما (ايران والسعودية)، ولا سيما بخصوص الحملات الاعلامية الغربية ضد الاسلام والمسلمين، حيث كان الموقف الرسمي لكلا البلدين متطابقا.

وهذا ما عبر عنه انذاك البرلمان الايراني السعودي ببيان لهما اصدراه جاء فيه: يدين البلدان الحملة الاعلامية الاثمة ضد القيم والمبادئ السامية للإسلام واعتبراها مؤامرة لتشويه الاسلام ولإضعاف الدول العربية والاسلامية . وذلك بعد زيارة مهدي خروبي رئيس البرلمان الايراني انذاك للسعودية، وكان لكل من السعودية وايران خلال تلك الحقبة مصالح واهداف من هذا التقارب، فالسعودية كانت تعد الحليف الاقوى لواشنطن التي كانت تفرض حصارا على النظام الايراني.

فكان اي تقارب يحدث بين الرياض وطهران يعد بمثابة رسالة واضحة الى واشنطن تفيد بأن سياسة الاحتواء المزدوج التي تمارسها ضد العراق وايران قد فشلت فشلا” ذريعا” في شقها الموجه ضد طهران. وايران شريك مهم في الخليج في المحافظة على امن المنطقة. وقد اوضحت السعودية عدة مرات ان عملية التقارب السعودي الايراني يصب في مصلحة باقي الدول الخليجية بما فيها دولة الامارات المتنازعة مع ايران. ومسألة الجزر الثلاث اضحت في ذلك الوقت احدى النقاط التي تدعم التقارب السعودي الايراني، ولم تعد نقطة حرج بالنسبة للسعودية كما كانت في السابق.

اسباب التوتر

لقد دفعت عدة عوامل بالعلاقات الخليجية الايرانية نحو مزيد من التنافر والتوتر، منها: اولا”: النزاع الايراني الاماراتي حول الجزر الثلاث وهي: ابو موسى، طمب الكبرى، وطمب الصغرى، وترفض ايران اي مناقشة في موضوع هذه الجزر.

ثانيا: الخلاف الطائفي بين المذهب السني الذي تعتنقه غالبية شعوب دول الخليج العربية والمذهب الشيعي الذي تتبناه ايران.

ثالثا”: تأكيد ايران لبعض السياسات النفطية المناوئة للسعودية.

رابعا”: الوجود الامريكي العسكري في منطقة الخليج منذ حرب الخليج عام 1991، وازدياده بعد الاحتلال الامريكي للعراق.

وقد فاقم الوضع العراقي وتطوراته وتداخل السياسات الامريكية للمنطقة مع السياسات الايرانية من تعقيد عملية التقارب الخليجي الايراني، بخاصة بعد قيام ايران بتعزيز وجودها وهيمنتها على العراق من خلال التنظيمات والاحزاب السياسية الطائفية المرتبطة بها. بحيث تمكنت هذه الهيئات من تحقيق هيمنتها على قوات الامن والحرس الحكومي وعلى وزارات الدولة، مستغلة الموقف الامريكي المعادي لأهل السنة، وبسبب تعاظم التدخل الايراني وسيطرته على الحكم برئاسة نوري المالكي، اختلف الموقف السعودي تجاه ايران، وحملت الرياض الولايات المتحدة مسؤولية التناحر الطائفي، واتهمت واشنطن بانها سلمت العراق للإيرانيين على طبق من ذهب.  خامسا” : التخوف الخليجي من البرنامج النووي الايراني، خصوصا” وان انعكاساته لن تقتصر على امن منطقة الخليج فحسب، بل على امن الشرق الاوسط والعالم بشكل عام، وقد اعربت دول المنطقة عن قلقها العميق من خطورة هذا البرنامج.  ولذلك اكد الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في اطار تعليقه على “التصريحات الانفتاحية “لإيران على دول الخليج بعد التقارب الامريكي الايراني  الاخير، موقف بلاده من البرنامج النووي قائلا: “سياستنا مبنية على ان تكون منطقة الشرق الاوسط خالية من اسلحة الدمار الشامل، وما نصر عليه، هو ان تلتزم ايران معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية، وان يتخذ مجلس الامن القرار الذي يكفل بالتزامها بنصوص هذا الاتفاق”.

 المصالح التجارية

على رغم حالة التباعد والتنافر التي تشهدها العلاقات الخليجية الايرانية، فقد لوحظ استمرار المصالح الاقتصادية بينهما، وخصوصا حركة التبادل التجاري، مع الاشارة الى تأثرها بالعقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضتها واشنطن على ايران، وذلك على الرغم ايضا”مع استمرار الخلاف الذي يصل احيانا” الى حالة التوتر بين الامارات وايران بسبب احتلال الاخيرة للجزر الثلاث.  وقد اظهرت الاحصاءات انكماش التجارة غير النفطية لدبي مع ايران 12 في المائة في النصف الاول من 2013، في مؤشر على الاضرار التي تلحقها العقوبات الغربية بالاقتصاد الايراني.

ولفترة طويلة ظلت دبي التي يعيش فيها عشرات الالاف من الايرانيين مركزا تجاريا رئيسا” للاقتصاد الايراني ونقطة لإعادة تصدير البضائع الاستهلاكية من دول اخرى الى ايران.

وقد تراجع هذا الدور نتيجة  العقوبات المالية التي فرضتها واشنطن اواخر 2011 بسبب البرنامج النووي الايراني، مما دفع البنوك في دبي وشتى انحاء العالم الى وقف التعاملات المرتبطة بايران. واوضحت دائرة جمارك دبي ان التجارة بين دبي وايران بعد استبعاد النفط، تراجعت الى 10.8 مليار درهم (2.9 مليار دولار) في الفترة من كانون الثاني (يناير) الى حزيران (يونيو) 2013 من 12.3 مليار درهم في الفترة نفسها من عام 2012، وانخفضت اعادة التصدير الى ايران بنسبة 13.5% الى 9 مليارات درهم في الاشهر الستة الاولى من العام الحالي .

مستقبل التقارب

لا شك في ان تقييم عملية التقارب الايراني الخليجي حاليا”، ليس سهلا” في ظل المتغيرات المتتابعة التي تكتنف الساحة السياسية في المنطقة والمؤثرات الدولية المتزايدة، وخصوصا” وان مستقبل هذا التقارب يبقى رهن التحركات الايرانية والسعودية باعتبارهما قطبي الخليج الاكثر تفهما” وادراكا” لأهميته، والا يكون على حساب اي دولة من دول الخليج، مع التأكيد على موقع واهمية ودور المملكة العربية السعودية، ليس كونها اهم واكبر دولة خليجية، بل كونها مرجعية اساسية في مسيرة الوطن العربي ككل. لا سيما لجهة تحالفها مع معظم الدول العربية وفي مقدمتها مصر، ودورها المتقدم في حل الازمة السورية ووقف نزيف دم السوريين.

وتبقى الاشارة الى ان السيناريو لمستقبل العلاقات الخليجية الايرانية، يمكن ان يرتكز على التشاور المستمر بين الطرفين في القضايا المشتركة مع اضفاء الطابع المؤسسي على هذه التفاعلات عن طريق انشاء لجان مشتركة تجتمع بصورة دورية، وتوسيع مجال التعاون في الامن مثل مكافحة المخدرات والارهاب والجريمة المنظمة، ووضع ترتيبات خاصة في مجال التعاون العسكري بخصوص ضمان حرية الملاحة في الخليج والحفاظ على الامن والاستقرار في هذه المنطقة، والاتفاق على حل جميع المشاكل العالقة بما فيها جزر الامارات والبرنامج النووي الايراني الذي يجب ان يحقق اهدافا” سلمية.

 الاناضول

زر الذهاب إلى الأعلى